قضية دارفور تعود للواجهة: قادة الدعم السريع تحت مجهر العدالة الدولية
5 مايو 2025
في خطوة غير مسبوقة قد تعيد فتح ملف المساءلة الدولية، تسلّمت وحدة الجرائم الدولية في شرطة لندن ملفًا قانونيًا يوثق جرائم اغتصاب وتعذيب وإبادة جماعية ارتكبتها قوات الدعم السريع في دارفور، تمهيدًا لإحالته إلى المحكمة الجنائية الدولية.
ويأتي هذا التطور في ظل التعتيم الدولي على المأساة السودانية المتفاقمة، التي تدخل عامها الثالث وسط نزوح جماعي ومجازر مستمرة، وفق ما كشفته صحيفة "الغارديان".
يتضمن الملف، الذي أعدّه فريق من المحامين المتخصصين في القانون الدولي، شهادات وتقارير توثق عمليات قتل جماعي، وتعذيب، واغتصاب، نُسبت إلى قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي). ويهدف إلى الدفع نحو ملاحقة القادة المسؤولين أمام المحكمة الجنائية الدولية.
تسلّمت وحدة الجرائم الدولية في شرطة لندن ملفًا قانونيًا يوثق جرائم اغتصاب وتعذيب وإبادة جماعية ارتكبتها قوات الدعم السريع في دارفور، تمهيدًا لإحالته إلى المحكمة الجنائية الدولية
أدلة دامغة على جرائم ممنهجة: 142 صفحة من الرعب
وفقًا لتقرير "الغارديان"، سلّم محامون بريطانيون ملفًا مكوّنًا من 142 صفحة إلى وحدة "SO15" المختصة بجرائم الحرب ضمن جهاز مكافحة الإرهاب البريطاني. ويتضمن الملف أدلة مستندة إلى مصادر متعددة، تشمل تقارير أممية، وتوثيقات صادرة عن منظمات حقوقية، وتحقيقات صحفية، بالإضافة إلى شهادات مباشرة من ضحايا وناجين.
الجرائم الموثقة ترتكز بشكل خاص على ما جرى في إقليم دارفور، الذي يشهد منذ سنوات حملة تطهير عرقي ممنهجة بحق المدنيين، لا سيما أبناء قبيلة المساليت في غرب دارفور.
وتنطلق الوثائق القانونية من مبدأ "المسؤولية القيادية"، الذي يُحمّل القادة العسكريين مسؤولية الجرائم التي ترتكبها القوات الخاضعة لهم، سواء كانوا على علم بها أو غضّوا الطرف عنها.
الأدلة "حاسمة ومقنعة"
القاضي البريطاني السابق في المحكمة الجنائية الدولية، السير هوارد موريسون، وصف الأدلة بأنها "حاسمة ومقنعة"، مشيدًا بما اعتبره "خطوة قانونية ذكية" من خلال اللجوء إلى وحدة جرائم الحرب البريطانية. واعتبر موريسون أن هذه الخطوة قد تكون مدخلًا لتسريع مسار العدالة الدولية الذي طال انتظاره في السودان، لا سيما في ظل تراخي المجتمع الدولي.
بدورها، قالت المحامية لوسيا برييسكوفا، التي أشرفت على إعداد الملف: "نأمل أن يُسهم هذا التقديم في كسر دائرة الإفلات من العقاب التي عاشها ضحايا دارفور طيلة سنوات".
المحكمة الجنائية الدولية على خط المساءلة
طلب المحامون من الشرطة البريطانية تحويل الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، في مسعى لدعم التحقيقات الجارية حول الجرائم المرتكبة في السودان منذ عام 2005. ويُعدّ هذا الملف من بين أقوى التحركات القانونية الأخيرة التي قد تُعجّل بإصدار مذكرات توقيف جديدة، خاصة ضد قيادات حالية في قوات الدعم السريع.
ويُشار إلى أن المحكمة كانت قد أصدرت في السابق مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، لكنها لم تنفذ بسبب رفض عدة دول التعاون.
إعادة توصيف الجرائم: من "فظائع" إلى "إبادة"
الولايات المتحدة، عبر إدارتَي بايدن وترامب، صنّفت رسميًا الفظائع المرتكبة في دارفور كجرائم إبادة جماعية. وجاءت هذه التوصيفات لتُعيد تسليط الضوء على جرائم الدعم السريع باعتبارها ليست فقط "انتهاكات"، بل جرائم ضد الإنسانية تستوجب المحاسبة الدولية على أعلى المستويات.
وقد ساهمت تقارير الأمم المتحدة الأخيرة، التي وصفت العنف في دارفور بأنه "منظم وذو طابع إثني"، في دعم هذا التوصيف القانوني.
المجازر لا تتوقف: من دارفور إلى الخرطوم وأم درمان
ورغم تركيز الملف على دارفور، إلا أن الجرائم لا تقتصر على الإقليم. فقد نشرت الصحافة العالمية الأسبوع الماضي فيديوهات توثق مقتل 31 مدنيًا، بينهم أطفال، على يد قوات الدعم السريع في أم درمان. وتُظهر المقاطع جثثًا محترقة ومباني مدمرة، في مشهد يعكس اتساع رقعة الانتهاكات.
ولم يَسلم الجيش السوداني من الاتهامات هو الآخر، حيث وجهت له منظمات حقوقية تهمًا بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين، مما دفع الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات على عدد من قادته.
العدالة الدولية على المحك: هل يتحرك العالم أخيرًا؟
السودان اليوم يقف على مفترق طرق، فبينما تغيب أي آفاق لحل سياسي حقيقي، تتفاقم الكارثة الإنسانية مع نزوح أكثر من 12 مليون شخص، ووقوع أكثر من 150 ألف قتيل، إلى جانب انهيار تام في الخدمات والبنى التحتية.
ويرى مراقبون أن تحريك الملف في بريطانيا قد يكون فرصة لتجديد الضغط الدولي، خصوصًا إذا ما انخرطت دول أوروبية أخرى في دعم تحقيقات المحكمة الجنائية. فالمعركة، كما تقول "الغارديان"، لم تعد فقط سياسية أو إنسانية، بل معركة قانونية حول مصير ملايين السودانيين ومعاقبة مجرمي الحرب.
لا عدالة بدون محاسبة
ما كشفت عنه "الغارديان" يؤكد أن هناك نافذة قانونية جديدة فُتحت لمحاسبة قادة قوات الدعم السريع، وخصوصًا من هم في مواقع القيادة الذين سمحوا أو غضّوا الطرف عن جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية.
ومع تصاعد المطالب الدولية بتفعيل أدوات العدالة، فإن الملف المقدم إلى الشرطة البريطانية قد يكون الخطوة الأولى على طريق طويل نحو إنهاء عقود من الإفلات من العقاب في السودان.