14-أبريل-2017

احتجاجات الطلبة يوم الجمعة في تونس (ياسين القايدي/الأناضول)

دخل طلبة الجامعات التونسية اليوم الجمعة 14 نيسان/أبريل 2017 في إضراب عامّ تضامنَا مع طلبة الحقوق على إثر تعرّض مسيرتهم لقمع من قوات الأمن. حيث بالتزامن مع تصاعد الاحتجاجات الاجتماعية بعديد الجهات، تنتقل حالة الاحتقان لصفوف الطلبة وذلك في ظلّ انتهاج السلطة للقمع بما يكشف عن تصعيد خطير بات يتابعه الشارع التونسي بكثير من الريبة والحذر.

دخل طلبة الجامعات التونسية في إضراب عامّ تضامنًا مع طلبة الحقوق على إثر تعرّض مسيرتهم يوم أمس لقمع من قوات الأمن

وقد انطلقت الحركة الاحتجاجية في الفضاء الطلابي منذ زهاء شهر من داخل كليات الحقوق والعلوم القانونية رفضًا لأمر حكومي يقضي باشتراط الماجستير للالتحاق بالمعهد الأعلى للقضاء. وقد نظّم طلبة الحقوق منذ إصدار الأمر مسيرات احتجاجية أمام المقرّين المتجاورين لرئاسة الحكومة ووزارة العدل بالعاصمة، وهي مسيرات دائمًا ما تلقى تعاملاً أمنيًا عنيفًا. وقد فشلت، بالتوازي، جميع الاجتماعات التفاوضية بين وزير العدل والطلبة، الذين يلقون دعمًا من عمداء كلياتهم في خصوص رفض الأمر.

اقرأ/ي أيضًا: الطلبة الأفارقة يحتجون ضد العنصرية في تونس

احتجاجات الطلبة اليوم في تونس (ياسين القايدي/الأناضول)

إن انتقال الحركة الاحتجاجية من طلبة الحقوق لتشمل جميع الطلبة، توازت مع تطوّر موضوع الاحتجاج من المطالبة بإلغاء أمر حكومي يخصّ طلبة الحقوق إلى التنديد بقمع قوات الأمن، وهو ما توازى بالتتابع من الاحتجاج من أمام مقريّ رئاسة الحكومة ووزارة العدل إلى مقرّ وزارة الداخلية بشارع الحبيب بورقيبة أو "شارع الثورة" بما يحمله من رمزية تاريخية. حيث لم تعد المسألة تهمّ طلبة الحقوق بل أصبحت تهمّ جميع الطلبة.

ويرى كثيرون أن الخطورة الحقيقية تكمن في تعامل السلطة مع الحركة الاحتجاجية سواء من جهة وزير العدل في مرحلة أولى ثم من وزير الداخلية في مرحلة ثانية، وما يخفيه شكل هذا التعامل من رسائل سلبية وخطيرة للمجتمع التونسي. ففي البداية، حينما أصدرت رئاسة الحكومة تعديلاً لشروط الالتحاق بالمعهد الأعلى للقضاء، لم يقع التشاور مع الجهات المعنية، أي الطلبة وعمداء الكليات القانونية.

ويكشف إصدار هذا الأمر الذي يخصّ مصير آلاف طلبة الحقوق، بطريقة فوقية ومفاجئة عن توجّه إقصائي سرعان ما لقي صدّا من الطلبة مع إسناد من الأساتذة الجامعيين لهم. حيث أعلن عمداء كليات الحقوق تضامنهم مع الطلبة واعتبروا أن شرط الماجستير الجديد له انعكاسات سلبية على حسن سير الدروس ومسألة القبول للدراسة بالماجستير في ظل محدودية طاقة الاستيعاب، ودعوا لإرساء مقاربة شاملة للتكوين.

وقد رفض الطلبة لاحقًا مقترح وزير العدل بتعليق سريان الشرط الجديد وجعله خاصًا بالطلبة الجدد في السنة الجامعية القادمة، بعنوان أن المسألة مبدئية وليست مصلحية، حيث ينبني رفض شرط الماجستير على أساس أنه التفاف على المشكل الحقيقي وهو معضلة التكوين، وبالتالي فالأولوية هي إصلاح المنظومة الجامعية "إمد"، التي أثبتت فشلها في اختصاص القانون بشهادة الجامعيين، وليس الترفيع في شرط اجتياز مناظرة القضاء.

بالتزامن مع تصاعد الاحتجاجات الاجتماعية في تونس، تنتقل حالة الاحتقان لصفوف الطلبة وذلك في ظلّ انتهاج السلطة للقمع في تصعيد خطير

لم يكتف الطلبة بالاحتجاج على الأمر وتعليق الدروس بل قاموا بمبادرة لتقييم منظومة "إمد" الجامعية شارك فيها الطلبة وأساتذة جامعيون، وتناولت سبل تحسين التكوين في كليات القانون. وانتهت هذه المبادرة التي أطلقها طلبة كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس بإصدار تقرير ختامي يتضمّن توصيات، بيد أن هذه المبادرة لم تلق صدى إيجابيًا لدى وزير العدل الذي لا يزال يرفض إلغاء الأمر الحكومي.

احتجاجات الطلبة اليوم في تونس (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

اقرأ/ي أيضًا: عن معاناة طالب الدكتوراه في تونس

ومما زاد في تأزّم الأوضاع مؤخرًا هو قمع قوات الأمن بشكل منهجي لاحتجاجات طلبة الحقوق أمام مقرّ رئاسة الحكومة، وما يعنيه من انتهاك لحق التعبير والتظاهر لطلبة الحقوق بالذات. فلماذا تتعامل قوات الأمن بعنف شديد مع الطلبة بالشكل الذي أدى لإصابة عدد منهم بجروح وإصابات خطيرة؟ الإجابة كانت ينتظرها الطلبة، الذين يلقون إسنادًا من البرلمانيين، عبر فتح وزارة الداخلية لتحقيق رسمي بالأمر، إلا أن هذا لم يحصل، بل اتهم وزير الداخلية الطلبة بالعنف فيما بينهم، ونفى استعمال أعوان الأمن للعنف وهو ما يتعارض مع مقاطع مصوّرة نشرها الطلبة.

وقدّ تكرّرت الاعتداءات مجددًا بعد تنظيم مئات الطلبة يوم إضرابهم لمظاهرة أمام وزارة الداخلية، وهو ما قد يكشف عن اتجاه نحو التصعيد لا تهدئة الأوضاع. ويأتي هذا التصعيد في ظلّ ارتفاع وتيرة الاحتجاجات الشعبية بعديد محافظات البلاد، كما يتوازى مع أزمة المجلس الأعلى للقضاء، الذي يُفترض استشارته في المسائل المتعلقة بالقضاء على غرار قضية الحال، وهي أزمة، للمفارقة، يُعتبر وزير العدل الحالي أحد أسبابها وفق قطاع كبير من القضاة.

وتظلّ الصورة الأكثر وضوحًا لمعظمم المتابعين هي قمع أعوان الأمن بشكل منهجي لطلبة الحقوق من القضاة والمحامين وجزء كبير من الإطارات العليا في الدولة. وربما يستلزم الأمر رفع درجة اليقظة خاصّة في ظلّ عدم انخراط جهاز الأمن في عملية إصلاح جذري لضمان عدم تكرار انتهاكات الماضي، وهي انتهاكات لا تزال مستمرّة لليوم بعيدًا عن المحاسبة والمساءلة من الأجهزة المعنيّة. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

في تونس.. محامون مع "وقف الترسيم"!

مشروع "بناء الإنسان التونسي".. جدل الإيديولوجيا