قوات الدعم السريع تشنّ هجومًا واسعًا على الفاشر من عدة محاور
6 أكتوبر 2025
كانت مدينة الفاشر على موعدٍ، اليوم الإثنين، مع هجوم واسع نفذته قوات "الدعم السريع" من ثلاثة محاور. وتشير معلومات ميدانية من المدينة المحاصرة منذ أكثر من عام إلى تمكّن الفرقة السادسة مشاة في الجيش السوداني، إلى جانب القوة المشتركة، من صدّ الهجوم. غير أن مصادر أخرى تعتبر أنّ من المبكر حسم نتيجته، إذ لم تتراجع القوات المهاجمة بعد إلى مواقعها.
ويتزامن الهجوم على الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، مع تصعيد في عمليات القصف التي تنفذها قوات الدعم السريع ضد أحياء المدينة ومراكز الإيواء والأسواق، ما أدى خلال الأسبوع الماضي إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى.
في السياق، أعربت تنسيقية لجان مقاومة الفاشر عن مخاوف صحية بعد انبعاث روائح نفاذة وغريبة في أنحاء المدينة، إثر مقذوفات ألقتها طائرات مسيّرة تابعة لـ"الدعم السريع" خلال الساعات الأخيرة. ونقلت التنسيقية عن مصادر طبية أن المقذوفات تحتوي على مواد كيميائية لم تُحدَّد طبيعتها بعد.
وتُعدّ الفاشر آخر معقل رئيسي للجيش السوداني وحلفائه في إقليم دارفور، الذي تسيطر قوات الدعم السريع على أربعٍ من ولاياته الخمس. وتسعى هذه القوات، وفق مراقبين، لإحكام قبضتها على الإقليم تمهيدًا للتركيز على جبهات القتال في كردفان، وربما للمضي نحو مشروع انفصالي بعد أن شكّلت مؤخرًا حكومة موازية ومجلسًا رئاسيًا ودستورًا انتقاليًا.
هدّد قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو بالعودة إلى الخرطوم وبسط السيطرة عليها من جديد
تفاصيل الهجوم الجديد على الفاشر
فيما يتعلق بتفاصيل الهجوم الجديد على مدينة الفاشر، نقل موقع "الترا سودان" عن مصادر عسكرية قولها إن الجيش السوداني والقوة المشتركة تصدّيا بنجاح لهجوم شنّته قوات الدعم السريع من ثلاثة محاور: الشمالي، والجنوبي، والشمالي الغربي.
وذكرت المصادر أن قوات الدعم السريع استبقت الهجوم بقصف مكثف بالمدفعية الثقيلة والطائرات المسيّرة استهدف مخيمات النازحين والمرافق الخدمية داخل المدينة.
وأضافت المصادر أن الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش السوداني، إلى جانب القوة المشتركة، "تعاملت مع القوة المهاجمة التي حاولت التوغل داخل المدينة بالقصف المدفعي والطيران المسيّر، وتمكنت من تدمير عدد من العربات القتالية، ويجري حصرها حاليًا".
وأشارت إلى أن أعمدة الدخان ما تزال تتصاعد في سماء المدينة، مع اختفاء أصوات الاشتباكات في مختلف محاور القتال.
من جانبه، قال الناطق الرسمي باسم القوة المشتركة، العقيد أحمد حسين مصطفى، لموقع "الترا سودان" إن "قوات الدعم السريع تكبّدت خسائر فادحة في هجومها على الفاشر، إذ تركت قتلاها وآلياتها خلفها وفرّت هاربة"، وفق تعبيره.
وأضاف أن "المناوشات اليومية ما تزال مستمرة في مدينة الفاشر، رغم فشل قوات الدعم السريع في السيطرة عليها، على الرغم من استعانتها بمرتزقة من عدة دول"، بحسب قوله.
وأكد المتحدث أن "الفاشر ستظل عصيّة على ميليشيا آل دقلو الإرهابية، وسيُدحرون في كل محاولة، وسيجرّون أذيال الهزيمة"، على حد وصفه.
ويرى متابعون أن وتيرة التطورات في الفاشر تسارعت منذ الإثنين الماضي، بعد نجاح الجيش السوداني لأول مرة منذ ستة أشهر في تنفيذ عملية إسقاط جوي وتموين الفرقة السادسة داخل المدينة بالعتاد الحربي والمؤن الغذائية.
وترفض قوات الدعم السريع حتى الآن أي هدنة إنسانية تتيح إيصال المساعدات، بما في ذلك المقترح الذي قدّمه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في حزيران/يونيو الماضي. كما لم تُفضِ مبادرة "الآلية الرباعية" — التي تضم الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات — إلى أي نتائج بشأن حصار الفاشر المستمر منذ أكثر من 500 يوم.
وأدّى الحصار الخانق إلى تفاقم أزمة إنسانية حادة في المدينة، مع نقص حاد في الغذاء والدواء، وارتفاع معدلات الوفيات اليومية بين الفئات الأضعف، خصوصًا الأطفال والنساء الحوامل وكبار السن، نتيجة سوء التغذية والجوع.
تهديدات جديدة من حميدتي
أطلق قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، الملقب "حميدتي"، أمس الأحد، سلسلة من التهديدات والاتهامات الجديدة تجاه خصومه، متهمًا الجيش السوداني بالتخطيط للحرب الحالية منذ أربع سنوات. وزعم حميدتي أن عملية دمج قوات الدعم السريع تم الاتفاق عليها مسبقًا، لكن "الإسلاميين"، بحسب تعبيره، أفشلوا "الاتفاق الإطاري" بإشعال نيران الحرب.
وكعادته، لوّح حميدتي بإمكانية إعادة قواته إلى العاصمة الخرطوم مجددًا. وكانت قوات الدعم السريع قد تكبّدت خسائر متتالية منذ مطلع العام الجاري، دفعتها إلى الانسحاب من العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة، باتجاه إقليم كردفان، الذي تحوّل إلى ساحة المعركة الرئيسية بينها وبين الجيش السوداني، إلى جانب معارك الكرّ والفرّ في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور.
وتزامنت تصريحات حميدتي مع تحركات اللجنة الرباعية بشأن السودان، التي كشفت عن مبادرة جديدة تتضمن إعلان هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، يعقبها وقف شامل لإطلاق النار، ثم مرحلة انتقالية سياسية شاملة تستثني حركة الإخوان المسلمين.
ولم تُعلن قوات الدعم السريع موقفها الواضح من المبادرة بعد، فيما أبدت الحكومة المركزية في الخرطوم تحفظها على بعض بنودها التي اعتبرتها "مساسًا بالسيادة الوطنية".
ويشهد السودان منذ منتصف نيسان/أبريل 2023 حربًا طاحنة بين الجيش وقوات الدعم السريع، تسببت في نزوح نحو 15 مليون سوداني ومقتل ما لا يقل عن 23 ألف مدني. وتصف الأمم المتحدة الأزمة السودانية بأنها "أسوأ كارثة إنسانية في العالم حاليًا".