05-أبريل-2017

ترامب والسيسي في البيت الأبيض (أوليفير دوليفربول/Getty)

ترسم زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى واشنطن ملامح حكمه خلال الفترة المقبلة، إذ يبدو أنه سيعود منها مُختلفًا عمّا سبق، أو هكذا أشارت تقارير صحافية من القاهرة. فحضور رئيس مصري إلى البيت الأبيض حدث لم يتكرر منذ 8 سنوات، حين التقى الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما. فضلًا عن أن السيسي يبدو وكأنه كان يعرف جيدًا عرضه من الزيارة قبل أن يُجريها، كما يبدو أن لديه خطة محددة للحصول على غرضه.

ترامب في ظهر السيسي

منذ تنصيب ترامب على كرسي الرئاسة في الولايات المتحدة، بدأ أنه والسيسي مُنسجمان، لاسيّما وأن كليهما يكنان العداء لما يُسمى بـ"الإسلام السياسي"، لذا فإنّ السيسي ينظر إلى ترامب على أنه أكثر تفهمًا من سلفه أوباما في مسألة الحرب على الإسلاميين. يُمكن رُؤية ذلك في دراسة إدارة ترامب الآن، مع الكونغرس، إدراج جماعة الإخوان المسلمين على قوائم الإرهاب، وهي الخطوة التي ربما تكون أولى هدايا الرئيس الأمريكي للسيسي بعد زيارته، رغم حملة الهجوم الشرسة التي تعرّض لها في واشنطن.

خصّ ترامب السيسي باستقبال حار، وقال له "لديك حليف وصديق في الولايات المتحدة"

يشترك السيسي وترامب في عدّة مواقف وآراء وأفعال وُصفت بالجنون، جعلت وسائل إعلام مصرية منذ اليوم الأول، تؤيِّده وتعتبره حليفًا للنظام المصري، بخاصة وأن لدى مصر سجلًا سيئًا مع هيلاري كلينتون الخصم اللدود لترامب. وانقلب الأمر إلى حقيقة، وخصّ ترامب السيسي باستقبال حار، متجاهلًا حالة حقوق الإنسان المتدهورة في مصر، ذلك الباب الذي تدخل منه أي إدارة أمريكية إلى أي رئيس مصري، قائلًا له "لديك حليف وصديق في الولايات المتحدة". كما أشاد البيت الأبيض بجهود السيسي لدعم ما أسمته بـ"مفهوم أكثر اعتدالًا للإسلام"، ما عبّر عن اتفاق جرى بين الرئيسين على "التركيز على الطبيعة السلمية للإسلام والمسلمين في العالم".

السعودية ليست بعيدة

منذ وقت ليس بالبعيد، والعلاقات المصرية السعودية ترقد على برميل بارود، لتكمل سجل التشابهات مع واشنطن التي مرَّت بتوتر عابر خلال الفترة الماضية، لكن حل القضيتين جاء في أوقات متقاربة، ففي النصف الثاني من مارس العام الجاري، طار محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي، إلى واشنطن، لترميم العلاقات بعد زيارة العاهل السعودي والده الملك سلمان بن عبدالعزيز، بعد موجة خلافات سعودية أمريكية، أنهى بها أوباما حكمه، بدأت بالملفين اليمني والإيراني، ولم تنتهِ بسحب 800 مليار دولار سعوديّ من بنوك واشنطن. ولكن كان التاريخ ينتظر من الطرفين أكثر، فكان على محمد بن سلمان أن يضع حدًا للخلاف.

في الوقت نفسه أعادت أرامكو السعودية تصدير النفط إلى القاهرة بعد قطعه دون إبداء أسباب، رغم أن الخلاف الذي طفا على السطح بسبب تشتيت النظام المصري قضية تيران وصنافير بين القضاء والحكومة ومجلس النواب، وامتدّت العلاقات وجرى الدم في عروقها من جديد، ما أزال الجليد بين البلدين، بخاصة مع عودة تدفق المصالح بين البلدين بوتيرتها الطبيعية.

اقرأ/ي أيضًا: تيران وصنافير.. الوقائع والخرائط والتاريخ

وردًا على المجاملة السعودية التي قد تكشف شيئًا ممّا يدور في الغرف المغلقة، يُفيد الوصول إلى حل وسط يرضي جميع الأطراف فيما يخص الجزيرتين وقضيتي سوريا واليمن وقروض الرياض المجمَّدة إلى القاهرة؛ قضت محكمة الأمور المستعجلة في مصر بإلغاء حكم وقف اتفاقية تيران وصنافير، لتسير بذلك العلاقات السعودية بالحليفين الجديدين ترامب والسيسي في خطين متوازيين، يتقاطعان ما بين الحين والآخر، ما قد يجعل من السعودية نفسها رقمًا مُؤثرًا في المعادلة بين القاهرة وواشنطن. 

الدولار.. الهدف الأول والأخير

حين سأله عن الاقتصاد المصري، أجاب السيسي ترامب: "مصر تُحارب وحدها منذ 40 شهرًا". ترامب في واقع الحال رجل أعمال، يفهم لغة الأرقام ويتكلم بلغات المال الذي يبحث السيسي عنه أينما حلّ وارتحل. ويعوّل الرئيس المصري من الزيارة على تعاون واسع مع واشنطن، يضخ مزيدًا من الاستثمارات والسياحة في القاهرة، بعد تراجع حجم التبادل التجاري بين البلديْن إلى 3.8 مليار دولار بعد أن كان 6 مليارات دولار عام 2014.

ولا يبدو أن قمة "السيسي - ترامب" سياسية من الدرجة الأولى. ثمّة سياسة لكنها على الهامش، ولكن يأتي الاقتصاد في المقدمة بين رجلين يعرفان قيمة المال جيدًا، الأول لعلمه به، والثاني لافتقاره له. وميل الرئيس المصري إلى ترامب وبلاده لإنقاذ الاقتصاد المصري المتداعي، بسبب انسحاب المعارضين لنظام ما بعد 3 يوليو 2013، من دوائر المال والأعمال بالقاهرة، نظرًا لكون واشنطن صاحبة أكبر اقتصاد في العالم واستثماراتها منتشرة في القارات السبع، ويمكن أن تتدفق بسهولة وسرعة إلى مصر لإنقاذ الجنيه من التآكل أمام الدولار، بعد ندرته في السوق المصرية.

لهذه الأسباب، وربما أكثر، اصطحب السيسي معه وفدًا من مجلس الأعمال المصري الأمريكي للمشاركة في الزيارة، وعقد عددًا من اللقاءات مع المسؤولين ورجال الأعمال الأمريكيين لشرح الأوضاع الاقتصادية في مصر، وجذب استثمارات بأمر ترامب المباشر.

أقباط المهجر يُهددون خطة السيسي

رغم ما حققه السيسي من مكاسب في واشنطن، تعثّر لحظة وصوله باستقبال فقير يعكس غضب أقباط المهجر والكنائس المصرية منه، وهبوط أسهمه لديها مقارنة بالزيارة الماضية أواخر 2016 للمشاركة في مُؤتمر الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقد دبّ الفتور في العلاقة بين الطرفين بسبب عدة قضايا لا تزال خلافية بعد تفجير الكنيسة البطرسية، فهل يساهم ذلك في إفساد خطته الاقتصادية لجلب الدولارات والاستثمارات من واشنطن؟

هناك أوامر صدرت من البابا تواضروس لدعم السيسي مجددًا، لكن أقباط المهجر لم يخضعوا لها.

الدليل الأكبر على الفتور أنه في سبتمبر/أيلول الماضي، صدر أمر كنسي للأقباط بدعم السيسي خلال زيارته لواشنطن لإلقاء كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وسافر وفد كنسي رفيع المستوى إلى الولايات المتحدة لحشد الأقباط والاطمئنان على إجراءات الاستقبال، لكن هذه المرة كان الأمر مختلفًا، فلم تحتفِ الكنيسة بالزيارة وقلّ عدد من حُشدوا لاستقبال السيسي، وتراجعت الحافلات، المجهّزة قبطيًا، لنقل المواطنين المصريين من ولاياتهم لاستقبال السيسي، من 50 حافلة إلى 10 فقط.

ويحصر نبيل مجلع، مندوب حملة السيسي الانتخابية في الولايات المتحدة، الاعتراضات والنتائج، بقوله في تصريحات صحفية: "ترحيبنا به في واشنطن لا يعني عدم اعترافنا بما يجري بحق الأقباط في مصر، وهذه مسألة أخرى". فهناك إذن أوامر صدرت من البابا تواضروس لدعم السيسي مجددًا، لكن أقباط المهجر لم يخضعوا لها.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

كيف يستغل النظام المصري حادثة الكنيسة؟

الديماغوجيون يحتلون العالم