27-أكتوبر-2016

السيسي في ختام مؤتمر التنمية الاقتصادية آذار/مارس، 2015 (تصوير خالد دسوقي/ أ ف ب)

في لقاءات بين أنصاره وحكومته ونظامه تحدث السيسي في شرم الشيخ في مؤتمر التمهيد للإجراءات الاقتصادية القادمة (رفع الدعم-تعويم الجنيه) والتي تؤثر بالسلب على الطبقات الفقيرة والمتوسطة بشكل رئيسي.

كلام السيسي يمكن أن نضعه في عدة محاور، حرص الرجل أن يتحدث فيها خلال مداخلاته وكلماته التي ألقاها في عدة جلسات في اليوم الأول لمؤتمر مناصريه، تصريحًا مرة، وكلامًا مبطنًا في أخرى، ولم يخل من الرسائل أيضًا.

لا يشك أقل المتابعين للأحوال المصرية من الانفصال التام بين كلام السيسي والواقع، المتضادان ربما تمامًا، والسيسي لا يكتفي بهذا بل يسقطه على غيره ويتهم البعض بتزييف الواقع، ويمكننا استنتاج بعض خطواته من تحليل كلماته واستنادًا لحالات سابقة طبق فيها السيسي ما كان يحذر منه، وكثيرًا ما فعل.

كلام السيسي والواقع، المتضادان ربما تمامًا، والسيسي لا يكتفي بهذا بل يسقطه على غيره ويتهم البعض بتزييف الواقع

يستمر الرجل في السير قدمًا في تشييد نظامه (مقال سابق تحت عنوان على خلفية خطابه. طريقة الجنرال في الهيمنة على الحكم) مرجحًا تأسيس كيان سياسي له، وعلى عكس ما يظهر فإن السيسي ليس في موقف صعب -رغم وجود بعض الأزمات له ولنظامه- ولكنه يريد أن يكسب الوقت ويمهد لإجراءاته الخطيرة بالحنية تارة، وبالمسكنة تارة أخرى.

اقرأ/ي أيضًا: العسكر والإرهاب.. ثنائية هدر الإنسان المصري

أولًا: السيسي يتخلى عن المسؤولية ويحملها للشعب وينسحب من وعوده السابقة
بعد برنامج رئاسي سري اعتبره أمنًا قوميًا وقتها، وبعد وعود ضخمة مصحوبة بالحنية والتودد والتقرب للشعب ومقولاته "أنتو نور عنينا" و"مصر هتبقى اد الدنيا" و"اصبروا عليا سنتين بس"، فاجأ السيسي المصريين بتحميلهم المسؤولية عما يحدث في البلاد من انهيار ومطالبته إياهم بالنهوض بالبلاد.

فيقول نصًا "الدور على الشعب في الخروج من الأزمة، مصر مسؤوليتنا جميعًا، مش أنا لوحدي"، ثم يطالب المصريين بأن يكونوا مسؤولين عن مصر ويردد "والله العظيم يا مصريين لأحاجيكم يوم القيامة أمام الله" ويتجاهل أنه يدير البلد هو ونظامه. ويتجه لإجراءات مؤلمة على الطبقات الفقيرة من إلغاء الدعم وتقليص ميزانية الصحة والتعليم وتعويم الجنيه، وسعيه لتعليم وتدريب طبقة تقود باقي الشعب على طريقة حزب السلطة.

يحكي السيسي قصصه التي لا تنتهي وهذه المرة عن "تلاجتي فيها مية بس لمدة 10 سنين"، وكأنه يقول للمصريين جوعوا واعطشوا وأنتم ساكتون، وتقبلوا الإجراءات الاقتصادية القادمة لأنه يريد منهم "أمة ذات شأن، تصبر وتتحمل ومتتكلمش خالص" لو بنص كلامه.

وهل يُعتبر الرجل طبيعيًا عندما يطالب الجوعى بمزيد من الصبر على الجوع والعطش؟ أي يطالبهم بالموت في صمت، وكل مبرراته في هذا قوله "طب مش حعمل كده ليه؟ وتتعلموا يا مصريين بكام ومنين وازاي" تبرير يبرر تبرير، وهكذا حلقة مفرغة.

ثانيًا: رسائل لشركاء انقلابه
لم يخلُ كلام السيسي من رسائل مبطنة لشركاء انقلابه بعد أن تباعد الطرفان منذ فترة، يستدعي السيسي هذه المرة كل من يستطيع أن يمرر له تلك الأزمات حتى معارضيه، لمساعدته في المرور من أزماته مذكرًا إياهم بدوره فى تخليصهم من خصومهم الإسلاميين عندما يقول "لما طلبتوني لقيتوني ولم أبخل عليكم بحياتي، وأنا مش طالب منكم حياتكم أو تضحوا بيها".

مطالبتهم برد الجميل له بالحنية تارة، وبالتهديد أحيانًا بكشف المستور بشأن استدعائهم له، وبنفس المعنى يقول "دايمًا لما قلتولي اقف جنبنا وقفت، وجيه الدور عليكم تقفوا جنبي" ومكررًا "أنا عملت دوري معاكم وقلتلكم المشكلة كبيرة ومش هقدر عليها لوحدي بس دوركم حتعملوه ولا".

اقرأ/ي أيضًا: "غير مسبوق" هو سيد الموقف في مصر

ثالثًا: مسنود من الجيش:
لأنه لا يثق في غيره، ولا يجد غير جوقته العسكرية شركاء حكمه ليعول عليهم ليساندوه عندما يقول "الجيش ابن مصر - الجيش مسؤول عن الأمن القومي" ويصدر للجميع وقوف الجيش بجواره في الفترة القادمة مساندًا له في أزمته الاقتصادية بقوله: "القوات المسلحة حتوفر 8 ملايين عبوة لسلع غذائية بنصف التمن للمواطنين". وهو في الحقيقة استمرار لتجارة الجيش وتربحه من أقوات المصريين.

هل يُعتبر الرجل طبيعيًا عندما يطالب الجوعى بمزيد من الصبر على الجوع والعطش؟ أي يطالبهم بالموت في صمت

ولا يزال يمارس كذبه عندما يدافع عن اقتصاد العسكر بادعائه دفع الجيش لضرائب ومراقبة مشاريعه وهو الأمر المنافي للحقيقة، ويقول "إن تسليح الجيش من ميزانية الجيش وليس من ميزانية الدولة" لكنه لا يقول من أين يأتي الجيش بميزانيته أصلًا.

رابعًا: هكمل فترتين

من الواقع نلحظ عدم تقبل العسكر لأن يتركوا الحكم -ولو بعد حين- خصوصًا بعد كل ما قاموا به من انقلاب ومذابح واعتقال ومصادرة للمجال العام، فهم استردوا الرئاسة -في نظرهم- بعد أن اقتلعتها الثورة من بين أيديهم، فيقول السيسي: "كان من الممكن أخلص الفترة الباقيه وأسيبكم وشكرًا، ومعملتش كده (يقصد مشاريعه الوهمية)، وأسلمكم للمجهول".

لا يزال الرجل في غيه وأوهامه بأن مصر عجزت أن تنجب إلا طبيب فلاسفة واحد وكأن التاريخ استدعاه ليكمل حلقته الناقصة. بل يصرح علنًا أنه سيكمل دورتين رئاسيتين فيقول "1350 مشروع في سنة 2018، يبقى احنا هنسيبه، نسيبه بقى (مستنكرًا)"، فيطالبهم بالصبر عليه بعد دورته الأولى ليكمل الثانية.

اقرأ/ي أيضًا:
أخطر 5 مشاريع ستدعم بها إسرائيل الاقتصاد المصري
مصر..حملات أمنية على "بيت أشباح" يناير قبل 11\11
"جنينة" أمام القضاء.. احتمالات العودة للمنصب؟