01-أكتوبر-2017

تميم هنيدي (فيسبوك)

تتناول المجموعة القصصية "ليثيوم" (منشورات المتوسط، 2016) للكاتب السوري تميم هنيدي موضوعًا مهمًا وشائِكًا، ومهمشًا داخل مجتمعات عدّة، وهو "الاضطراب الوجداني ثنائي القطب" المرض النفسي الذي تنتجُ عنه تقلّبات مزاجية حادة ما بين الاكتئاب والفرح الهَوَسيّ.

تتناول قصص "ليثيوم" للسوري تميم هنيدي مرض "الاضطراب الوجداني ثنائي القطب

13 قصّة قصيرة تضمّها "ليثيوم" (وصلت إلى القائمة الطويلة لـ جائزة المتلقى للقصة القصيرة العربية)، جاءت، كما أخبرنا الكاتب تميم هنيدي، نتيجة مقابلات عدّة مع أشخاص مصابين بهذا المرض، بمعنى أن الكاتب مزجَ ما بين الواقعي والمتخيّل في قصصه لينتج نصًّا حافلًا بالقيم الأدبيّة والفنية، دون أن يكون بعيدًا عن واقع تلك الشخصيّات التي تحاول نفي ما يشاع عن هذا المرض من خلال توعية المتلقي بطريقةٍ يكون فيها قريبًا منه، ومدركًا لما يمرُّ به المصابون بهِ، أي أن الكاتب يتعرّف على المرض من خلال المصابين بهِ، من دون أن يلجأ إلى أي مصدر آخر، وهنا تتمثل أهمية "ليثيوم" كونها تُعالج قضية مهمة أدبيًا ونفسيًا في آن، بعيدًا عن التقارير وما يكتب ويحكى عن هذا المرض.

اقرأ/ي أيضًا: قصص "من الشبّاك".. ما لا تقوله عربة الترحيلات

يأخذنا تميم هنيدي عبر قصَصهِ في رحلةٍ للتّعرف على عوالم هذا المرض، وذلك من خلال سردهِ لتفاصيل وأحداث متعلّقة بيوميات المصابين بهِ، ورسم مصائرهم عبر وصفٍ، غير تقريري، لحالاتهم النفسيّة وتقلباتهم المزاجيّة وما يشعرُ به المريض إثرَ تلك التقلُّبات.

في القصة الأولى من المجموعة، التي جاءت بعنوان "الثور"، نجِدُ في شخصية حميد طاقةً غير منتهية، وقدرة مذهلة على العمل دون توقّف، ودون أن يكون ذلك من أجل كسب المزيد من المال، حيث إنّ تلك الطاقة ناتجة أساسًا عن المرض ذاتهِ وتقلّباتهِ، وتنتهي بانقلابٍ مزاجيٍّ آخر يجعل حميد ذاتهِ راغبًا في النوم والبقاء منعزلًا. وهنا يكتشف المتلقي قدرة هذا المرض على خلق شخصيتين مختلفتين داخل جسدٍ واحد، وإعطاء حياة مختلفة عن الثانية لكلّ شخصية، تتبدّلُ نزولًا عند رغبته. الأمر الذي يشكّل منجمًا حكائيًا شديد الثراء، ويعطي فضاء جديدًا لخوض عوالم هذه الشخصيات.

تنأى مجموعة "ليثيوم" عن التقرير الطبي، وتختار أن تغوص داخل نفس كل شخصيّة

في "قصّة ياسمين حسن"، تكون ياسمين مُصابةً بهوَسٍ جنسي ورغبةٍ جامحة لا تنتهي، تقودها إلى تجريب حيواتٍ عدّة لا تنفصلُ عن التقلُّبات المزاجيّة، بالإضافة إلى أنّها تُصبح لاحقًا مفرطةً في شرب الكحول وتدخين الحشيش وممارسة الجنس، وهنا نكتشف قدرة هذا المرض على تحويل ياسمين من شخصيةٍ عاطفيّة في صغرها، إلى أخرى جريئة ذات رغبة لا تنتهي عندما تكبر. أمّا في قصّة "عائلة المعلم جبر" فيتحدَّث هنيدي عن تعامل ذوي المريض وأقاربه مع تصرّفاته الغريبة، التي تبدأ بظهور جدّة مراد عاريةٍ في ساحة القرية، ومن ثمّ عزلة مراد ورغبته في البقاء وحيدًا، وإصرار والدهِ على أنّ ابنه ليس مجنونًا لكي يراهُ طبيب نفسي، رغم أنّ ذلك كان من الممكن أن يمنع ما حدث لهُ في نهاية القصّة، أن يموت بتلك الطريقة البشعة التي انتهى إليها.

اقرأ/ي أيضًا: القصة القصيرة جدًّا.. الكتابة بمنطق الرصاصة

تنأى مجموعة "ليثيوم" لتميم هنيدي بنفسها عن التقرير الطبي في عرض هذا المرض، وتختار أن تغوص داخل عالم كل شخصيّة في المجموعة، لتقدّم صورة أكثر عمقًا عنهُ، وسوى أنّ المجموعة تُعتبر الأولى عربيًّا التي تتناول هذا المرض، فهي أيضًا تسجل قيمة فنية خاصة من حيث تركيز المجموعة على تيمة واحدة، وجعل فن القصة القصيرة مشروعًا أدبيًا متكاملًا، لا يرضخ للعفوية والقصص المبعثرة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكاوي سعيد: أنا كاتب كسول ومزاجي

نهلة كرم.. الموت وأشباحه