07-يوليو-2022
رسم لـ رائد وحش

رسم لـ رائد وحش

شطر كبير من القصائد تتغنى بالحبيب وهو في قمة استعداده للحب. ونادرًا ما تعود القصائد إليه حين تخفت أنواره، أي حين يصبح متعبًا، أو تأخذه سنة نوم، أو ترهقه أعمال واجبة. الحبيب في القصيدة يبدو أشبه بالشخص الذي يحتفل بزواجه من الشريك. يرتدي أفضل ما يملك، وتدفعه آماله العريضة إلى الابتسام والضحك، ويكون خفيفًا من كل تعب أو جهد أو هموم. حبيب القصائد هو كائن مقبل على الحياة.

نادرًا ما تولي القصائد انتباهها إلى الواجهات الخلفية للمباني، حيث تتجمع مخلفات السكان، بانتظار إخفائها كأنها لم تكن

 

على النحو نفسه، تتغنى القصائد بجارة الوادي، بشوارع برشلونة النظيفة، بواجهات مبانيها الجميلة. بناطحات سحاب نيويورك اللامعة والمضاءة. لكن القصائد نادرًا ما تولي انتباهها إلى الواجهات الخلفية للمباني، حيث تتجمع مخلفات السكان، بانتظار إخفائها كأنها لم تكن.

القصائد، شطر كبير منها على الأقل، لا ترى العالم إلا مزينًا ومستعدًا للحب. وحين نمدح حبيبًا مستعدًا للحب فإننا نكون كمن يمدح أنفسنا، ذلك أن قرار الحبيب الاستعداد للحب هو بمعنى ما تكريم للمحبوب الذي سيتلقى الحب. إعلان من الحبيب أنه بذل جهدًا جمًا وهو يعتني بصورته ونفسه معًا وفي آن، من أجل ملاقاة الحبيب. من ذا الذي يستحق أن نبذل لأجله كل هذا الجهد إن لم يكن محبوبًا حقًا؟

بعض القصائد تقول لنا ادعاء هذا العالم ولا تقول حقيقته. وفي سعيها المزعوم هذا، تريدنا أن نصدق أن الشاعر يرى في العالم ما لا نحسن أن نراه. والحق إننا نرى وندرك ونشعر. لكننا نرى حين نكون متعبين أحيانًا، أو حين تكون وحدتنا قد بلغت أوجها. ونشعر كذلك، لكن مشاعرنا ليست دائمًا في استعداد للحب. إذ يحدث أن نفكر كل يوم بجدوى الحياة برمتها، هذه الحياة التي يعيش فيها على الناصية الأخرى، أحباء وعشاق. ونفكر كل يوم بمعنى أن نستمر في هذا السعي كنمال في حقل مجدب، في وقت لا يبدو ما نحققه من متع كافيًا ليقيم أود لحظة واحدة من لحظات وحدتنا. وإذ تصر القصائد على ادعائها هذا فإنها تتحول على نحو ما إلى ما يشبه الإعلان. الإعلان الذي يريد أن يقنعنا بأن مسحوق الغسيل الجديد هذا سيجعل حياتنا أسهل. تمامًا، ذلك أننا، مع مسحوق الغسيل أو بدونه، نعرف أن حياتنا أصعب وليست أسهل، وأن مسحوق الغسيل لا يعدو عن كونه وهمًا يضاف إلى أوهامنا التي نربيها بالشعر والصور والأغاني.

لكن بعض هذا الشعر، لا يحجب، ولا يجب أن يحجب، كمًا هائلًا من القصائد التي تقولنا. التي تدعونا لاختبار لمسة الرقة، لا لمسة الرغبة، التي تجعلنا نكرر تأكيدنا لأنفسنا، بأننا في الحياة التي نعيشها لسنا فاتحين ولا مغتصبين ولا طافحين بغرور يجعل العالم كله بعضًا من خدمنا الذين يجدر بهم أن يفنوا أعمارهم في خدمتنا.

الأرجح أن الذكورية كفلسفة ومسلك تتبدى أول ما تتبدى في هذا التطلب الشعري والفني. والأرجح أن هذه الذكورية مكلفة على أصحابها مثلما هي مكلفة على الخاضعين لمسلكها. ذلك أننا وبسبب من هذه الفلسفة المتأصلة في نفوسنا، نحسب كل جسم امرأة عابرة مستعدًا للحب، فقط لأنه جسم امرأة. ونحسب أن كل واجهة مبنى هي قلعة تحميها بنادق الرجال، ولا نحسن الدخول إليها إلا اقتحامًا. ونحسب أن كل مطعم أو مقهى جزء من ملكيتنا، طالما نستطيع دفع ثمن الخدمة التي يقدمها لنا ندل، نظن أنهم جزء من ملكيتنا المؤقتة والعابرة.