29-مارس-2018

ملعب الآزتيكا في المكسيك، وهو ثاني أكبر استاد احتضن البطولة بعد الماراكانا (Getty)

بعد استضافة إنجلترا للنسخة الثامنة من كأس العالم عام 1966، حان الدور لفريق من الأمريكيتين أن يحظى بشرف استضافة هذا العرس الرياضي العالمي في نسخته التاسعة، وكانت الأرجنتين تحاول كثيراً في المرّات السابقة أن تحظى بهذا الشرف، لكنّها فشلت في كل مرة، واعتقدت أن اللحظة حانت في نسخة عام 1970، خصوصاً وأن منافستها الوحيدة هي المكسيك، والتي تشكو من ارتفاع أراضيها عن سطح البحر وارتفاع درجة حرارة أراضيها، ما يؤثر على الضغط الجوي وصعوبة التنفس لدى اللاعبين، ومع ذلك حدثت المفاجأة وفازت المكسيك بشرف الاستضافة في اجتماع الفيفا الذي عقد على هامش أولمبياد طوكيو 1964، حيث حازت المكسيك في الاقتراع على 56 صوتاً مقابل 32 فقط للأرجنتين، ولكن يحسب للدولة الفائزة بنيتها التحتيّة الجيّدة، والتي أعدّتها لاستقبال دورة الألعاب الأولمبية الصيفية 1968، إضافة إلى وعدها بإنشاء ملعب ضخم سيكون من أبرز معالم البلاد، وهو ما يعرف الآن باسم ملعب الآزتيكا.

قدّمت 75 دولة طلباً للمشاركة بتصفيات البطولة، وما لبث أن تقلّص هذا العدد إلى 68، وعلى الأخص من القارّة الآسيويّة، إذ انسحبت الكثير من الدول تجنّباً لملاقاة فريق الاحتلال الإسرائيلي، وكان أبرز المنسحبين لهذا السبب فريق كوريا الشمالية الذي فاجأ الجميع بالبطولة السابقة عندما ألحق بإيطاليا خسارة طردته من البطولة.

استطاع المغرب في هذه البطولة  أن يتأهل للنهائيات لأول مرة في تاريخه 

فشلت العديد من الفرق القويّة في التأهل إلى نهائيّات كأس العالم، فالأرجنتين غابت عن المونديال بسبب تخلّفها عن البيرو في مجموعتها، كذلك الحال بالنسبة لفرنسا التي حلّت خلف السويد، وإسبانيا التي سبقتها بلجيكا، إضافة إلى البرتغال ثالثة المونديال السابق والتي أخذت مكانها رومانيا، فيما أقصت تشيكوسلوفاكيا الفريق المجري حامل أولمبياد طوكيو 1964 وأولمبياد مكسيكو 1968 بمباراة فاصلة.

شعار البطولة

وأنصفت التصفيات هذه المرّة الفريق المغربي، حيث فشل في التأهل للبطولة السابقة رغم زعامته للقارة الأفريقية بسبب نظام التصفيات السابقة، والتي أجبرته على خوض مباراة ملحق مع فريق أوروبي، ولكن هذه المرة خُصّص مقعد للقارة كان من نصيب المغرب، بعد تفوّقه بالدور النهائي على نيجيريا والسودان.

وكانت النقطة الأكثر سواداً في تاريخ تصفيات كأس العالم هي المواجهات الثلاث التي جمعت بين السلفادور والهندوراس من أجل الظفر بالبطاقة المؤهلة للمونديال، حيث يعيش شعب البلدين الجارين حالة من الحنق الاجتماعي، وكانت لقاءاتهما قشّة قصمت ظهر البعير، فبعد أن تبادلا الفوز ذهاباً وإياباً اضطروا لخوض مباراة فاصلة فازت بها السلفادور بعد التمديد 3-2، وهنا اشتعلت الحرب بين البلدين واستمرت لـ4 أيام، فسمّيت حرب المئة ساعة ونجم عنها مئات القتلى بين الطرفين، ورغم إيقاف طبول الحرب إلى أن نتائج هذه المعركة ما زالت حاضرة في العلاقات بين البلدين حتى الآن.   

اقرأ/ي أيضًا: هندوراس في مواجهة السلفادور.. المباراة التي أشعلت حرب الـ100 

كان جديد النسخة التاسعة من كأس العالم هو بدء العمل بنظام البطاقات الصفراء والحمراء، وترجع هذه الفكرة للحكم الإنجليزي كين آستون، والذي أدار مباراة تشيلي وإيطاليا في كأس العالم 1962، والتي عُرفت بمعركة سانتياغو، وكان حكم اللقاء في السابق يطلب من أي لاعب يرتكب فعلا منافيا للأخلاق الرياضية أو سلوكاً خشنا بحق الخصم الخروج من أرضية الملعب، ما أثار الكثير من الجدل من اللاعبين الذين كانوا يُصدَمون بهذا القرار المفاجئ. بدأ هذا الحكم الذي كان أصبح رئيس لجنة الحكّام في كأس العالم 1970 التفكير والبحث عن الحل، فوجد ذلك عند إشارة المرور، فالأصفر يعني التمهّل والأحمر يعني التوقّف، وهنا إن تم استخدام البطاقات الملوّنة ستُحلّ المشاكل السابقة، إضافة إلى كسر حاجز اللغة بين اللاعبين والحكّام، وهكذا استطاع كين آستون أن يدخل نظام البطاقة الصفراء للإنذار والبطاقة الحمراء للطرد، وتمّ استعمال نظام البطاقات لأول مرة في تاريخ كأس العالم بالنسخة التاسعة المكسيك 1970.

سيتم اعتماد نظام البطاقات الملوّنة لأول مرّة بتاريخ كأس العالم إضافة إلى السماح بإجراء تبديلين 

أيضاً ستشهد هذه البطولة اتّباع نظام التبديل بين اللاعبين، فيُسمح للمدرّب إجراء تبديلين في المباراة، وكانت البطولات السابقة لا تحوي هذا النظام، حيث تعرّضت الكثير من المنتخبات بسبب إصابة لاعب من فريقها وخروجه من الملعب  لمشاكل كبيرة، وكان الفريق يكمل بصفوف ناقصة كما حصل في حالات عديدة وآخرها في المونديال السابق. فعندما أصيب قائد منتخب إيطاليا بولجاريللي خرج من الملعب في الدقيقة 33 وأكمل فريقه المباراة أمام كوريا الشمالية  ناقص الصفوف، قبل أن تحقّق كوريا فوزاً تاريخياً على الطليان 1-0.

الحكم كين آستون مبتكر نظام البطاقات 

ومن التفاصيل الاستثنائيّة التي امتلكتها هذه النسخة، هو اعتماد كرة موحّدة للعب المباريات كافّة، وهذه أول مرّة في تاريخ كأس العالم، إذ سبب ذلك الكثير من الإشكالات بين الفرق، ففي نهائي النسخة الأولى عام 1930 بين الأرجنتين والأوروغواي اختلف الفريقان على الكرة التي ستُلعب بها المباراة، فلعبت الأرجنتين الشوط الأول بكرة جلبتها من بلادها وتقدّمت 2-1، فيما لعبت الأوروغواي الثاني بكرة من عندها وقلبت تأخرها إلى فوز 4-2، وهنا فازت شركة أديداس بشرف صناعة أول كرة معتمدة في كأس العالم، واتخذت لكرة مونديال المكسيك اسم "تيليستار".

ولكي تكتمل لوحة مونديال المكسيك وتزيد جمالاً، سيتم لأول مرة بتاريخ كأس العالم نقل المباريات على الهواء مباشرة ببثّ ملوّن، وهنا كان لزاماً على الدولة المستضيفة إجراء مبارياتها في أوقات الظهيرة، وذلك من أجل ضمان مشاهدة الملايين في أوروبا للمباريات، وهو ما سيرهق اللاعبين الأوروبيين كثيراً بسبب ارتفاع درجات الحرارة بالبلاد التي تعلو عن سطح البحر، ما سيؤدي إلى صعوبة في التنفس نتيجة ظروف الضغط الجوي المرتفع .

كرة "تيليستار" والتي صنعتها شركة أديداس من أجل المونديال

كانت النسخة التاسعة من كأس العالم جديدة بالعديد من المقاييس، وهي تشكّل لحظة مفصلية في قوانين كرة القدم وتاريخ اللعبة، إذ اجتمع بهذا المونديال 16 فريقاً كانت لهم طموحات متباينة، فمنهم من يرغب بإحراز اللقب للمرة الثالثة من أجل الاحتفاظ بكأس جول ريميه للأبد كالبرازيل وإيطاليا والأوروغواي، ومنهم من قطع آلاف الأميال للحفاظ على لقبهم الغالي والوحيد كالإنجليز، بين هذا وذاك كانت العديد من الفرق تطمح لمشاركة مشرّفة كأصحاب الأرض والمنتخب العربي المغربي وغيرهما، فكيف ستبدو ملامح هذه الفرق في دور المجموعات؟

تابعونا في الجزء القادم من قصة كأس العالم 1970..