14-مارس-2021

سجاد ابن فاطمة ومجموعته

تبدأ القراءة البنيوية للنص من ملاحظة الظواهر التي تغلب عليه وتأطيرها، ثم محاولة تحليل هذه الظواهر وفق إجراءات معينة.

تنشغل قصائد سجّاد ابن فاطمة بفكرة الزمن، نرى ذلك في تكراره لمفردتي الوقت والزمن أو ما يوازيهما

في المجموعة الشعرية "تكرار أخطاء الأولين" (دار هن، القاهرة 2018) للشاعر سجّاد ابن فاطمة، يمكن ملاحظة ثلاث ظواهر تتميز بها نصوصه. الظاهرة الاولى هي الشكل البنائي للنص، حيث يعتمد الشاعر في بناء جملته الشعرية على تقنية معينة تتكرر كثيرًا في اغلب النصوص وتشكّل علامة واضحة في أجواء المجموعة، وهي ان تكون جملته جملة اسمية في الغالب، تحمل نبرة تعريفية ذات تركيب يشبه المعادلة الآتية: "مبتدأ + خبر + ملحق يتكون من صفات ويليه أحيانًا جمل فعلية = معنى، دلالة". ملحق الصفات إما يكون من داخل الحقل الدلالي لمفردة المبتدأ بحيث تكون وظيفة الجملة الكلية تعريفية غير إنشائية "النوم إغفاءة يقظة لموت مستمر" من نص "سرنمة". أو أن يكون ملحق الصفات أو الجملة الفعلية من خارج الحقل الدلالي ليتحقق بذلك انزياح معنوي مع الحفاظ على نبرة التعريف، وهذي سمة الكثير من النصوص مثل "الغيب" ومنه: "الغائب إغواء للوهم وحبل يلتف على أعناق الوعي".

اقرأ/ي أيضًا: عمر الجفّال.. حياة مريضة

وكذلك في نصي "معجم 1" و"معجم 2" المبنيين كلاهما على شكل تعاريف:

الذاكرة: صندوق أجوف..

الرغبة: حيتان نافقة..

الحياة: فنار أحدب..

الوطن: أقصوصة شيقة...

وكذلك في نص صفر "شرطي المرور روبوت يتنفس زفير السيارات".

بعد ذلك لن نتفاجأ حين نرى في النصوص الأخيرة للمجموعة نص يحمل اسم "تعريف"، ويكون مبنيًا بالطريقة التي أشرت إليها، متضمنًا تعريفًا بديعًا للإنسان: "الإنسان غبطة الانتقاء"، ليكون هذا النص ترسيخًا وتأكيدًا على أسلوب البناء الذي يعتمده الشاعر.

الظاهرة الثانية هي مدى انشغال الشاعر بفكرة الوقت/الزمن، والذي نلمسه من خلال تكرار مفردتي الوقت والزمن أو ما يوازيهما بغض النظر عن اختلاف المفاهيم، فاليوم أو الأيام في داخل النص هي وحدات زمنية، كذلك "الأبدية" تأتي مقرونة بعبارة لها صلة بالزمن "الزمن يتأبد عند عتبة بوابة مقفلة" من نص "الشيء"، وفي النص التالي "بصرك اليوم حديد": "الزمن الدائر حول نقطة الزوال".

وبذلك تشكل فكرة الزمن، التي ليس لها مفهوم محدد وثابت، همًّا لدى الشاعر الذي حاول تعريف مواضيع كبرى مثل الوطن والحرب والحياة والذاكرة لكنه لم يعرّف الزمن، بل بقي الزمن عنده هو السؤال الذي يفتتح به النص، أو الجواب الذي تنهي به الفكرة أو الجملة العرضية التي توضح لبسًا ما، كل هذا دون أن يمنح تعريفًا للزمن كما فعل مع بقية المواضيع.

تركيب الجملة يتحمل مسؤولية التعريف بمفهوم ما. بمعنى آخر إن التركيب ينحاز إلى الفكرة أكثر

الظاهرة الثالثة هي تنوّع مصادر الصور الشعر بين الذهنية المجرّدة والخيالية المجسّدة، وبذلك تتسع مساعيها الى تحقيق التأثير على المستوين النفسي والدلالي. يعتمد في إثراء هذا التنوع على صياغة تراكيب الصورة بطريقة لا تبتعد كثيرًا عن نوعها، نوع الصورة. وعند فحص الصور الشعرية التي تعود الى مصدر ذهني، نراها تتسم بصبغة لغوية تعريفية، أي أن تركيب الجملة يتحمل مسؤولية التعريف بمفهوم ما. بمعنى آخر إن التركيب ينحاز إلى الفكرة أكثر، وتصبح غايته إيصال ما وراء الصورة بحدود اللغة فقط، أي أن عملية التصور تكون داخل الحدود اللغوية للصورة ولا تذهب أبعد من غاية إيصال المفهوم كما في نص "داخلك زعنفة":

"لا تدرك السمك ماهية الماء

وتجهل أنها سابحة فيه...

(تفتق المعرفة مرتبط بانتفاء المألوف)

انتبه إلى فمها الحلقي بعد إخراجها منه

وهي تستجدي ذلك السائل المتأخر بالإدراك"

وكذلك في المقطع الأخير من نص "أخيلة الماء":

"وجهك المائي الذي يتراءى على صفحة الماء

هو وجهي حين الاتساع في خاصرة الجمال

ومغزى لعبة الوجود".

إما الصور التي تعود الى مصدر ذهني خيالي فان تركيبها اللغوي يلتزم بشروط الإثارة النفسية من خلال اختيار المفردة ذات الأثر الحسي الأقدر على تحفيز التخيّل، دون تحمل عناء غاية تفهيمية مثل مفردة "مزلاج" في افتتاحية نص "ليس للمعماري يد في الحانات": "أنا بوّاب هذه المدينة المقفلة من الخارج بمزلاج التاريخ القديم".

اقرأ/ي أيضًا: ناجي رحيم.. لعبة أرشفة الخوف

ما يجدر ذكره أنه بالإضافة الى أدوات التشبيه (مثل، كما، كأن) فان الشاعر يجد طريقة غير تقليدية تثري نصه وتمنحه إصالة خاصة، وذلك باعتماد كلمات التشبيه نفسها "مشابهة لتلك الومضة...، لأننا اشبه ما يكون بهواة جمع الطوابع النادرة...، تجويف أشبه بالمقلاة" وبهذه الطريقة يحقق فرادة تقي النص من الإغراق بدارت التشبيه التقليدية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فن اللامبالاة.. درس في سؤال الألم

الشاعرة نائلة أبو طاحون.. الشعر وخطورة التجربة الأولى