أصدر مجلس التعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال في سوريا، الثلاثاء الفائت، قرارًا بشأن الجامعات السورية المُعترف بها وغير المُعترف بها، ومن بينها الجامعات التي تم تأسيسها خلال سنوات الثورة في الشمال السوري بما في ذلك جامعات النظام البائد.
وقد أثار هذا القرار استياءً واسعًا بين الطلاب في الشمال السوري، الذين اعتبروا أنّ القرار مُجحف بحقهم. وتشمل الجامعات التي لم يتم الاعتراف بها: جامعة شام في أعزاز، وجامعة المعالي، والجامعة الدولية للعلوم والنهضة، وجامعة آرام وجامعة باشاك شهير، وجامعة الرواد للعلوم والثقافة، والزهراء، والجامعة السورية للعلوم والتكنولوجيا، والأمانوس.
"جاء القرار في وقت غير مناسب"، وفق ما أكده ناشطون في الشمال السوري، حيث أشاروا إلى أن الطلبة شاركوا في معركة "ردع العدوان"، التي انتهت بالإطاحة بنظام الأسد، كما أن جزءًا منهم قد استشهد في تلك المعركة. واعتبروا أن هذا الأمر قد انعكس سلبًا على احترام ذوي الطلبة الشهداء، وفق تقديرهم.
اعتبر طلاب الجامعات غير المعترف بها أن قرارات مجلس التعليم العالي الأخيرة تزيد من تعقيد أوضاعهم وتقصي الجامعات التي تمثل الثورة وطلابها
وما أثار غضب الطلاب هو الاعتراف بالعديد من الجامعات الخاصة الحديثة في المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة النظام قبل سقوطه. ويقول البعض إنه تم كشف فساد هذه الجامعات عبر وثائق تثبت تورط الأفرع الأمنية في توجيه إداراتها لقبول أبناء الضباط وغيرهم.
وأصدرت الجامعات التي لم يتم الاعتراف بها بيانًا مشتركًا موجهًا للرأي العام ووزير التعليم العالي، عبد المنعم عبد الحافظ، وذلك عقب اجتماع عقدته فيما بينها. وقد أكدت هذه الجامعات، في بيانها، أن قرار الوزير يمثل تحديًا كبيرًا لجهود الجامعات في الشمال التي تسعى إلى تعزيز التعليم العالي والبحث العلمي في ظل ظروف صعبة ناتجة عن التهجير والحرب.
وأشار البيان إلى أن: "إشارات الاعتراف بالجامعات الحكومية والخاصة والمؤسسية هي بشرى لرموز النظام، وكذلك تشكل انحرافًا عن مسار المؤسسات العلمية والمعرفية". وأضاف: "لا تزال جامعات الشمال تتعرض لتحديات تتعلق بالتعليم العالي والمناهج الدراسية التي تفقد المجتمع السوري في الشمال فرص تطويره الأكاديمي".
ولفت البيان إلى أن: "مؤسسات التعليم العالي في الشمال السوري المحرر قد عانت من مشكلات التهجير والغزو، ما أدى إلى السعي لتعزيز العمل الأكاديمي المتنوع"، مؤكدًا أن قرار وزير التعليم العالي: "لم يأخذ في الحسبان الجهود المبذولة من أجل تعزيز التعليم العالي والبحث العلمي". واختُتم البيان بمطالبة جامعات الشمال السوري: "بموقف موحد يعزز حضورها الأكاديمي في المنطقة بما يخدم جميع السوريين".
رئيس مكتب اتحاد الطلبة في الجامعة الدولية للعلوم والنهض لـ"الترا صوت": القرار الصادر عن وزارة التعليم العالي حول الجامعات المعترف بها وغير المعترف بها يُعد "خطوة تحمل طابعًا استفزازيًا لكرامة طلاب الثورة وجامعاتها"
من جانبه، أكد رئيس مكتب اتحاد الطلبة في الجامعة الدولية للعلوم والنهضة صطوف الحسن، لـ"الترا صوت"، أن القرار الصادر عن وزارة التعليم العالي حول الجامعات المعترف بها وغير المعترف بها يُعد في هذا التوقيت: "خطوة تحمل طابعًا استفزازيًا لكرامة طلاب الثورة وجامعاتها".
وأضاف أن هذا القرار يعد تجاهلًا صريحًا لتضحيات ونضالات الطلبة الشهداء، قائلًا: "بدلًا من أن يكون المجلس صوتًا يدافع عن حقوق الطلاب ومستقبلهم الأكاديمي، وجدناه يصدر قرارات تزيد من تعقيد المشهد وتُقصي الجامعات التي تمثل الثورة وطلابها".
وأكد أن: "إنصاف الطلبة الأحرار لا يكون بمجرد بيانات، بل باعتراف صريح بدورهم وتضحياتهم، وضمان حقوقهم الأكاديمية والمهنية في أي قرار يُتخذ"، مشيرًا إلى أن طلاب هذه الجامعات لن يقبلوا بأي خطوة: "تنتقص من مكانة جامعات الثورة"، أو تُملي: "شروطًا لا تخدم مستقبلنا". وأضاف: "أي محاولة للمساس بها ستواجه بالرفض الكامل والتصعيد الأكاديمي والشعبي إذا لزم الأمر".
قال أحد طلاب الجامعات غير المعترف بها إن القرار جاء في وقت غير مناسب لكونه تزامن مع الامتحانات النصفية
وقال الدكتور هيثم جرّود، مدرّس في الجامعة الدولية للعلوم والنهضة، لـ"الترا صوت"، إن القرار فيه عجلة، موضحًا: "التوقيت والقرار العاجل لابد أن يكون فيه أخطاء، ثم إن القرار لم يراع الحالة النفسية والإنسانية لهؤلاء الشباب الذين كانوا فتيل الثورة وفتيل النصر وكل ما نرجوه أن يتم النظر في القرار والواقع ويوفق في تعديله بشكل سليم".
وتابع: "العجيب هو هذه النظرة الأحادية. لو أردنا أن نقلّب في واقع الجامعات عمومًا سواء القديمة أو الجديدة أو في مناطق المحرر أو مناطق النظام سابقاً، على الأقل أن تعادل الأمور بعضها ببعض وأن تساوى فهناك جامعات لم نكن نسمع بها ولها سمعة لا ترقى لبعض الجامعات، لكن لابد من النظر في القرار وإعادة هيكلته".
وفي سياق متصل، أكدت الدكتورة رشا عبد الرحيم، مدرّسة في جامعة شام، أنّ توقيت الإصدار غير مدروس نهائيًا كونه جاء أثناء تقديم الطلاب الامتحانات النصفية. وتابعت: "مهما كان للقرار ضرورة إلا أنه يجب أن تحسب أبعاده وانعكاساته النفسية على الطلاب وكان لابد في نفس القرار أن تتوضح فكرة استئناف الاعتراف بباقي الجامعات تباعًا".
وأوضحت أن: "طلاب الجامعات، خاصةً جامعة الشام المقامة بين المخيمات، هم الفئة الأكثر تضررًا من ويلات الحروب. أغلبهم صبروا وعملوا مع دراستهم وأيضًا شاركوا في المعارك ضد نظام الأسد واستشهد من طلابها الكثير وهناك طلاب لم نجد أسماؤهم في الامتحانات".
وأكملت: "أما الإناث، فمعظمهن ظروفهن المعيشية صعبة، تعشن في المخيمات ومسؤولات عن عائلات وأطفال وتعملن في الوقت ذاته، لكن متابعة تعليمهم ذكورًا وإناثًا تؤكد تفوقهم وإصرارهم على المضي قدمًا. ثم يأتي قرار متسرّع لسبب ما، وينفي الاعتراف بصبرهم ومثابرتهم ونضالهم في الحياة ليكونوا أفضل".
رشا عبد الرحيم، مدرّسة في جامعة شام لـ"الترا صوت": طلاب الجامعات، خاصةً جامعة الشام المقامة بين المخيمات، هم الفئة الأكثر تضررًا من ويلات الحروب. أغلبهم صبروا وعملوا مع دراستهم وأيضًا شاركوا في المعارك ضد نظام الأسد واستشهد عدد منهم
وأردفت، خلال حديثها لـ"الترا صوت": "مع سعادتنا بالاعتراف بجامعة حلب الحرة كخطوة ناجحة لمصلحة طلابنا، نتمنى الاعتراف بباقي جامعات الثورة أو العمل على توحيد كل الجامعات تحت مسمى جامعة الثورة بحيث ينضم إليها كل طلاب المحرر بمختلف تسميات الجامعات والاختصاصات، على أن يكون الهدف مصلحة الطلاب والاعتراف بهم كافة بغض النظر عن هذه الجامعة أو تلك".
وقالت إنه بعد قيام وفد من الجامعة الدولية للعلوم والنهضة بزيارة مقر وزير التعليم العالي في دمشق، أكد عميد كلية العلوم النفسية، محمد العمر، أنه لا يوجد عدم اعتراف ولكن هناك عدة جامعات خاصة في شمال سوريا والوزارة تنتظر الثبوتيات والأوراق التي يجب على الجامعات التقدم بها، ما عدا جامعة الشام وجامعة النهضة لأنهم قدموا أوراقهم وثبوتياتهم المتعلقة بالاعتماد في إدلب قبل الانتقال لدمشق.
وأضافت: "هم ينتظرون استكمال بقية الجامعات حتى يتم الاعتراف بالجامعات التي استكملت المعايير، إضافةً لجامعة الشام والنهضة فأمرهم منته إيجابيًا لكن هم ينتظرون الملفات من الجامعات الأخرى كباشاك شهير والأمانوس والسورية وغيرها، حتى يقوموا بإصدار قرار يخص جامعات الشمال السوري الخاصة المُعترف بها".
أثار قرار مجلس التعليم العالي استياءً واسعًا بين الطلاب في الشمال السوري الذين اعتبروا أن القرار مُجحف بحقهم
وقد أصدر مجلس التعليم العالي قرارًا فوريًا بعد قرار عدم الاعتراف بعدد من الجامعات في الشمال السوري على وجه الخصوص بأن طلبوا إرسال أوراقهم وثبوتيتاهم من أجل اعتمادها والعمل على الحصول على الاعتراف.
وفيما يخص الحديث عن قرارات وزير التعليم العالي الجديد، قال الدكتور عبد المنعم عبد الحافظ لـ"الترا صوت" في تصريح خاص: "لقد أصدرنا قرارًا فوريًا بعد القرار الذي يوضح ما هي الجامعات المعترف بها وغير المعترف بها، وطلبنا من كل جامعات الشمال السوري في القرار التوجه إلى دمشق وإحضار الأوراق والثبوتيات من أجل الاعتماد والعمل على ذلك، والتوزع الجغرافي لا علاقة له بالاعتراف من عدمه ويتم النظر في الجامعات التي كانت سابقاً لدى نظام الأسد البائد أيضًا".
وزير التعليم العالي الدكتور عبد المنعم عبد الحافظ لـ"الترا صوت": طلبنا من كل جامعات الشمال التوجه إلى دمشق وإحضار الثبوتيات من أجل الاعتماد، والتوزع الجغرافي لا علاقة له بالاعتراف من عدمه ويتم النظر في الجامعات التي كانت سابقاً لدى نظام الأسد البائد أيضًا
وأكمل: "أوضحنا للوفد الذي جاء من بعض جامعات الشمال السوري الخاصة، أنه سيصدر قريبًا بيان حول الجامعات الخاصة المعترف بها، وكان تم التعميم سابقًا بأننا ننتظر استكمال ملفات الجامعات الخاصة لكي يتم دراستها والاعتراف بها".