07-فبراير-2017

سأستمع إلى صوت عجلات القطار الثاني (قطارات تولوز القديمة)

أتناول الأدوية كاملة. أسّف حبة تلو الأخرى. أنسى شرب الماء. أضطر للخروج إلى المطبخ. الغرف باردة. أمشي سريعًا. تحدث خطواتي صوتًا خشنًا فوق الباركيه. أظن أن جاري سيشتمني. أشرب من حنفية المطبخ. أجد صحن الزعتر. أغمس لقيمات قليلة من الـ"باغيت". أتذكر أمي. كان الزعتر سر طفولتنا. سندويتشاته المزرزبة بالزيت، ثم الناشفة منه في آخر النهار. 

أمضغ قليلًا وأنا أنظر إلى نوافذ الجيران، مطابخهم معتمة. بعضهم لم يعد من عطلته. أؤجل قليلًا التبول. أجد الثياب ناشفة. ألملمها من منشر الغسيل. شكله مثل هرم. أطوي الكنزات أولًا، ثم المناشف. و"أكعكل" فردات كلساتاتي الملونة. أتأملها بابتسامة مرحة. مرح ما بعد الواحدة فجرًا. ذاك الذي يسقط فجأة ولا تتحمل غبطته. فتكمل مهامًا منسية في النهارات. كأن تنظف الحمام بعد التبول. تمسحه. ثم تجلي ما بقي من صحون، وتمرر فوطة مبللة بـ"الكلور" فوق خشبة المجلى.

ثم تجلس قليلًا. أمام الكتب، تسحبها، وتمسح غبارًا عالقًا. تكتشف أن "لمبة" المصباح تعطلت. تفكها، لتضعها في المدخل، كي تتذكر في الغد شراء واحدة من "ماديك". ثم تتذكر أن عليك أن تدون ما تحتاجه: شراشف، وإسفنجة للجلي، أكياس للنفايات، زيتون أخضر، زيت قلي، علبتا رب بندورة، وممسحة. قلب أيضًا. أن تدون ما لا يمكن شراؤه. الفرد ينسى أشياءه غير المرئية. المنهوبة في القفص الصدري. لدي قائمة كبيرة من الأشياء المنهوبة، على رأسها: يد مبتورة، تمتد برفق في ساعات الفجر الأولى.
 
أدون على طرف كتاب لأنسي الحاج. تتذكر رسائل غادة له. تبتسم للمرة الثانية. هذه المرة الابتسامة غير مرحة. إنها ابتسامات زحام الوحدة حين تقطع مسافة ذاتية، مع الأفكار وتدللها، كما أفعل الليلة.

أمخط فأصدر صوتًا عاليًا، صداع خفيف، وأرق. أفكر بالاستحمام. أتذكر أن الماء فاتر. أقلع عن الفكرة. أمشي إلى غرفتي. صمت طويل، ولا أي حركة. رغم أن فتيات الليل في حيي التولوزي، ينشطن في هذه الساعات. يبدو أنهن وجدن زبائنهن باكرًا. أفتح شباكي، ضوء شاحب، يأتي من الشارع. يقطع تركيزي، صوت القطار. أنسى أحيانًا أنني أسكن قرب المحطة. أنسى أيضًا المسافرين في هذه الساعة. أفكر قليلًا بهم. بالنعاس الذي يخنقهم. بتأكدهم أن الحقائب موضبة. بشكوكهم بأنهم نسوا شيئًا ما، أمرًا ما. الناس دومًا تتذكر الأشياء، الأشياء فحسب. لكنهم يتجاهلون أنهم لم يطبعوا قبلة أو يمرروا يدًا، أو يبتسموا لغيرهم. إنهم يتذكرون أشياءهم العزيزة عليهم، تلك التي يتخلون عنها دون أن يتذكروها، مع موضة أخرى.

أفشل في النوم. أقرر كتابة هذا الهراء كله. سأعد سندويشًا جديدًا من الزعتر، وسأستمع إلى صوت عجلات القطار الثاني.

 

اقرأ/ي أيضًا:

شتاءٌ رابع في السّجن

حلب تظهر كل ثانية