04-يوليو-2019

تنتشر في أوساط اللبنانيين مخاوف من الوصول إلى اقتتال أهلي (تويتر)

بالرغم من أن الحرب الأهلية اللبنانية قد انتهت في العام 1990، وجلس المتحاربون على طاولة حوار ووقعوا اتفاق الطائف الذي يفترض به أن ينظم الحياة السياسية والاجتماعية في لبنان، فإن الأحداث الأمنية المتكررة والتي يشهدها اللبنانيون كل فترة تعيد إلى أذهانهم فكرة الحرب، فيشعرون أنهم على أبواب اقتتال داخلي جديد.

لا يبدو أن الأمور ذاهبة للتهدئة، فتكتل لبنان القوي الذي يترأسه باسيل أعلن تمسكه بإحالة ملف قبرشمون وإطلاق النار إلى المجلس العدلي، فيما يرفض عدد من الكتل هذا الطرح، في مقدمهم بري والحريري

وآخر هذه الجولات كانت يوم الأحد الماضي، حيث شهد جبل لبنان توترات كبيرة، واشتباكات نارية أدت إلى مقتل اثنين من مرافقي الوزير صالح الغريب، المنتمي للحزب الديموقراطي الذي يترأسه طلال إرسلان، وهو حزب موال للنظام السوري، ويُعتبر الخصم التاريخي على الساحة الدرزية للحزب الإشتراكي التقدمي الاشتراكي ولوليد جنبلاط.

اقرأ/ي أيضًا: لبنان.. "مرصد العنصرية" يرصد ما تغفله الدولة

زيارة باسيل إلى الجبل تفجر الوضع

أعلن جبران باسيل أنه سيزور منطقة عاليه يوم الأحد، وهو الأمر الذي أثار حفيظة أهالي المنطقة وخاصة جمهور الحزب التقدمي الاشتراكي، حيث اعتبروا أن الزيارة تشكل استفزازًا كبيرًا لهم، لا سيما مع تصريحات باسيل الهجومية في الفترة الأخيرة. من جهة أخرى يعتبر الحزب التقدمي أنه يتعرض لحملة إقصاء عن المشهد السياسي في الأشهر الأخيرة، وأن أذرع النظام السوري تعمل في الليل وفي النهار لإضعاف الحزب وتهميش الحالة الجنبلاطية، وبالتالي فإن زيارة باسيل في نظرهم تأتي في السياق نفسه، ما يحتم عليهم مواجهتها والوقوف في وجهها، وهو ما يشكل رسالة سياسية واضحة حول التفاهم خلف زعامة المختارة.

أهالي كفر متى يقطعون الطريق على باسيل ودم في قبرشمون

تضاربت الأخبار حول ما حصل في الجبل في ذلك اليوم، إلا أن المؤكد هو قيام أهالي كفر متى بقطع الطريق العام عند الظهيرة، بهدف منع موكب باسيل من المرور من بلدتهم، والوصول إلى الأماكن المقررة في زيارته، وقام أهالي بلدة البساتين ومناصري التقدمي الاشتراكي بقطع طريق بلدتهم بدورهم فوقعت الواقعة. كان موكب الوزير صالح الغريب مارًا من البساتين لملاقاة باسيل، عندما تبين له أن الطريق مقطوع فوقع إطلاق النار، وأدى إلى مقتل اثنين من مرافقيه قرب قبرشمون.

وصل التوتر في الجبل إلى حدوده القصوى، وبدا أن السلم الأهلي في موضع خطر حقيقي. الأحزاب الموالية للنظام السوري اعتبرت أن إطلاق النار على الموكب كان محاولة اغتيال للوزير الغريب، فيما اعتبرت أوساط الاشتراكي أن عناصر الموكب هي من بادرت إلى إطلاق النار وبالتالي فإن ما حصل يأتي في إطار ردة الفعل. وقد نشر مناصرو الاشتراكي فيديو على موقع فايسبوك يقولون إنه يظهر الحقيقة ويوضح كيف أن النار أتت من موكب الغريب بدايةً، فيما انتشر تسجيل صوتي لطلال إرسلان لم يتم التأكد من تاريخه، يعترف فيه بأن مسؤولين في النظام السوري حرضوا على أعمال عنف في الجبل  تمهيدًا لاستخدامها ضد جنبلاط.

وبعد إعلان مقتل مرافقي الغريب، قطع مناصرو إرسلان طريق خلدة من جهة الأوتوستراد لعدة ساعات عبر حرق الإطارات، فوجد آلاف المواطنين أنفسهم مسجونين داخل سياراتهم، فيما كانت القوى الأمنية تراقب الإطارات المشتعلة بدون ان تدخل لفتح الطريق، وهو الأمر الذي يترك علامات استفهام كالعادة. مع العلم أن خلدة تقع عند مدخل بيروت الجنوبي وتشهد أزمة سير خانقة في الآحاد عند المساء، حيث يعود أهل الجنوب إلى العاصمة بعد قضاء عطلتهم في قراهم. والطريف أن العدد الأكبر من العالقين هم من الشيعة المفترض أنهم في حلف واحد مع إرسلان. وقد انتشرت طرفة تقول إن دروزًا أطلقوا النار على دروز آخرين رفضًا لزيارة مسيحي إلى الجبل، فأفقل طريق الجنوب وعلق الشيعة في سياراتهم.

وفيما كان اللبنانيون ينتظرون ما سيفضي إليه هذا الأحد الطويل، وإلى أين ستؤول الأوضاع، لوحظ تحليق كثيف للطيران الإسرائيلي فوق سماء لبنان، ما زاد من حال التوتر والقلق لدى اللبنانيين، ليتبين لاحقًا أن الطائرات متجهة كعادتها لضرب قوات النظام السوري وحلفائه انطلاقًا من لبنان.

ولا يبدو أن الأمور ذاهبة للتهدئة، فتكتل لبنان القوي الذي يترأسه باسيل والذي ينتمي إليه نواب الديموقراطي أعلن تمسكه بإحالة ملف قبرشمون وإطلاق النار إلى المجلس العدلي، فيما يرفض عدد من الكتل هذا الطرح وفي مقدمهم بري والحريري. وكان وزراء تكتل لبنان القوي قد تأخروا لأكثر من ساعتين ونصف عن موعد جلسة مجلس الوزراء، الأمر الذي رأى فيه مراقبون، رسالة إلى الحريري حول القدرة على تعطيل عمل حكومته. ومن المفترض أن تكشف الأيام القادمة إذا كان سيتم احتواء حادثة الجبل، أم أن للبعض أجندات أخرى ستظهر مع الوقت.

صيف ساخن يلوح في الأفق

بعد 48 ساعة على وفاة مرافقي الغريب، أعلن طلال أرسلان الموافقة على إجراء مراسم دفنهما الجمعة والسبت، بعدما كان أعلن في السابق أنه لن يتم الدفن حتى تسليم كافة المطلوبين، وإحالة الملف إلى المجلس العدلي.

اقرأ/ي أيضًا: جبران باسيل ..العنصرية ضد السوريين كاستراتيجية

 يتبين مع الوقت أن القضية أكبر من قطع طريق وتبادل إطلاق النار، ويبدو اليوم البلد مقسومًا بين فريقين كبيرين، حيث يقف الحريري وبري إضافة إلى سليمان فرنجية خلف وليد جنبلاط، ويرفضون استخدام حادثة الجبل الأخيرة لتحجيمه والتمهيد لإقصائه عن المشهد، فيما يقف حزب الله والتيار الوطني خلف إرسلان، وليس الإصرار على إحالة ملف إطلاق النار إلى المجلس العدلي سوى مدخل لذلك.

 يتبين مع الوقت أن القضية التي شهدها جبل لبنان وتسببت بوقوع اشتباكات، أكبر من قطع طريق وتبادل إطلاق النار، ويبدو اليوم البلد مقسومًا بين فريقين كبيرين

وكان وليد جنبلاط قد أعلن أنه وافق على تسليم كافة المتسببين بإطلاق النار على موكب الغريب للقضاء المختص، كبادرة حسن نية في سبيل معالجة الأزمة، إلا أنه لا يبدو أن الفريق الآخر يلاقيه في موقفه هذا. وكان لافتًا إعلان جبران باسيل عن تثبيت موعد زيارته لطرابلس، ذات الأغلبية السنية، الأحد القادم، بالرغم من الأصوات التي طالبت بتأجيلها أو إلغائها، بسبب الحساسية الكبيرة التي من الممكن أن تسببها الزيارة في الوقت الحالي. فهل ينتظر اللبنانيون صيفًا ساخنًا مرة أخرى، أم تنجح جهود الحكماء في معالجة الأمور وضبطها؟