13-مارس-2018

تغلّبت المجر في دور الثمانية على البرازيل 4-2 بغياب بوشكاش في مباراة سُمّيت بمعركة بيرن (Getty)

 شهد دور المجموعات في كأس العالم 1954 مدّاً هجوميّاً واضحاً من الفرق المنافسة، إذ لم تشفق الفرق الكبرى على خصومها واكتسحتها دون رحمة، سيّما المنتخب المجري الذي سجّل 17 هدفاً من مباراتين فقط، ويكفي أن دور المجموعات خلا من نتيجة التعادل السلبي. وكانت اسكتلندا وكوريا الجنوبية هما الوحيدتان اللتان لم تسجّلا أي هدف في كأس العالم 1954، فيما تأهلت 8 فرق إلى دور ربع النهائي. وأسفرت قرعة هذا الدور عن مواجهات قويّة، إذ اصطدم أصحاب الأرض بالنمسا، وحامل اللقب الأوروغواي مع إنجلترا، ووصيفه البرازيل سيلعب مع القوّة الضاربة المجر، فيما ستلاقي ألمانيا الغربية فريق يوغوسلافيا.

تم تسجيل 12 هدفاً في مباراة النمسا وسويسرا  وبذلك احتلّ هذا اللقاء المركز الأول بتاريخ كأس العالم من حيث عدد الأهداف.

سجّل لقاء النمسا وسويسرا في كأس العالم 1954 أرقاماً قياسيّة لا يزال بعضها صامداً حتى اللحظة، حيث تقدّمت سويسرا بثلاثة أهداف وقلبت النمسا تأخرها بعد ذلك لتنتهي المواجهة 7-5 لصالح النمسا، وهي أول مباراة في تاريخ المونديال يتقدّم فيها فريق ما بثلاثة اهداف ويخرج خاسراً، وهي المباراة الوحيدة التي يسجّل فيها كل فريق هاتريك، إذ استطاع النمساوي فاغنر أن يسجّل 3 أهداف حاله كحال السويسري هوغي، كما تم تسجيل 12 هدفاً في هذه المباراة وبذلك احتلّ هذا اللقاء المركز الأول بتاريخ البطولة من حيث عدد الأهداف، وكان ذلك في كأس العالم 1954. 

وفي المباراة الثانية من بطولة كأس العالم 1954 رافقت الأوروغواي النمساويين إلى دور نصف النهائي، إذ قهروا الإنجليز 4-2 في لقاء صبّت به الصحافة البريطانية جام غضبها على الحارس الإنجليزي وحمّلته مسؤولية الخسارة، بينما لم يتعذّب الألمانيون في اجتياز يوغوسلافيا والتأهل إلى دور نصف النهائي بعد الفوز 2-0.

يعتبر اللقاء الذي جمع بين سويسرا والنمسا هو الأكثر تهديفاً بتاريخ كأس العالم

معركة بيرن

سجّل تاريخ كرة القدم واقعة استثنائية حصلت في دور الثمانية من كأس العالم 1954، إذ واجه الفريق المجري القوي والمحروم من جهود أبرز لاعبيه بوشكاش بسبب الإصابة فريق البرازيل بحلّته الجديدة، فبعد 4 سنوات من كارثة الماراكانا الوطنيّة التي حلّت بالشعب البرازيلي قررت بلاد السامبا تغيير كل شيء بالشكل والمضمون، فألغت اللون الأبيض وحلّ مكانه اللون الأصفر بعد مسابقة أجريت لاختيار القميص واللون المناسبين، كذلك تم تغيير الكادر الفني للمنتخب إضافة إلى اللاعبين، حيث لم يتبقَّ من فريق كأس العالم 1950 سوى 6 لاعبين.

بعد هدفي المجر المبكّرين شعرت البرازيل باقتراب جسدها من فكّ الوحش المجري كوجبة عشاء شهيّة، حيث تناول فطوره بالكوريين بواقع 9-0 وتغدّى بالألمان بنتيجة 8-3

لقد شكّل غياب بوشكاش عن اللقاء في كأس العالم 1954 فرصة رائعة جدّا بالنسبة للبرازيليين من أجل محو خيبة الماراكانازو، سيّما وأن الهوس بكرة القدم عمّ البلاد، فبات البرازيليّون يترقّبون هذا النزال الحاسم بكل شغف وتفاؤل، فهزيمة المجريين تعني إلحاق الخسارة الأولى بفريق أرعب الجميع بعد 29 مباراة دون هزيمة، فريقٌ استطاع أن يحظى بشرف الفوز على إنجلترا في ويمبلي كأول منتخب من خارج بريطانيا يفوز عليها في ميدانها المهيب.

صدمت المجر البرازيليين في كأس العالم 1954 بهدفين في أول 7 دقائق، فعمّ الذهول أوساط البرازيليين، وشعروا باقتراب أجسادهم من فكّ الوحش المجري الذي تناول فطوره بالكوريين وسحقهم 9-0 وتغدّى بالألمان عندما هزمهم بقساوة 8-3. والآن حان الدور على البرازيليين كوجبة عشاء لذيذة، ولكن حانت الفرصة الذهبية للبرازيل من أجل العودة مبكّراً أيضاً عندما منحها حكم اللقاء ركلة جزاء انبرى لها بنجاح دالما سانتوس بالدقيقة 18، ركلة تحّدث عنها هذا اللاعب كثيراً، حيث صرّح لموقع الاتحاد الدولي لكرة القدم " لو أهدرت تلك الركلة لقال البرازيليون كنا سنقلّص الفارق لهدف واحد وسنعدّل بعدها ونفوز، كنت سأتعرّض لهجوم لم يتعرّض له حتّى باربوسا (حارس البرازيل في نهائي 1950)".

بدأ الشوط الثاني ونتيجة المباراة تشير إلى تقدم المجر 2-1، بيد أن حكم اللقاء منح الفريق المتقدّم ركلة جزاء ضاعف بها تقدّمه 3-1، وما لبث أن قلّصت البرازيل النتيجة في الدقيقة 65، وهنا ازدادت المباراة جمالاً وإثارة قبل أن تشتعل شرارة المعركة، فوسط حرص البرازيليين على تعديل النتيجة هاجمت المجر دفاعات البرازيل كي تقتل اللقاء بهدف رابع، ومن إحدى هذه الهجمات ارتكبت دفاعات البرازيل خطأ فادحاً في الدقيقة 79عندما عرقل هومبرتو مهاجم المجر لورانت بقسوة نتج عنها عراك بين اللاعبين أسفر عن طرد لاعبَين من البرازيل وآخر من المجر، وقبل نهاية المباراة بدقيقتين استطاع مهاجم المجر أن يقضي على آمال البرازيليين بتسجيله الهدف الرابع، ما أدى لفوضى غير مسبوقة، حيث تعارك عناصر الفريقين من لاعبين وإداريين ومدربين، واتسعت حلبة الملاكمة لتشمل مضمار الميدان وبعدها غرف الملابس ومن ثم خارج الملعب. وهنا لقّبت الصحافة هذه المباراة بمعركة بيرن، وعن ذلك قال حكم المباراة آرثر إيليس "كنت أعتقد أنها ستكون أفضل مباراة أراها في حياتي، ولكنها تحوّلت إلى معركة.. كان همّي الوحيد هو الوصول بالمباراة إلى نهايتها".

الأوروغواي هي أحد فريقين استطاعا أن يسجلا 4 أهداف على إنجلترا في كأس العالم 1954

وفي نصف النهائي من بطولة كأس العالم 1954 جمعت القرعة المجريين مع الأوروغواي وألمانيا الغربية مع النمسا، وفي المباراة الثانية اكتسحت ألمانيا جارتها 7-1، وحجزت مقعداً لها في النهائي، بينما أرادت الأوروغواي أن تحتفظ بكأس جول ريميه للأبد عبر تحقيقها اللقب الثالث في مسيرتها وفق العُرف الكروي، فهي فريق لم يخسر في تاريخه بالمونديال، ولكن المنتخب المجري هو العثرة الأكبر التي تقف وراء هذا الحلم، وبالفعل تقدّم المجريون بهدفين في الدقيقتين 12 و47، وكافحت الأوروغواي لتعديل النتيجة مستغلّة استمرار غياب بوشكاش بداعي الإصابة، وكان لها ما أرادت في الدقيقتين 75 و86، فلجأ الفريقان لوقتين إضافيين استطاعت بهما المجر أن تلحق بالأوروغواي أول خسارة لها بالمونديال عندما سجّلت هدفين وأنهت اللقاء 4-2، ولحقت بألمانيا إلى نهائي كأس العالم المنتظر الذي سيُقام بمدينة برن.

قبل نهاية لقاء المجر والبرازيل تحولت إحدى أجمل مباريات كأس العالم إلى معركة استمرّت حتى خارج الملعب

إذاً وصل إلى نهائي كأس العالم 1954 منتخبَان لم يسبق لهما الوصول إلى دور كهذا بتاريخهما، كلّ دروب الكأس والتوقّعات والمراهنات تؤدي منطقيّاً وفنّياً لفوز المجريين باللقب، فمن الصعب نسيان الخسارة الكارثية التي تعرّض لها الألمان أمام المجر في البطولة ذاتها 8-3، لكن كرة القدم كما قال مدرب ألمانيا الغربية سيب هيربرغر "مدوّرة"، فماذا قصد بذلك؟

تابعونا في الجزء القادم..