18-يونيو-2021

لم تأت قمة بوتين بايدن بنتائج ملموسة (رويترز)

على الرغم من استخدام الرئيس الأمريكي جو بايدن كلمة "إيجابي" لوصف لقائه مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، ورد الرئيس الروسي بأن النتائج كانت "بناءة"، وذلك في معرض تعليقهما على القمة التي جمعتهما لأكثر من أربع ساعات في فيلا لا غرانج التاريخية في جنيف، يوم الأربعاء، فإن البيان الختامي للقمة التي كان يرتقبها حلفاء واشنطن نظرًا لأنها أول لقاء يجمع بايدن مع نظيره الروسي منذ وصوله إلى السلطة في كانون الثاني/يناير الماضي، لم يتطرق إلا لقضايا الرقابة على الأسلحة الاستراتيجية والحد من مخاطر نشوب نزاع نووي، واتفاقهما على عودة السفراء إلى مناصبهما.

على الرغم من استخدام الرئيس الأمريكي جو بايدن كلمة "إيجابي" لوصف لقائه مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، ورد الرئيس الروسي بأن النتائج كانت "بناءة" فإن قمتهما لم تأت بنتائج واضحة

تصريحات صحفية لم تشكل مفاجأة دبلوماسية في العلاقات

ما كان متوقعًا من نتائج القمة التي تابعتها مختلف وسائل الإعلام العالمية، أن البيان الختامي الصادر عن الكرملين أشاد بمصادقة موسكو التمديد على اتفاقية معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية لخمس سنوات إضافية في وقت سابق من العام الجاري، وهو ما انعكس في صيغته التي أشار إليها بالقول: "يدل التمديد الأخير لمعاهدة الحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية (ستارت-3) على انحيازنا (موسكو) للرقابة على الأسلحة النووية".

اقرأ/ي أيضًا: قمة بايدن وبوتين: اتفاق على عودة السفراء والموعد "مسألة فنية"

وكما كان متوقعًا قلل بوتين في حديثه مع الصحفيين من حجم الاتهامات الأمريكية المرتبطة بوقوف موسكو وراء الهجمات السيبرانية التي استهدفت مؤسسات رسمية أو خاصة أمريكية في العام الماضي، مشددًا بذلك على التزام بلاده بمناقشة قضايا الأمن السيبراني مع واشنطن، لكنه أضاف في هذا الشأن "أن الولايات المتحدة مهتمة بالنظر في هذا الأمر"، في إشارة للاتهامات الأمريكية المرتبطة بالقضية ذات الصلة.

أما فيما يخص موقف موسكو من الملف الأوكراني فقد أعاد بوتين التأكيد على أن روسيا لديها التزام واحد يقع على عاتقها، وحدد هذا الالتزام بتنفيذ اتفاقيات مينسك التي تهدف لإنهاء الأزمة الأوكرانية – الروسية المتصاعدة في شرق أوروبا، فيما تجنّب بوتين ذكر اسم المعارض الروسي أليكسي نافالني الذي كان من المتوقع أن يكون من بين القضايا التي سيتم نقاشها مع الرئيس الأمريكي.

في العموم لم تخرج تصريحات بايدن عن الإطار العام لتصريحات بوتين للصحافة عقب نهاية القمة، صحيح أن الزعيمان عقد كل واحد منهما مؤتمرًا صحفيًا منفصلًا، لكنهما كانا متوافقين في وجهات النظر بطريقة أو بأخرى، فقد أشار بايدن إلى أنه سلّم نظيره الروسي قائمة تتضمن ملفات أساسية، مؤكدًا على أنه "لا يمكن المساس بها"، وتابع مضيفًا: "أوضحت أننا لن نتسامح مع محاولات انتهاك سيادتنا الديمقراطية أو زعزعة انتخاباتنا الديمقراطية وسنرد".

الواضح أكثر من التصريحات الصحفية لكلا الرئيسين أن الاجتماع سار بناء على الخلافات السياسية السابقة التي أوصلت بالعلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وروسيا إلى أدنى مستوياتها، بالأخص بعدما أشار بوتين إلى أن بلاده لا تريد اضطرابات على أراضيها مماثلة لأعمال الشغب في مبنى الكابيتول مطلع العام الجاري، أو مثل احتجاجات حركة حياة السود مهمة التي اندلعت في الولايات المتحدة ردًا على مقتل الأمريكي من أصل أفريقي جورج فلويد، والتي دفعت بايدن لوصف هذه التصريحات بأنها "سخيفة"، مشددًا على أن حقوق الإنسان "ستكون دائمًا مطروحة على الطاولة".

بايدن يتحدث عن محاولة روسيا البقاء كقوة كبرى

في باطن الكلام الذي جرى التطرق إليه سريعًا برزت تصريحات بايدن المرتبطة بالعلاقات الروسية – الصينية حين أشار إلى أن روسيا "تستميت كي تظل قوة كبرى"، فقد جاءت هذه التصريحات في الوقت الذي كان بايدن يستقل طائرته الرئاسية الخاصة من جنيف، حيثُ أوضح في حديثه للصحفيين أن "روسيا في وضع صعب للغاية الآن"، مرجعًا ذلك إلى أن "الصين تُضيق عليها بشدة".

كلام بايدن جاء مصحوبًا بسخرية عندما شبًه العلاقات الروسية – الصينية في الوقت الراهن بالمستعمرة الفرنسية السابقة في غرب أفريقيا التي غيرت اسمها إلى بوركينا فاسو، قائلًا: "لا يريدون أن يوصفوا بأنهم، كما قال بعض المنتقدين كما تعرفون، فولتا العليا بسلاح نووي"، قبل أن يتطرق للحديث عن مشكلات الاقتصاد الروسي، وكذلك توجيه الانتقاد لبوتين بسبب اعتقال روسيا لاثنين من الأمريكيين، وتهديداتها لإذاعتين تمولهما الحكومة الأمريكية.

تعليقات بايدن التي أطلقها أثناء استقلاله لطائرة الرئاسة، رأى فيها الأستاذ المساعد بجامعة نيو هيفن والمتخصص في الشؤون الروسية والأوروآسيوية ماثيو شميت أنها مسعى لتقويض دور بوتين على الساحة الدولية، موضحًا ذلك بقوله إن: "الاستراتيجية ببساطة هي استفزاز بوتين ولكن ببعض الحقائق الواقعية"، قبل أن يضيف بأن "الضربة المضادة ستحدث على أي حال بصرف النظر".

بايدن وبوتين أنهيا اجتماعهما الأول بالطريقة الصحيحة

في التوضحيات التي عقّبت بها الصحافة الغربية على القمة الأمريكية – الروسية، يمكننا ملاحظة تعليقات مدير معهد كينان الأمريكي في مركز ويلسون ماثيو روجانسكي الذي اعتبر أن "اللهجة ومضمون الاجتماع  يشير إلى أنهما (بايدن وبوتين) فعلا ما يجب القيام به بالضبط"، موضحًا ذلك بأن التصريحات الصادرة عن الرئيسيين تدل على أنهما اتفقا على أي من الملفات يمكنهما التقدم فيها، كما على الملفات التي لا يوجد إمكانية للتقدم فيها.

في هذا السياق يمكننا الاستدلال بإجابة بوتين على سؤال الصحفيين المرتبط بالهجمات السيبرانية التي استهدفت المؤسسات الأمريكية، واتهمت واشنطن بشكل مباشر موسكو بالوقوف وراءها، حيثُ قام بوتين مدفوعًا بضغط الصحفيين للإجابة على السؤال بإبعاد التهمة عن بلاده -+- طريق الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تعتبر المصدر الأول في العالم من خلال استخدام أراضيها لتنفيذ الهجمات الإلكترونية.

في حين اعتبرت النسخة الأوروبية من مجلة بولتيكو أنه إذا ما ساعدت نتائج الاجتماع واشنطن على بدء العمل مع موسكو في مجالات مختلفة مجددًا، فإن ذلك سينعكس على بقية الدول الغربية، وبالأخص دول التكتل الأوروبي، أحد أبرز الحلفاء الدوليين لواشنطن، والذي شهد قطيعة مع سياسة واشنطن خلال السنوات الأربع الماضية التي كان فيها دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة.

فقد رأت بولتيكو أن الخصمين العالميين أعادا في بيانهما المشترك التأكيد على المبدأ الذي وضعه الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان مع الرئيس السوفيتي ميخائيل غورباتشوف خلال اجتماعهما في عام 1985، عندما شددا على أنه "لا يمكن الانتصار في حرب نووية، كما أنه لا يجب خوض حرب نووية أبدًا"، حيثُ يرى تقرير بولتيكو أن هذا التأكيد يدل على توصل الجانبين إلى القليل من الإنجازات الملموسة في اجتماعهما.

وتضيف بولتيكو مشيرة إلى أن العرض التقديمي لملخص الاجتماع الذي قدمه بايدن خلال مؤتمره الصحفي الخاص مثّل بداية مجهود للاعتراف بالمصالح الروسية بدون أن يقدم على الدخول في مساومة على القيم الغربية، وهو ما يتقاطع مع تعليقات كبير الخبراء السياسيين في مؤسسة راند، سامويل شاراب، الذي رأى بأن القمة الأمريكية – الروسية مكّنت بايدن وبوتين من بناء علاقة جديدة، لكنها لن تؤدي في نهاية المطاف إلى أن يقدم بوتين اعتذارًا للمجتمع الدولي.

فقد أوضح شاراب في حديثه أنه من المستبعد اعتراف الرئيس الروسي بأخطائه أو أن يتقدم بالاعتذار للمجتمع الدولي، وخصيصًا أمام عدسات الكاميرا، وهو ما يجعله يتساءل حول "ما إذا كانت المفاوضات الهادئة يمكن أن تنتج تغييرًا تدريجيًا" في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، فضلًا عن أنه وفقًا لشاراب لا يمكن لأي "قوة عظمى الاعتراف بأن سلوكها كان سيئًا"، إلا أنها "تلتزم أحيانًا بعدم القيام بأشياء معينة، وأحيانًا تنجح في تنفيذ هذه الالتزامات".

ولا يعول حلفاء واشنطن في التكتل الأوروبي بقدر كبير من الثقة على نتائج القمة الأمريكية – الروسية، على الرغم من اعتمادهم على بايدن للخروج من "الدوامة السلبية" في العلاقات الدبلوماسية مع الكرملين، وفقًا لوصف رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، إذ إن حلفاء واشنطن في التكتل الأوروبي يتحدثون عن أنه لا يمكن أن يمنح بايدن قدرًا كبيرًا من الثقة للتعاون مع نظيره الروسي الذي أربك المجتمع الدولي أولًا، وأغضب في بعض الأحيان أربعة رؤساء أمريكيين سابقين ثانيًا.

نهاية، فإنه يمكن تلخيص نتائج القمة الأمريكية – الروسية بأنها لم تتوصل إلى حلول للعديد من الخلافات الدبلوماسية العالقة بين البلدين، بما في ذلك موافقة روسيا على الانسحاب من شبه جزيرة القرم أولًا، وعدم تدخلها في الانتخابات الرئاسية للدول الغربية أو الولايات المتحدة ثانيًا، و تعزيز الديمقراطية داخل روسيا ثالثًا، وأخيرًا إيقاف الدعم الذي تقدمه للديكتاتوريات الحاكمة من بيلاروسيا إلى فنزويلا.

 يمكن تلخيص نتائج القمة الأمريكية – الروسية بأنها لم تتوصل إلى حلول للعديد من الخلافات الدبلوماسية العالقة بين البلدين، بما في ذلك موافقة روسيا على الانسحاب من شبه جزيرة القرم 

وهو ما يقابله إصرار موسكو على ربط عودة العلاقات بإنهاء العقوبات الاقتصادية الأمريكية – الأوروبية المفروضة عليها، والتأكيد على أن تحظى روسيا باحترام المجتمع الدولي، الأمر الذي سيساعد بوتين على ارتفاع نسبة تأييده بين الروس بعدما شهدت انخفاضًا كبيرًا متأثرة بتداعيات فيروس كورونا الجديد على الاقتصاد الروسي، الذي يعاني أساسًا من وطأة العقوبات الأمريكية – الأوروبية المشتركة.