21-فبراير-2025
اعتبر ترامب قيادة زيلينسكي أحد أسباب استمرار الحرب (منصة إكس)

اعتبر ترامب قيادة زيلينسكي أحد أسباب استمرار الحرب (منصة إكس)

تزايدت مخاوف القادة الأوروبيين من احتمال تقديم الولايات المتحدة تنازلات كبيرة لروسيا في المفاوضات الجارية حول أوكرانيا، وهو ما قد يؤدي إلى تغير جذري في مسار الحرب المستمرة منذ عام 2022.

وفي هذا السياق، أعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عن نيته زيارة واشنطن "ربما يوم الإثنين المقبل"، وفقًا لما نقلته تصريحات للرئيس الأميركي دونالد ترامب.

يرى محللون أن التقارب المفاجئ بين الولايات المتحدة وروسيا يمثل "تحولًا استراتيجيًا غير متوقع"

هذه الزيارة، التي لم يؤكدها قصر الإليزيه بعد، تعكس حالة القلق الأوروبي العميق من اللقاءات الثنائية بين الولايات المتحدة وروسيا، والتي تُجرى دون مشاركة الحلفاء الأوروبيين أو أوكرانيا. وقد أفاد مستشار الأمن القومي الأميركي، مايك والتز، بأن ماكرون قد يزور واشنطن برفقة رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، في محاولة لإحداث تأثير على مجريات المفاوضات.

تصريحات ترامب ضد زيلينسكي.. ضربة دبلوماسية لأوكرانيا؟

زاد هجوم الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، من حدة القلق الأوروبي، حيث وصف زيلينسكي بأنه "دكتاتور بلا انتخابات"، لم يكتف ترامب بالتشكيك في شرعية زيلينسكي، بل أضاف إلى ذلك هجومًا لاذعًا آخر، بقوله إنّ "زيلينسكي غير كفء وتصدر عنه أقوال سخيفة طوال الوقت"، معتبرًا أنّ قيادته كانت أحد أسباب استمرار الحرب التي كادت تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة".

 وهو ما اعتبره بعض المراقبين محاولة أميركية لإضعاف شرعية القيادة الأوكرانية، على غرار الرواية التي يروج لها الكرملين منذ بداية الحرب.

وفي ظل هذه التطورات، اجتمع ماكرون مع قادة الاتحاد الأوروبي وكندا يوم الأربعاء الماضي، في قمة مصغرة تهدف إلى تهدئة المخاوف بشأن استبعاد أوروبا من المفاوضات الأميركية-الروسية. وأكد ماكرون في ختام الاجتماع أن "أوكرانيا يجب أن تكون دائمًا جزءًا من أي تسوية سلمية، ويجب احترام حقوقها"، مشددًا على ضرورة أخذ المخاوف الأمنية الأوروبية بعين الاعتبار في أي اتفاق يتم التوصل إليه.

تقارب واشنطن وموسكو.. "خيانة" لأوكرانيا؟

يرى محللون أن التقارب المفاجئ بين الولايات المتحدة وروسيا يمثل "تحولًا استراتيجيًا غير متوقع"، وصفه وزير الخارجية الفرنسي الأسبق، جان إيف لودريان، بأنه "خيانة محتملة" لأوكرانيا، بل وحتى "انقلاب في التحالفات".

دبلوماسيون أوروبيون يعبرون عن قلقهم من هذا التقارب، مشيرين إلى أن كل يوم يمر يحمل مكاسب جديدة لبوتين، ليس فقط على الأرض، ولكن أيضًا في الساحة الدبلوماسية، حيث تسعى إدارة ترامب إلى فرض تسوية قد تتضمن تنازلات إقليمية مؤلمة من قبل أوكرانيا.

في المقابل، أدان المستشار الألماني، أولاف شولتز، بشدة تصريحات ترامب، واصفًا إياها بأنها "كاذبة وخطيرة"، مؤكدًا أن إضعاف زيلينسكي في هذا التوقيت يخدم مصالح موسكو.

مخاوف أوروبية من اتفاق سلام غير متكامل

أكدت رئيسة الدبلوماسية الأوروبية، كايا كالاس، أن "بوتين لا يسعى إلى السلام، بل إلى فرض شروطه على أوكرانيا"، محذرة واشنطن من التسرع في تقديم تنازلات لروسيا قبل التوصل إلى اتفاق شامل يضمن أمن كييف.

كما حذرت الدول الأوروبية من سيناريو "هدنة غير مضمونة"، حيث يمكن أن يؤدي أي وقف لإطلاق النار بدون ضمانات قوية إلى إعادة تموضع القوات الروسية استعدادًا لهجوم جديد في المستقبل، كما حدث بعد اتفاقات مينسك 2015، التي لم تمنع روسيا من شن حربها الشاملة على أوكرانيا في شباط/فبراير 2022.

هل تتجه الولايات المتحدة للاعتراف بالسيطرة الروسية على أجزاء من أوكرانيا؟

إلى جانب المخاوف المتعلقة بوقف إطلاق النار، يشعر الأوروبيون بالقلق من احتمال اعتراف إدارة ترامب بالسيطرة الروسية على مناطق في دونباس وأجزاء أخرى من أوكرانيا، وهو ما يعني تقنين مكاسب موسكو العسكرية.

ويؤكد القادة الأوروبيون أن أي اتفاق سلام لا ينبغي أن يمنح روسيا شرعية على الأراضي التي استولت عليها بالقوة، مشددين على ضرورة حماية وحدة الأراضي الأوكرانية، حتى لو تطلب الأمر تأجيل بعض التسويات إلى المستقبل، كما حدث مع إعادة توحيد ألمانيا بعد سقوط جدار برلين.

كما يخشى الأوروبيون أن تتضمن المفاوضات الأميركية-الروسية تنازلات بشأن عضوية أوكرانيا في حلف "الناتو"، حيث يرفض ترامب بشكل قاطع انضمام كييف للحلف. في المقابل، تسعى أوروبا إلى تقديم "ضمانات أمنية بديلة" لحماية أوكرانيا، لكن دون اتفاق واضح بشأن إرسال قوات لحفظ السلام في حال تم فرض اتفاق وقف إطلاق النار.

القلق الأوروبي من احتمال رفع العقوبات عن روسيا

إضافة إلى الملف العسكري، يخشى الاتحاد الأوروبي أن توافق إدارة ترامب على رفع العقوبات الاقتصادية عن روسيا، وهو ما قد يعيد موسكو إلى الأسواق الدولية ويضعف قدرة الأوروبيين على التأثير في سياسات بوتين.

وأوضحت كالاس أن "العقوبات هي الورقة الأهم في مواجهة روسيا، ورفعها سيكون خطأً استراتيجيًا. إلا أن بعض الدول الأوروبية، مثل المجر وسلوفاكيا، قد تعرقل تجديد العقوبات كل ستة أشهر، مما يثير احتمال انهيار الجبهة الأوروبية ضد موسكو.

هل يؤدي اتفاق أميركي-روسي إلى زعزعة أمن أوروبا؟

يتخوف القادة الأوروبيون من أن يتجاوز أي اتفاق أميركي-روسي الملف الأوكراني إلى إعادة رسم خريطة الأمن الأوروبي. ويذكّر وزير الخارجية الليتواني السابق، جابريليوس لاندسبيرجيس، بالمطالب الروسية التي تم طرحها في كانون الأول/ديسمبر 2021، والتي تضمنت انسحاب الناتو إلى حدوده ما قبل 1997، مما يعني إخراج دول أوروبا الشرقية من المظلة الأمنية للحلف.

وأشار لاندسبيرجيس في حديث إلى صحيفة "لوموند" الفرنسية، إلى أن ترامب لا يستطيع وحده إعادة تشكيل الناتو، لكنه يستطيع سحب القوات الأميركية من أوروبا الشرقية، وهو ما قد يؤدي إلى زعزعة أمن المنطقة ويفتح المجال أمام بوتين لمزيد من التوسع.

أوروبا في مواجهة المجهول

في ظل التطورات المتسارعة، يجد القادة الأوروبيون أنفسهم أمام تحدٍ غير مسبوق: هل يستطيعون التأثير على مسار المفاوضات بين موسكو وواشنطن؟

بينما يحاول ماكرون وستارمر التأثير على إدارة ترامب، لا تزال هناك مخاوف من أن الصفقة النهائية قد تتعارض مع مصالح أوكرانيا وأمن أوروبا.

ويبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن أوروبا من منع تسوية تضعف أوكرانيا وتعزز موقف روسيا، أم أن القارة العجوز ستجد نفسها أمام واقع جديد لا تملك السيطرة عليه؟