17-أكتوبر-2017

غلاف الكتاب

يتجنّب المؤلّف حسّان القالش في كتابه "قطار العلويين السريع: الوعي السياسي عند العلويين، النشأة والتطور  1822- 1949" (المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر، 2017) الخوض في تاريخ الطائفة العلويّة من الجوانب الاجتماعيّة أو الدينيّة، وإن جاء المؤلّف على ذكر بعض التفاصيل عن الجانبين معًا في الكتاب، إلا أنّه يأتي ضمن توضيح الفكرة الأساسيّة للكتاب، وهي توضيح نشوء الوعي السياسي لدى العلويين، والتي تستوجب ذكر أبرز العوامل التي ساهمت في بلورة هذا الوعي، ومن ضمنها الحالة الاجتماعيّة والدينيّة للطائفة، بدايًة من مرحلة حكم العثمانيين، مرورًا بمرحلة بالانتداب الفرنسي، منتهيًا في سنة 1949، وبشكل أدق؛ بعد الانقلاب الذي قاده حسني الزعيم آنذاك.

علويو السهول منفتحون على بقيّة مكونات المجتمع السوري، وعلويو الجبل منغلقون على أنفسهم ومتمسكون بعزلتهم عن الآخرين

المظلوميّة ومحاولة الانتماء إلى هويّة جامعة

يتضمّن كتاب "قطار العلويين السريع" الواقع في 392 صفحة أربعة فصول رئيسيّة، يتفرّع كل واحد منها إلى عدّة أقسام فرعيّة، وفي الفصل الأول "ترويض الأشقياء: أواسط القرن التاسع عشر حتى نهاية العهد العثماني"، الذي يضمّ ستة أقسام فرعيّة، يبحث المؤلف في العوامل التي ساهمت في تشكيل ما يُعرف بـ"المظلوميّة العلويّة" مستندًا في ذلك إلى المراجع التاريخيّة بالإضافة إلى الرواية العلويّة التي تأخذ شكلًا أسطوريًّا عزّزَ فكرة "المظلوميّة" لدى العلويين، ولعلّ هجرات العلويين المتعدّدة والناتجة بطبيعة الحال عن صراعاتٍ مذهبيّة أهمّها مع الطائفة الدرزيّة في القرن الحادي عشر، والتي أسفرت عن هجرتهم من "وادي التيم" في لبنان، بالإضافة إلى هجرتهم من "وادي الضنّية" في لبنان أيضًا إثر فتوى لابن تيمية، أسّست لفكرة "المظلوميّة" لديهم، بالإضافة إلى الرواية السائدة بين المؤرّخين العلويين التي تقول بأنّ هجرتهم كانت نتيجة تنكيل السلطان العثماني سليم الأول بهم في القرن السادس عشر، حيث ساهمت هذه الرواية، وكما جاء في الكتاب، في ترسيخ فكرة "المظلوميّة" بين أبناء الطائفة.

اقرأ/ي أيضًا: تعرف على أهم 5 كتب عن الطائفية

يبحث حسان القالش أيضًا في هذا الفصل من كتاب  "قطار العلويين السريع" في أصول الطائفة العلويّة الدينيّة المنتميّة للمذهب الشيعي، والمميزة عن الطائفة الشيعيّة في تبعيتها المُباشرة للإمام جعفر الصادق، بالإضافة إلى ميولهم الصوفيّة وسرّية تعاليمهم الدينيّة أو ما يُعرف بـ"الباطنيّة". بالإضافة إلى بحثه في انتشار العلويين في الساحل السوري بعد هجراتهم المتعدّدة، وانقسامهم فيما بعد إلى ما بات يُعرف آنذاك بعلويي السهول المنفتحين على بقيّة مكونات المجتمع السوري، وعلويي الجبل المنغلقين على أنفسهم والمتمسكين بعزلتهم عن الأخرين، ومن ثمّ انقسامهم إلى أربعة عشائر رئيسيّة هي: "الحدّادين والخيّاطين والمتاورة والكلبيّة"، التي كانت بدورها مقسمة إلى عدّة عائلات، ويتّضح من خلال هذا الأمر أنّه ساهم في تأخير نضوج وعي العلويين نتيجة تمسكهم بالهويّة العشائريّة بدلًا من الهويّة الجامعة والمتمثلة في "الطائفة".

يتحدّث المؤلّف حسان القالش كذلك في الفصل ذاته عن نشوء الزعامات العشائريّة التي أسّست مكانًة مهمّة لها لدى السلطات العثمانيّة، وتحديدًا بعد احتلال جيش إبراهيم باشا لسوريا سنة 1831، حيث اتخذ العلويين آنذاك موقفًا معاديًا للمصريين بعد تحالفهم المؤقت مع العثمانيين، وتعود أسباب هذا التحالف كما جاء في الكتاب إلى رغبة العلويين في الانتقام من والي طرابلس "بربر آغا" الذي لعب لاحقًا دورًا مهمًا في القضاء على الانتفاضة العلويّة المتمثلة آنذاك بعائلة "آل شمسين". ولكنّ تحالف العلويين مع العثمانيين، والذي كان مؤقتًا بطبيعة الحال، لم يدم طويلًا، إذ أنّ السلطات العثمانيّة كانت متنبهًة إلى توسع نفوذ الزعماء العلويين، ولعلّ أبرزهم في تلك المرحلة، أي ما بعد رحيل المصريين، إسماعيل خير بك، زعيم عشيرة المتاورة الذي بدأ يفكر مع توسع نفوذه بالانفصال عن السلطنة العثمانيّة، مما استوجب لدى العثمانيين القضاء عليه، حيث وجدو آنذاك صدام العائلات السنيّة مع إسماعيل خير بك نتيجة رفضهم لحكم زعيم علويٍّ لهم فرصة في القضاء عليه بالاشتراك مع تلك العائلات. وأظهرت تلك المرحلة المضطربة أنّ العلويين لا يزالون بعيدين عن تشكيل طائفة واحدةٍ متراصّة بعيدًا عن الانتماءات العشائريّة.

وفي نهاية الفصل الأول يبحث حسان القالش في تاريخ الإصلاحات العثمانيّة وتأثيرها على وعي العلويين، بالإضافة إلى مسألة حملات التبشير الذي استهدفت العلويين في محاولةٍ لضمهم إلى الديانة المسيحيّة والوقوف في وجه حملات التبشير السنيّة الموجّهة من قبل السلطات العثمانيّة، ولعبت تلك الحملات دورًا في تبرعم فكرة الانتماء إلى الطائفة، حيث تمسّك العلويون آنذاك بديانتهم واقتصر وجود تلك الحملات في مناطقهم على التعليم فقط.

العلويون والدولة الجديدة

في الفصل الثاني "مع الفرنسيين وضدّهم، 1919-1936" والمتفرّع إلى 5 أقسام فرعيّة، يبحث حسان القالش في تأثير انتهاء السلطنة العثمانيّة والانتداب الفرنسي على العلويين بشكلٍ عام، ووعيهم السياسي بشكلٍ خاص، وبالتحديد بعد انشاء الفرنسيين - ضمن خطة استغلال الأقليّات - دولة العلويين وعزلها من خلال ذلك عن الدولة السوريّة الأم. ولكنّ ذلك لم يمنع من نشوء انتفاضة تحولّت لاحقًا إلى ثورة ضدّ الفرنسيين بقيادة الشيخ صالح العلي، كما أحدثت تلك الثورة شرخًا في الصف العلوي ما بين مؤيدٍ لها ومنخرطًا في صفوفها، ومعارضٍ لها ومنحاز للفرنسيين، حيث ساهم هذا الأمر بنزع صفة "الثورة العلويّة" عن تلك الثورة وتسميتها بثورة "الشيخ صالح العلي"، إلا أنّها أيضًا رسخت، وحتّى بعد انتهائها، لدى الآخرين فكرة قدرة العلويين على الاندماج في المجتمع السوري.

في القسم الفرعيّ الثاني "ظهور المثقّفين، معاركهم وتأثيرهم" يبحث المؤلف حسان القالش في ظهور فئة جديدة في المجتمع العلوي، والتي ظهرت نتيجة ترسيخ الفرنسيين للتعليم في الدولة الجديدة، ولكنّها جاءت عكس ما كان متوقعًا من قبل الفرنسيين، حيث أكدّت تلك الفئة على ضرورة الاندماج مع الدولة الأم، ومعارضتها لسياسة الزعماء المحليّين والعشائريين، ومطالبتهم بإصلاحات دينيّة واجتماعيّة من شأنها رص الصف العلوي بعيدًا عن الانقسامات العشائريّة، وبالتالي تهيئة الطائفة للاندماج في المجتمع السوري بعيدًا عمّا يٌسمّى بدولة العلويين.

أمّا في القسم الفرعيّ الثالث "ظهور المرشد"، يتحدّث حسّان القالش عن ظهور عشيرة جديدة في المجتمع العلوي، وهي عشيرة الغساسنة أو عشيرة المرشديين كما باتت تُعرف لاحقًا، والمؤسّسة على يد سليمان يونس الذي كان يدّعي آنذاك النبوة بشكلٍ غير مُباشر، مما جعل المشايخ في قرية جوبة برغال يقومون برعايته ونشر دعوته، ويقول المؤلّف أنّ الأمر جاء نتيجة التخلّف التي كانت تعيشها القرية الواقعة في منطقة الجبل الشمالي، ويذكر أنّ نفي الفرنسيين للمرشد إلى الرقة ساهم، وبشكلٍ غير مٌباشر، في توسّع وانتشار دعوته، ليشكّل بعد عودته من الرقة جماعًة خاصًة به وجيش سُميَّ بـ"الفداي" مما مكّنه من مواجهة الفرنسيين وصدامه معهم المتمثّل برفض دفع الضرائب وتحكمه بتحديد أسعار التبغ. كما يبحث هذا الفصل في مسألة ظهور الأحزاب التي استغلت أيضًا مسألة الأقليّات والانقسامات في الطائفة الواحدة من أجل نشر دعوتها، وجلب العلويين إلى صفّها، وكانت الأحزاب آنذاك محصورة في الحزب السوري القومي الاجتماعي والحزب الشيوعي.

أبرز ما نتج عن إعدام المرشد هو إدراك العلويين أنّ الزعامات العشائريّة غير قادرة على تحسين أوضاعهم الاجتماعيّة والسياسيّة

العلويون في مرحلة الاستقلال

يأتي الفصل الثالث "ضد الفرنسيين ومعهم، 1936-1946" ليقدّم صورة عن نضال السوريين عمومًا، والكتلة الوطنيّة خصوصًا، من أجل جلاء الفرنسيين وإعلان الاستقلال، مع التشديد على وحدة الدولة السوريّة ودمج الدويلات التي أنشاها الفرنسيون في الكيان الجديد، في ظلّ مماطلة فرنسيّة تخدم في الدرجة الأولى مصالحها، ولكنّ الإضراب الذي دعت إليه الكتلة، والذي استمرّ شهرين ساهم في رضوخ الفرنسيين لمطالب الكتلة الوطنيّة، وإظهار بعض المرونة في عددٍ من القرارات المتفق عليها بين الطرفين، باستثناء القرار الذي يتيح لفرنسا التدخل لمصلحة الأقليّات، حيث عارضت الكتلة الوطنيّة هذا الأمر منوهًة على إحدى المواد في الدستور التي تضمن حماية الأفراد والجماعات. وفي هذا السياق، يبحث حسان القالش في علاقة العلويين مع الكتلة الوطنيّة بعد توقيع معاهدة الاستقلال بين الكتلة والفرنسيين، حيث عمدت الكتلة إلى تهميش الأقليّات بما فيها العلويين، مستندًة بذلك إلى انتصارها في الانتخابات النيابيّة السوريّة، مما ساهم في تشكّل صدام بين الكتلة والعلويين تحوّل لاحقًا إلى صدام سني - علوي، وخمدت وتيرته بعد تدخل الفرنسيين وادخالهم وزيرًا علويًّا في الحكومة، إلا أنّ ذلك لم يمنع من تجدّد ذلك الصدام لاحقًا وفي مراحل مختلفة.

اقرأ/ي أيضًا: النقاش عن الطائفية: اتهام الدين لتبرئة السلطة

العلويون ما بعد الاستقلال

في الفصل الرابع والأخير من كتاب "قطار العلويين السريع" والذي جاء بعنوان "مرحلة الجلاء: القطار يُسرع، 1946 وما بعدها" يتحدّث حسان القالش عن تشكيل حكومة الاستقلال، ومساعي تلك الحكومة إلى فرض وجودها ومكانتها في المجتمع السوري، بالإضافة إلى إبراز قوتها أمام السوريين بشكل عام والأقليّات بشكل خاص، حيث قامت آنذاك باعتقال سليمان مرشد الذي كانت له مواقف مناهضة للكتلة الوطنيّة، وبدء حملة تشهير بحقّ العلويين من خلال المرشد الذي كان آنذاك آخر الزعماء العلويين وأكثرهم نفوذًا، ومن ثمّ إعدامه محاولًة بذلك جعله عبرًة لبقيّة الأقليّات وزعمائها. ولعلّ أبرز ما نتج عن إعدام المرشد هو إدراك العلويين أنّ الزعامات العشائريّة غير قادرة على تحسين أوضاعهم الاجتماعيّة والسياسيّة، وخلق مكانٍ لهم في الدولة الجديدة، مما دفعهم إلى للانتماء لبعض الأحزاب بغيَّة تمثيلهم اجتماعيًّا وسياسيًّا في الدولة والمجتمع السوري. وفي النهاية يبحث المؤلّف في الاضطرابات التي حدثت داخل الجيش بعد الاستقلال، وضرورة دمج بعض الجماعات - المحسوبة على الأقليّات - التي لعبت دورًا في الاستقلال داخل الجيش، ومن ثمّ عدم قدرة الحكومة على ضبط الجيش بعد 1948، مما سهل لقائد الجيش آنذاك، حسني الزعيم، القيام بانقلاب عسكري أسفرَ عن انهاء الحكم المدني في سوريا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الطائفية .. كما تراها صديقتي المغربية

حرب المائة عام بين السنة والشيعة