في تحول يُنذر بإعادة تشكيل الخريطة السياسية والأمنية في تركيا والمنطقة، أعلن حزب العمال الكردستاني أنه اتخذ "قرارات تاريخية" خلال مؤتمره الأخير المنعقد في جبال قنديل شمال العراق، على خلفية دعوة زعيمه المعتقل عبد الله أوجلان إلى حلّ التنظيم والتخلي عن العمل المسلح.
ورغم أن البيان الرسمي للحزب لم يشر صراحة إلى قرار نهائي بشأن التفكيك أو نزع السلاح، فإن لغة الخطاب وتصريحات المصادر المقربة تشير إلى أن الحزب يتجه نحو مراجعة جذرية لمساره، بعد أربعة عقود من التمرد المسلح ضد الدولة التركية، راح ضحيته عشرات الآلاف، وأعاق التنمية في جنوب شرق البلاد.
أعلن حزب العمال الكردستاني أنه اتخذ "قرارات تاريخية" خلال مؤتمره الأخير المنعقد في جبال قنديل شمال العراق
أوجلان: السلاح لم يعد ضرورة تاريخية
كان عبد الله أوجلان، المعتقل في جزيرة إيمرالي منذ 1999، قد أصدر بيانًا استثنائيًا في 27 شباط/فبراير الماضي، دعا فيه إلى حلّ حزب العمال الكردستاني ومراجعة استراتيجية الكفاح المسلح، مؤكدًا أن "الزمن قد تغير"، وأن "مقتضيات النضال المسلح التي نشأت في القرن العشرين تحت وطأة الحرب الباردة قد انتهت".
وبحسب البيان، فإن التحولات الديمقراطية في تركيا، وتطورات الإقليم، تقتضي "انتقالًا من البندقية إلى الحوار"، ودعا أوجلان جميع المجموعات المرتبطة بالحزب في سوريا والعراق وإيران إلى الانخراط في هذا التوجه.
🔴 حزب العمال الكردستاني يستجيب لدعوة أوجلان:
📌 اللجنة التنفيذية لحزب العمال الكردستاني أشادت بدعوة أوجلان، ووصفتها بأنها "تنير طريق جميع قوى الحرية والديمقراطية".
📌 البيان اللجنة التنفيذية شدد على أن نجاح العملية السياسية يتطلب أن تكون السياسات الديمقراطية والأسس القانونية… pic.twitter.com/T5cKbUL9Hw
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) March 1, 2025
قرارات المؤتمر: الصياغة ضبابية، لكن الرسائل واضحة
المؤتمر الذي انعقد بين 5 و7 مايو/أيار الجاري، لم يعلن صراحة قرارًا بحل التنظيم، لكنه وصف قراراته بـ"التاريخية"، مشيرًا إلى أنه سيصدر قريبًا وثائق تفصيلية. هذا الحذر في الصياغة يعكس صراعًا داخليًا بين أجنحة الحزب، واختبارًا لردود الفعل الداخلية والإقليمية.
لكن مصادر مطلعة أكدت لموقع "ميدل إيست آي" أن الإعلان الرسمي عن إنهاء الكفاح المسلح قد يصدر في أي لحظة، وأن ترتيبات تقنية ولوجستية جارية بالتنسيق مع أطراف دولية وإقليمية، بينها العراق.
من السلاح إلى السياسة: هل تنجح الانتقالية الكردية؟
حزب الشعوب الديمقراطي (DEM)، وهو ثالث أكبر كتلة في البرلمان التركي ويُعد الواجهة السياسية للأكراد، عبّر عن "ترقبه الجاد" للقرار، ودعا إلى خطوات متبادلة لترسيخ السلام، معتبرًا أن الحوار هو الطريق الوحيد نحو حل مستدام.
التحول من السلاح إلى السياسة، بحسب مراقبين، لن يكون مجرد إجراء تنظيمي، بل يتطلب بيئة قانونية حاضنة، وإصلاحات داخل تركيا تضمن الحقوق الثقافية والسياسية للكرد، بما يمنع عودة العنف.
تداعيات إقليمية... من سوريا إلى إيران
قرار أوجلان، إذا ما تُرجم إلى خطوات عملية، من المرجّح أن تكون له ارتدادات عميقة في سوريا، حيث تسيطر قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، المرتبطة بحزب العمال الكردستاني، على مناطق واسعة في الشمال الشرقي من البلاد.
وقد تم بالفعل التوصّل، في آذار/مارس الماضي، إلى اتفاق تاريخي بين قيادة (قسد) ممثّلة بقائدها مظلوم عبدي، والقيادة السورية الجديدة برئاسة الرئيس أحمد الشرع، ينصّ على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية ضمن الدولة السورية، بما في ذلك المرافق الحيوية مثل الحقول النفطية والمطارات والمعابر الحدودية، مقابل الاعتراف بالحقوق الثقافية الكردية.
وفي إيران، حيث تنشط جماعات كردية مسلحة ضمن شبكة "منظومة المجتمع الكردستاني" (KCK)، يُتوقع أن تُستدرج هذه الفصائل إلى ذات المسار، ما قد يُخفف التوترات المزمنة في غرب إيران.
#عاجل | بيان لزعيم حزب العمال الكردستاني: على كل الجماعات أن تلقي أسلحتها وعلى حزب العمال الكردستاني أن يحل نفسه. pic.twitter.com/a4DZKJlQep
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) February 27, 2025
تركيا على مفترق طرق
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رحّب ضمنيًا بأي خطوة تؤدي إلى حل التنظيم ونزع سلاحه. وقال المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية عمر جليك إن "كل خطوة تُنهي الإرهاب وتؤسس لحالة سياسية جديدة ستُقابل بخطوات إيجابية".
هذه التصريحات تعكس استعدادًا مشروطًا من أنقرة لدعم الانتقال، لكن بشرط التفكيك الكامل للحزب ووقف العمليات المسلحة نهائيًا.
ومع ذلك، تبقى أسئلة مهمة معلّقة: كيف سيتم تسليم السلاح؟ هل ستشرف بغداد على ذلك؟ أين سيذهب القادة البارزون؟ وهل تنخرط الفصائل المنضوية تحت مظلة (KCK)في مسارات تفاوضية منفصلة؟
تفكيك بنية حزب العمال الكردستاني: ملف حساس دوليًا
منذ 2016، كثّفت تركيا عملياتها العسكرية ضد قواعد حزب العمال في جبال قنديل شمال العراق، مدعومة بتفوق في الطائرات المسيّرة وتقنيات الحرب الإلكترونية، ما أسهم في عزل الحزب جغرافيًا وتكتيكيًا.
ويرى بعض المراقبين أن هذه الضغوط هي التي دفعت الجناح السياسي للتنظيم، بقيادة أوجلان، إلى مراجعة المسار بالكامل.
وبينما تتابع واشنطن وبروكسل مجريات الملف الكردي التركي بحذر، فإن القرار المرتقب بحل الحزب سيعيد فتح النقاش حول دور الجماعات الكردية المسلحة في الإقليم، وعلاقتها المستقبلية بالقوى الغربية.
هل طُويت صفحة الصراع؟
لا يمكن الجزم بعد بأن الحرب الطويلة بين حزب العمال الكردستاني وتركيا قد انتهت. لكن للمرة الأولى منذ عقود، يبدو أن جميع الأطراف تستشعر أن لحظة التحول التاريخي قد حانت. الشرط الأساسي الآن هو الترجمة السياسية الصادقة، والتخلي عن أدوات الماضي لصالح مسار سياسي شامل يُعيد دمج الأكراد في نسيج الدولة والمجتمع، دون قسر ولا احتواء.