19-يوليو-2019

أطفال سوريون في سهل البقاع في لبنان (رويترز)

الترا صوت – فريق التحرير

خلال اجتماعه يوم الإثنين، 15 نيسان/ أبريل الفائت، أقرّ المجلس الأعلى للدفاع في لبنان جُملةً من القرارات المُتعلّقة بوجود اللاجئين السوريين في لبنان، من بينها قرارًا يقضي بهدم الأسقف الإسمنتية التي تأوي اللاجئين في المخيمات، وترحيل المواطنين السوريين الداخلين إلى لبنان دون المرور بالمعابر الرسمية. تبعت القرارات الجديدة الصادرة أصلًا عن جهةٍ لا صلاحية لها في اتّخاذ مثل هذه الإجراءات، حملة مُنظّمة تستهدف اللاجئين السوريين، وترفع من وتيرة الخطابات العنصرية والشعبوية الموجّهة ضدّهم، والصادرة أساسًا عن جهاتٍ رسمية وغير رسمية معروفة بولائها للنظام السوريّ.

 يعيش اللاجئون السوريون في لبنان حالة من عدم الاستقرار، ويترقّبون مصائر مجهولة حتّى هذه الساعة، تتراوح بين التهجير والتسفير والاعتقال، خصوصًا بعد إطلاق الحكومة يد أجهزة الأمن لشن حملات مداهمة واعتقال واسعة  

وعلى أساس هذه القرارات والحملات الشعبوية الحزبية والأمنية، يعيش اللاجئون السوريون في لبنان حالة من عدم الاستقرار، ويترقّبون مصائر مجهولة حتّى هذه الساعة، تتراوح بين التهجير والتسفير والاعتقال، خصوصًا بعد إطلاق الحكومة اللبنانية يد أجهزة الأمن لشن حملات مداهمة واعتقال واسعة بدأت من العاصمة بيروت، ووصلت ليلة الأوّل من أمس إلى مناطق في جبل لبنان، تُحسب بلدياتها على أحزاب فريق 8 آذار. والمُلفت في حملات الأجهزة الأمنية هذه أنّها جاءت بأهداف متعدّدة، أوّلها اعتقال السوريين الداخلين إلى لبنان بطريقة غير شرعية ومن ثم تسفيرهم، وإنذار السوريين المنتهية إقاماتهم، والطلب من آخرين إجازات عمل، وإغلاق محال ومؤسسات يملكها سوريون مقيمون في لبنان، وكذا منع السوريين من العمل في مؤسسات لبنانية؛ مطاعم، فنادق، متاجر، إلخ... والأهم من ذلك، إذلال وإرهاب السوريين لإجبارهم على العودة.

اقرأ/ي أيضًا: اللاجئون السوريون في البازار اللبناني

اللاجئين السوريين في لبنان... وقود الصراعات الداخلية

قضية اللاجئين السوريين البالغ عددهم بحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، نحو مليون لاجئ، بينما حدّدت الحكومة اللبنانية العدد بأكثر من مليون ونصف؛ ليست سجالًا جديدًا. حيث إنّها كانت ولا تزال مادّة للتراشق الداخلي اللبنانيّ بين أحزاب تؤيّد وجود السوريين، وهي غالبًا أحزاب تتّخذ موقفًا مًعاديًا من نظام بشّار الأسد، وأخرى تُعارض هذا الوجود، وتعتبره تهديدًا لاستقرار لبنان، وهي أحزاب مُناصرة لنظام الأسد، وتتعامل مع هذا الملف وفقًا لطبيعة علاقتها معه.

ومن المعروف أنّ هذه الأحزاب تبذل جهدًا كبيرًا وملحوظًا لاستغلال قضية اللاجئين سياسيًا، وتحويلها إلى قضية رأي عام بهدف تغطية حقيقة أنّها قضية أحزاب وأفراد فقط، من خلال اللعب المستمر على وتر الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الحادّة التي يعيشها المواطن اللبنانيّ، وتحميل اللاجئين السوريين مسؤوليتها. بالإضافة إلى تعاملها مع هذا الملف باعتباره فرصة لفرض سياساتها نحو اللاجئين وكذا نحو الموقف من السلطات السورية، على أحزاب وشخصيات تتّخذ موقفًا مُغايرًا ومُختلفًا عنها، وترى أنّ الشروط اللازمة لعودة آمنة للاجئين، لا تزال غير متوفّرة.

في السياق عينه، ترى شخصيات سياسية وأحزاب بارزة محسوبة على فريق 14 آذار أنّ وكلاء الأسد في لبنان، حزب الله والتيار الوطني الحر تحديدًا، حوّلا قضية اللاجئين إلى ساحةٍ لتصفية حساباتٍ سياسية قديمة، بالإضافة إلى المُجاهرة من خلالها بهيمنتهما وسيطرتهما على الدولة اللبنانية وقراراتها الداخلية والخارجية. والهدف، إضافة إلى خدمة نظام الأسد، هو كسر عظم 14 آذار، لا سيما بعد حصول ما يُعرف بتحالف 8 آذار (شكّله ويديره ويوجّه سياساته حزب الله) على أغلبية نيابية في الانتخابات الأخيرة التي أجريت في أيار/مايو 2018، نتج عنها تعيين صلاح الغريب المحسوب على طلال أرسلان والمقرّب من الحزب، وزيرًا لشؤون النازحين، ما معناه سيطرة حكومة بشار الأسد، رسميًا، على ملف اللاجئين.

بعد خسارة 14 آذار عددًا كبيرًا من مقاعده البرلمانية، بات موقفه وتأثيره في العديد من القضايا والملفّات، قضية اللاجئين واحدة منها، أكثر ضعفًا. وزاد افتراق تيّار المستقبل وزعيمه سعد الحريري غير المُعلن عن سياسات الفريق بعد تفاهمه مع رئيس التيّار الوطني الحر في إطار ما يُعرف بـ "التسوية الرئاسية"، من ضعف موقف التحالف المعارض للحكومة السورية.

ويعتبر حلفاء الحريري والمقرّبين منه أنّ هذه التسوية التي أفضت إلى انتخاب ميشال عون رئيسًا للجمهورية، وتعيينه رئيسًا للحكومة، دفعت به إلى سلكٍ مسارٍ آخر يختلف عمّا سلكه سابقًا، مُتماشيًا مع سياسات عون تارةً، وغاضًّا النظر عنها طورًا، ومُفرّطًا، بحسب أبناء بيئته السياسية والحزبية، بصلاحيات رئيس الحكومة، الأمر الذي انعكس سلبًا على اللاجئين السوريين الذين تولّى تيّاره نفسه ملفّهم حين عيّن معين المرعبي وزيرًا لشؤونهم في الحكومة السابقة، مُتخّذًا من مُعارضة أي عودة للاجئين في ظلّ استمرار الأسد على رأس السلطة، سياسةً عامّة للوزارة والتيّار وفريق 14 آذار كاملًا.

يعني ما سبق أنّ قرارات الحكومة اللبنانية الجديدة، والحملات العنصرية المُتزامنة معها، والهادفة أساسًا إلى تجييش اللبنانيين ضدّ السوريين؛ مُرتبطة بعدّة مُتغيّرات إقليمية ودولية، وكذا محلّية مُتعلّقة بهيمنة فريق 8 آذار، وكيل الأسد في لبنان، على قرار الدولة اللبنانية، والتفافه أيضًا على التزاماتها القاضية بمنع تسفير أي لاجئٍ سوريّ بموجب توقيعها والتزامها باتفاقية "مناهضة التعذيب".

والفريق الذي يقوده حزب الله وتموّله إيران، استغل تورّط روسيا إلى جانب بشّار الأسد في حربه على السوريين، واتّباعها سياسة الأرض المحروقة لاستعادة المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلّحة، وتهجيرها للسكّان الأصليين في حلب ودرعا والغوطة الشرقية وداريا، وريف حمص، والزبداني، والقصير، وغيرها من المناطق؛ لتمرير أجنداته وتنفيذ مآربه بعد انحسار نفوذ المعارضة المسلّحة ورقعة سيطرتها، وابتعادها أيضًا عن الحدود اللبنانية.

روسيا ومساعيها للانفراد بتقرير مصير اللاجئين السوريين

من المستبعد أن يكون قرار الحكومة اللبنانية ترحيل السوريين الداخلين دون المرور بالمعابر الرسمية، ووضعها شروطًا تعجيزية للحصول على إقامات مؤقّتة؛ قد جاء بدون تنسيق مسبق مع سلطات النظام السوري ومعها روسيا أيضًا، باعتبار أنّ الأخيرة تُحاول السيطرة على مسار وقضية عودة اللاجئين، ولأنّ حملة بهذا الحجم متزامنة مع قرارات متعلّقة بوجود السوريين على الأراضي اللبنانية، ودعوة أصحاب المؤسّسات لطرد العمّال السوريين، لا يُمكن أن تحدث دون ترتيبٍ مُسبق.

التنسيق بين الحكومة الروسية واللبنانية بدأ منذ إعلان روسيا عزمها إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وإقامة مراكز تنسيق وعمل مشترك مع حكومات الدول المستضيفة لتسهيل عودتهم طوعيًا، بحسب ادعاءاتها، غير أنّها في الواقع عودة قسرية تعمل روسيا ولبنان معًا على إنجاحها عبر اللجوء إلى خيار التضييق على السوريين في عملهم ومعيشتهم، والطلب من البلديات التابعة لأحزاب 8 آذار طرد اللاجئين أو منعهم من استئجار البيوت، والتجوّل ليلًا.

ولا يخفى على أي متابع للوضع الداخلي اللبنانيّ، وطريقة تعاطي حكومة حزب الله وحلفائه مع ملف اللاجئين، الجهد الذي تبذله روسيا لإعادة أكبر عددٍ من اللاجئين، لاسيما بعد أنّ أدركت بأنّ خطّتها لم تجد لها آذان صاغية إلّا في لبنان، حيث تلاقت جهودها مع جهود لبنانية أخرى مبذولة من جهاتٍ رسمية وغير رسمية، مستغلّة الحالة الاقتصادية والاجتماعية البائسة للبنان من أجل تحقيق ما تتطلّع إليه.

اقرأ/ي أيضًا: فوبيا اللاجئين السوريين في لبنان.. عنصرية من الوزير قبل المواطن

مساندة روسيا للحكومة اللبنانية، ودعمها لإجراءاتها الأخيرة التعسفية بحقّ السوريين، وإجبارهم على العودة قسريًا، لها هدف واحد، وهو إعادة شرعنة بشار الأسد ونظامه، والادعاء بأن عودة اللاجئين دليل على أنّ الحرب انتهت، وأن الحياة في سوريا بدأت تعود لمجاريها، مما يعني أنّه لا ضرورة لبقاء السوريين خارج الحدود. عدا عن إقناع الدول الغربية بضرورة رفع العقوبات المفروضة على حكومة الأسد، ومساعدته في إعادة بناء البنية التحتية، لأنّ اللاجئين العائدين بحاجة إلى مساكن، وكذلك إلى فرص عمل جديدة، لن يكون النظام قادرًا على توفيرها وحده.

من المستبعد أن يكون قرار الحكومة اللبنانية ترحيل السوريين، ووضعها شروطًا تعجيزية للحصول على إقامات مؤقّتة؛ قد جاء بدون تنسيق مسبق مع سلطات النظام السوري ومعها روسيا أيضًا

المُلفت في دعوات روسيا المتكررة لعودة اللاجئين السوريين، وتأكيدها المستمر بأنّ الحرب انتهت، وأنّ هناك عدّة مناطق آمنة وقادرة أيضًا على استقبال العائدين، هو أنّ روسيا نفسها لم تقدّم أي تطمينات للعائدين من الناحية الأمنية، لا سيما وأنّ أغلب السوريين إمّا مطلوبين لأجهزة الأمن، أو للتجنيد الإجباري. وهذا ما يفسّر بطبيعة الحال عزوف الأغلبية عن العودة، خصوصًا بعد الأخبار التي تصل ممن خُدعوا وعادوا ووجدوا أنفسهم في قبضة أجهزة الأمن السورية. أضف إلى ذلك أنّ دعوات روسيا هذه تجيء مع ضلوعها بتهجير مئات آلاف السوريين من مختلف المدن السورية، وأن جزءًا كبيرًا منهم أيضًا، وللمفارقة، لجأ إلى لبنان.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

جبران باسيل..العنصرية ضد السوريين كاستراتيجية