11-يونيو-2016

قطع الطريق.. كرم سوداني فريد في رمضان(أشرف شاذلي/أ.ف.ب)

قبل أعوام، شهدت إحدى محاكم محافظة الجزيرة، خلافًا طريفًا بين مواطنَين سودانيَين، بسبب إفطار الصائمين العابرين في الطريق، حيث ادعى أحدهما، بحسب ما نشرته الصحف، أن الآخر يسحب المسافرين العابرين إلى مائدته، ولا يمنحه الفرصة لخدمة بعضهم وإكرامهم، الأمر الذي دفعه لمقاضاته. وانتهت القضية بإصلاح القاضي بينهما والاتفاق على منح الفرصة للجميع لاستضافة المسافرين على موائدهم بالتساوي.

في شهر رمضان، يخرج سكان القرى السودانية وكثير من أحياء العاصمة الطرفية، بموائدهم إلى الشوارع، مترصدين أي عابر تقطعت به السبل ليفطر معهم

هذه القصة تخبرنا إلى أي مدى ذهب السودانيون في عادة إغلاق الطرق السفرية التي تربط بين الأقاليم وقت الإفطار، وإنزال المسافرين من مركباتهم إلى موائدهم، التي يخرجون بها إلى الشارع، طمعًا في مرور من يدركه الإفطار خارج منزله.

اقرأ/ي أيضًا: "الدَّكْوَة".. زينة المائدة السودانية

ويعد الطريق الرابط بين العاصمة الخرطوم ومدينة "ودمدني"، عاصمة محافظة الجزيرة (186 كلم جنوبها)، المسرح الرئيس لهذه العادة، إضافة إلى الطريق الرابط بين "ودمدني" و"كسلا" شرق السودان، وطريق الخرطوم-عطبرة، شمال السودان. وهي طرق تخترق عمق الريف السوداني ذي الكثافة الأعلى. لكن لا تقتصر هذه العادة على أماكن محددة فقط، فهي تنتشر في كل البلاد شرقًا وغربًا وجنوبًا، حيثما وجد مسافرون.

في شهر رمضان، يخرج سكان القرى والبلدات الريفية، وكثير من أحياء العاصمة الطرفية، بموائدهم إلى الشوارع، مترصدين أي عابر تقطعت به السبل ليفطر معهم، حيث يعد خروج الرجال بموائدهم، عرفًا راسخًا يُلام تاركه. لكن سكان القرى التي تقع على الطرق السريعة، ذهبوا أبعد من ذلك بإغلاقهم الطرق وإنزال المسافرين للإفطار.

وتتكون مائدة الإفطار السودانية من عصيدة الذرة أو الدخن، أو "قُرَّاصة" القمح، والتمر و"البليلة" وهي إما اللوبيا المسلوقة أو الحمص المسلوق ويسمى "الكبكبي"، إضافة إلى الإدام الذي يكون غالبًا "ملاح أم نعيمية" أو "التقلية" وغيرهما من الأطعمة التقليدية، ومشروبين على الأقل أحدهما "الآبري". وتتشابه موائد الفقراء والأغنياء كعرف اجتماعي في رمضان، كيلا يظهر التفاوت بينهم إلا في مائدة العشاء داخل كل بيت.

في أحيان كثيرة، يبالغ السودانيون في إكرام الضيف، كمثال القضية أعلاه، إذ يعد الكرم مفخرة اجتماعية لا تعلوها مفخرة أخرى. ورغم ضيق المتعجلين أحيانًا من الإصرار على "إكرامهم" الكامل، إلا أن لا مجال للإفلات من قسم المستضيفين الغليظ عليهم، وفي السودان، ليس من المروءة رد طلب لمن أقسم بالطلاق.

اقرأ/ي أيضًا: 5 مشروبات سودانية مميزة لمائدة رمضان

والملاحظ في هذه العادة، أن المستضيفين آخر من يأكل، فقط يحللون صيامهم بتمرات ثم يقفون على خدمة الضيوف مستعدين لتلبية أي طلب. بعدها يقفون على ترتيب وضوء الجميع لصلاة المغرب، وأثناء كل ذلك يعرضون على الآكلين المزيد من الطعام والشراب حتى يكتفوا.

تظل عادة قطع الطريق عادة قديمة لم تغيرها المدنية رغم اختفائها في بعض أحياء العاصمة، إلا أن الريف السوداني يحييها بتوريثها للصغار الذين يخرجون للإفطار مع آبائهم منذ طفولتهم، ويشاركونهم في خدمة الضيوف العابرين مقلدين لهم في بشرهم وترحابهم بهم.

اقرأ/ي أيضًا: 

المطبخ المغربي.. 5 من أشهى الأكلات الشعبية

صيام رمضان بالمغرب قد تفسده "ترمضينة"!