26-ديسمبر-2019

انحسر نشاط قراصنة الصومال دون أن ينتهي تمامًا (أ.ب)

تبدو صورة القرصنة على السواحل الصومالية أقرب إلى النشاط التقليدي من كونها ظاهرة مبتدعة. لكن ظروف انتقالها إلى تهديد الملاحة البحرية في المحيط الهندي وخليج عدن، تفاقمت أكثر بعد الحرب الأهلية الصومالية، واتسع نشاط القراصنة هنالك تحت وطأة الجوع والبؤس وغياب سُلطة الدولة، حيث قدرت الخسائر خلال السنوات الـ10 الأخيرة بنحو 385 مليون دولار أمريكي ومئات الضحايا.

بلغ نشاط قراصنة الصومال ذروته في عام 2011، بمعدل 237 هجومًا، وتوسع النشاط لخارج المياه الإقليمية الصومالية قبل انحساره مؤخرًا

تسترعي سفن الصيد والسياحة وناقلات النفط انتباه القراصنة الصوماليين، فيهرعون إليها بالقوارب الصغيرة، ويصعدون على متنها بعد مناوشات بالأسلحة الخفيفة. كما أن مهارات القتال تحت الأمواج وركوب المخاطر، باتت تقريبًا العامل الحاسم في سيطرتهم على تلك السفن، ومن ثم اقتيادها إلى أماكن مجهولة والمساومة عليها.

اقرأ/ي أيضًا: الصومال بين حزم ورعد وغياب

حماية الحياة البحرية

كانت بداية القرصنة عبارة عن مجموعات منظمة من البحارة الصوماليين لردع سفن الصيد غير القانونية، ومكافحة تدمير الحياة البحرية، وحماية أسراب سمك التونة من توغل السفن الأوربية تحديدًا. 

لكنها سرعان ما تحولت إلى نشاط اعتدائي، تقوم به عصابات مدربة جيدًا، حتى أن عمليات القرصنة والاختطاف بلغت ذروتها في عام 2011 بمعدل 237 هجومًا، وانتقلت خارج المياه الإقليمية الصومالية، قبل أن تنحسر مؤخرًا بعد إطلاق ما عرف بعملية أتلانتا.

القرصنة الصومالية
خريطة بمناطق نشاط القراصنة الصوماليين في المحيط الهندي خلال الفترة ما بين 2005 و2010

وخلال سنوات ازدهار نشاط القرصنة، تبدلت حياة القراصنة الصوماليين، الأمر الذي انعكس جليًا في مناطق سكنهم، تحديدًا على الساحل البربري، مثل جاراد وهبيا ومناطق أرض البنط الشمالية في إيل، وبعض الملاذات السرية الأخرى، حيث ارتفع مستوى المعيشة بشكل ملحوظ، وذلك نتيجة الدولارت التي حصلوا عليها فديةً مقابل إطلاق سراح السفن والرهائن.

تجسيد الواقع

حاول فيلم "قراصنة الصومال" للمخرج الأمريكي برايان باكلي تقديم صورة مقربة لمجتمع القراصنة، بالاستناد إلى قصة حقيقية جسدها الصحفي الكندي جاي بهادور، الذي كُلّف بمهمة مثيرة تمثلت في إقامة اتصالات مع قراصنة صوماليين وإجراء مقابلات معهم، والتعرف على تفاصيل حياتهم.

ويعتبر هذا الفيلم أكثر واقعية وإنصافًا للصومالين، بالتعرف على مشاكلهم واحتياجاتهم، وعكس المعاناة التي اضطرت بعضهم للقيام بعمليات القرصنة لتحسين أوضاعهم المعيشية، أو الدفاع عن مقدرات بلادهم.

إحصائيات مخيفة

في منتصف 2008 اختطف القراصنة الصوماليون ناقلة النفط السعودية "سيريوس ستار" وعلى متنها مليونا برميل من النفط، وطاقم مكون من 25 شخصًا. وللإفراج عن السفينة، طالب القراصنة بفدية 25 مليون دولار أمريكي، في واحدة من أشهر عمليات القرصنة خلال العقدين الماضيين.

وفي نيسان/أبريل 2013 أصدر البنك الدولي إحصائية لعمليات القرصنة التي نفذها قراصنة صوماليون منذ 2005 وحتى 2013، سجّلت قرصنة 149 سفينة على متنها 3741 شخصًا قضى بعضهم فترة احتجاز استمرت ثلاث سنوات، فيما قتل ما بين 82 و97 شخصًا هم ركاب هذه السفن خلال هجمات القراصنة.

قراصنة الصومال

ووفقًا لتقرير لمجلس الأمن صادر في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، وقع خلال العام الجاري حادثتا قرصنة في مناطق نشاط قراصنة الصومال. ووفقًا للتقرير فإن الجماعات التي تورطت سابقًا في القرصنة على نطاق واسع، يبدو أنها لا تزال تحقق أهدافها المالية بممارسة أنشطة أقل خطورة.

قراصنة الصومال
تأثير أعمال قراصنة الصومال في العالم (البنك الدولي)

وقال التقرير إن هذه الجماعات لديها القدرة على استئناف أعمال القرصنة إذا سنحت لها الفرصة، وأن عملية قرصنة واحدة يحصل منفذوها على الفدية، كفيلة بتشجيع أصحاب رؤوس الأموال في الصومال على العودة للاستثمار في أعمال القرصنة.

تواطؤ شركات التأمين  

وفي حين نجحت الجهود الاستباقية في كبح جماع نشاط القرصنة البحرية على السواحل الصومالية، ثمة من يشكك في أن شركات التأمين العالمية تمد قراصنة الصومال بمراكب صيد حديثة وأجهزة اتصالات، لإثارة رعب الدول، حتى تهرول لتأمين سفنها بالمليارات، خاصة وأن شركات الملاحة والشحن تخفي الكثير من الحوادث، ربما حفاظًا على سمعتها، وكي لا تضطر إلى دفع مبالغ إضافية لشركات التأمين على سفنها التجارية.

كما أن قراصنة الصومال لديهم القدرة على كسب تأييد الكثير من الأطراف المحلية، بما في ذلك مسؤولين حكوميين وشيوخ عشائر، انطلاقًا من مخاوف كثير من الصوماليين من استهداف أراضيهم، خاصة وأن الدول التي تتصدى إلى هذه الظاهرة لا تفرق، وربما تخلط بشكل متعمد، بين الصيادين الذين اضطروا لحمل السلاح للرد على سفن الصيد الأجنبية، وبين قراصنة البحر الذين يختطفون السفن ويفرضون مبالغ ضخمة كفدية للإفراج عنها.

جرائم في البحر

عبر حسابه على تويتر نشر المهندس والناشط البيئي الصومالي عبد النور سعيد، مقطع فيديو يظهر عمليات صيد عشوائية للأسماك، إلى جانب ما قال سعيد إنها "جرائم دفن مخلفات نووية". 

وكتب الناشط الصومالي: "لم تقتصر الجرائم على هذا الحد، وإنما هي من ضمن أسبابٍ أدت إلى تمدير الحياة البحرية تحت سمع ومعرفة المسؤولين"، ما يهدد عودة شباب الصومال للقيام بمهمة حماية سواحلهم، أو ما كانوا يعرفون برجال إنقاذ البحر، دون مخاوف من مواجهة القوات المشتركة التي تقوم كذلك بحماية نشاط الصيد الجائر في ذات السواحل".

 

 

ويمتلك الصومال سواحل بطول 3025 كيلومترًا، وتمتد مياهها الإقليمية إلى أكثر من 320 كيلومترًا في المحيط الهندي، لتكون بذلك صاحبة أطول سواحل بين الدول الأفريقية، الأمر الذي يُصعب عملية السيطرة على هذه السواحل، خاصة في ظل ضعف الدولة الصومالية.

ولذلك طلبت الحكومة الفيدرالية الصومالية، من مجلس الأمن، تجديد عملية مكافحة القرصنة على سواحل البلاد، وذلك على خلفية العودة النوعية لنشاط القراصنة، حيث عمدوا، على غير العادة، إلى استخدام أسلحة حديثة من قاذفات قنابل وأسلحة آلية ومدافع مضادة للدروع وصواريخ محمولة على الأكتاف.

أسباب سياسية

ينظر المجتمع الدولي بقلق بالغ إلى القرصنة في القرن الأفريقي. ومع تكرار عمليات مكافحة القرصنة، التي تخفف من وطأة نشاط القراصنة لكن لا تقضي عليه تمامًا؛ لفت خبراء دوليون مثل كوي توان دو، الخبير الاقتصادي في البنك الدولي، أن "القرصنة من أعراض انهيار النظام السياسي في الصومال"، وعليه شدد توان دو على ضرورة "استهداف النظام وليس القراصنة فحسب".

ثمة شكوك أن شركات التأمين العالمية تمد قراصنة الصومال بمراكب وأجهزة وأسلحة حديثة لإثارة رعب الدول لتهرول لتأمين سفنها بالمليارات

وكانت الحكومة الصومالية قد طالبت مجلس الأمن، في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بتجديد عمليات مكافحة القرصنة على السواحل الصومالية، ليستجيب المجلس للطلب، في كانون الأول/ديسمبر الجاري، بتجديد الأذونات الممنوحة للدول والمنظمات الإقليمية المتعاونة في هذا الصدد.

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

الذين لا يطالهم السلاح في الصومال

المرتزقة الجدد.. الجيوش الخاصة والنظام العالمي