03-نوفمبر-2022
لوحة لـ هنري مور/ بريطانيا

لوحة لـ هنري مور/ بريطانيا

1

 

عندما تنتهي الحرب

ربما أستحقُّ قلبًا يتسع لكلّ الضَّحايا

حطامًا يليق بعناية الرَّبِّ

وقد أقفز من وحدتي ليوم جديد

أنادي

يكلمني الصدى

من هناكَ؟

أنا..

أنا شِقُّ الأرض المفتوح للهواء

للمطر، للشَّمس، للعصافير تنقر حدقتي الجافة كالقمح

أنا شِقُّ الأرض العنيدُ

قد يخرج من صدري الينبوع، سبع سنابل، كتيبة نمل، كمشة ملح

ووحي السماء

أنا شِقُّ الأرض قد أتسع زلزالًا

وقد يُكسر فكّي بريشة محراث قديم

قد تخيط شجيرة الديس العتيقة

شفاهي الممزَّقة

وقد ألتفُّ كالمشّنقةِ

على عنق الكون البليد

أنا شِقُّ الأرض

لا أنحني للعاصفةِ

ولا تعرف كيف تقلعني الرياح

يمرّ الزَّمانُ بخطواته فوقي

يترك أثرًا لحذائه والكثير من أعقاب السجائر

أنا شِقُّ الأرض العنيدُ

أحيا كفافًا

على حقل من زلازلَ.

 

2

 

لا بُدَّ من وقتٍ ليفتل الشَّارب وجههُ

وتشذّب اللحيةُ رأسها

ويمشي الطريق على الحذاءِ

ويتبخَّر الملحُ من البحرِ

وتولد الأمهات من أطفالهن

وتغرق الأسماك في المياه

لا بد للأعشاب من فرصة للصَّيد وإمساك الطَّرائد

وللأشجار وقتًا لتبني أعشاشها وتتعلم الطيران

لا بُدَّ من وقتٍ

لتكسر الطيور الأجنحة

ربما تسير؟

والبشري ساقه ليزحف في أمان.

 

3

 

بالأمس لم يسأل عني أحد

لا السقف ولا الجدار ولا قُطّاع الطرق

بالأمس كنت وحيدًا كما أنا منذ الأزل

برأس مليء بالقنابل والحبق

وذراع طويلة من اليانسون والثلج

أكتب بها عن الفقراء والرب ويوم القيامة

عن المحاربين وساحات المعارك

عن الشهداء والرفاق والأوبئة

عن الطرقات والبحر والأطفال

عن امرأة تنتظر اقتناص شفتيها بالقُبل

وعني حين أوبّخ نفسي والمطر

بالأمس فقط حين كبرت

لم أكن سوى جثة

تأكلها القصائد.

 

4

 

كتبت قصيدة طويلة جدًا

لتعرف أنني أحبها جدًا

لكنها لم تكن من القارئات الشغوفات

أحرقت القصيدة

ثم قررت أن تكون القصيدة أقصر

ولا بأس لو كانت كلمة واحدة

ثم فكرت

ربما لا تكون من القارئات

وربما لا تحب الشعر والقصائد

من الأفضل أن أجرب شيئًا أخر

مزقت الأوراق كلها واحتفظت بالكلمة الواحدة

أخذت نفَسًا عميقًا

كنت أريد أن أصرخ بكل قوتي وأنا أردد الكلمة الواحدة

ثم قلت لنفسي

ربما لا تحبني أو ربما تحب شخصًا أخر

يعجبها وتعجبه ولا يحتاج ليكتب أو يصرخ أو يطير

تكفيها نظراته الذابلة

ربما يجب أن أجرب النظرات الذابلة

هذا ممكن جدًا

لولا أنني شبح

امرأة وحيدة

شبح وحيد

لا تتركه ولا يعجبها

لا تحبه ولا ينساها

لكنها تتسلى بأرجحته فوق الهاوية

شبح يزيل أنقاض الوحدة

عن قلب امرأة وحيدة

ثم يكتب بالطبشور

ما تحبه لا يمكن لأحد أن ينتزعه

ما تحبه

سيبقى للأبد

ولو أني لم أمت عشقًا

ما كنت شبحًا.

 

  • من مجموعة شعرية صدرت حديثًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ضمن سلسلة الإبداع العربي بعنوان "غابة البنادق".