19-أكتوبر-2018

تراجعت القدرة الشرائية للمصريين بنسب عائلة منذ قرار التعويم (MEO)

حسين أب لثلاثة أطفال، يخرج كل يوم في الساعة السابعة صباحًا مع أبنائه على دراجته البخارية ليوصلهم إلى المدرسة ثم يعود إلى عمله كحارس عقار، حتى الساعة الـ12 ظهرًا، قبل أن ينطلق لعمله الثاني في توصيل الطلبات إلى المنازل لصالح أحد المطاعم، لينتهي عمله في التاسعة مساءً.

شهدت مصر ارتفاعًا كبيرًا في معدلات التضخم بعد تعويم الجنيه، تسبب في انخفاض حاد للقدرة الشرائية للمصريين

يقول حسين لـ"ألترا صوت": "أنا أب لثلاثة أطفال، وأريد أن أربيهم جيدًا. لو انتظرت فقط راتبي من عملي حارسًا للعقار، فإنه لن يكفي أسرتي الخبز الحاف".

اقرأ/ي أيضًا: تعويم الجنيه في مصر.. خلفيات ونتائج القرار

يحصل حسين من عمله حارس عقار على 350 جنيهًا شهريًا أي أقل من 20 دولارًا شهريًا. لديه طفلان في مرحلتين تعليميتين مختلفتين، وطفل ثالث رضيع في عمر الشهور. اضطر حسين للنزول لعمل ثانٍ. يقول: "كنت أعمل في أحد المطاعم في شواء اللحم، وكنت أحصل على يومية ممتازة، 120 جنيهًا (أقل من سبع دولارات) كانت أحوالي المادية جيدة. لكن رئتاي تضررتا تمامًا، فاضطررت للعمل في التوصيل إلى المنازل، وهبطت يوميتي إلى 60 جنيهًا (حوالي ثلاث دولارات) و بالكاد نعيش"، مضيفًا: "في ظل الارتفاع المتسارع في الأسعار، فإنه لا يمكن التنبؤ بالغد".

التضخم في مصر

التضخم الاقتصادي في أبسط تعريفاته هو ارتفاع أسعار السلع والخدمات المقدمة للمواطنين، بسبب ارتفاع التكاليف، ويقابله ثبات الرواتب وانخفاض القدرة الشرائية للناس. ولعل أحد أهم أسباب التضخم في مصر، هو انخفاض قيمة العملة النقدية بسبب ارتفاع الدولار مقابل الجنيه المصري، نتيجة لتحرير سعر صرف الجنيه، أو ما يسمى بـ"التعويم" الذي قامت به الحكومة المصرية في أواخرعام 2016، وأثر كثيرًا على القدرة الشرائية للمصريين، وأعقبه ارتفاع في معدلات التضخم وصلت إلى 31% في آب/أغسطس 2017، وهو المعدل الأعلى في مصر منذ 31 عامًا، أي منذ العام 1986، حين بلغ 35.1%.

وارتبط معدل التضخم في مصر بعدة عوامل، من بينها تحرير سعر صرف العملة، وإلغاء الدعم عن عدة سلع أساسية من بينها المواد البترولية التي ارتفعت أسعارها ثلاث مرات في أقل من عامين، كان آخرها زيادة أقرتها الحكومة في ثاني أيام عطلة عيد الفطر، فيما اعتبره البعض محاولة لتجنب أي اعتراض شعبي ممكن على القرار. 

ورغم أنه مع نهاية العام الماضي وبداية العام الجاري، بدأت معدلات التضخم في الهبوط وصولًا لأدنى مستوياتها، إلا أن المؤشرات تكشف عن تصاعد جديد في معدلات التضخم.

معدلات التضخم في مصر في 2017/2018
معدلات التضخم في مصر في 2017/2018

وصرح اقتصاديون لرويترز، أن القوة الشرائية للمصريين ستستغرق من ثلاث إلى أربع سنوات للتعافي من صدمة التعويم. ويذكر أن الحد الأدنى للأجور في مصر لا يزال ثابتًا عند 1200 جنيه مصري أي حوالي 67.5 دولار أمريكي في الشهر.

"ما تعطيه باليمين.. تأخذه باليسار"!

عرفت مصر في السنوات القليلة الأخيرة زيادات متتابعة في أسعار كافة السلع، تقابلها رواتب ثابتة لا تتحرك، ودون اتخاذ أي إجراءات من شأنها حماية جيوب المواطنين المنكمشة. وفي المقابل تروج الحكومة المصرية لهذه السياسات الاقتصادية تحت عنوان "الإصلاح الاقتصادي".

ويشمل برنامج الإصلاح الاقتصادي هذا، خطة لرفع الدعم نهائيًا عن الطاقة والمياه والكهرباء، والسلع الغذائية التي كانت مُدعّمة، وفي المقابل زيادة إيرادات الدولة بالضرائب.

وفي هذا السياق، رفعت الحكومة المصرية في الشهور الماضية، أسعار تذكرة المترو، الأمر الذي قوبل بموجة اعتراض سرعان ما خفتت، وقد وصل سعر تذكرة المترو من جنيه إلى ثلاثة ثم سبعة جنيهات.

ورغم مساعي الحكومة لزيادة المخصصات المالية لدعم السلع التموينية في العام المالي 2018/2019، لتصل إلى 86 مليار جنيه، بزيادة تقارب 5%، إلا أنها تعتبر زيادة طفيفة في ظل تبعات الإجراءات الاقتصادية التقشفية، ليعلق المصريون على هذه الزيادة بالمثل الرائج: "ما تعطيه باليمين، تأخذه باليسار".

كيف مست الزيادة أدق تفاصيل حياة المصريين؟

من التفاصيل الصغيرة لأسعار بعض السلع الغذائية قبل التعويم والآن، يمكن إدراك مدى التراجع الحاصل في القدرة الشرائية للمصريين. وسنستعرض مثلًا القدرة الشرائية لـ100 جنيه مصري، والتي تعادل الآن حوالي خمسة دولارات ونصف.

في 2016 قبل التعويم مباشرة، كانت 100 جنيه تشتري 33 كيلو سكرًا، أما الآن فهي تشتري 5 كغم فقط من السكر، وفي 2016 كان لتر زيت الطهي بحوالي 10 جنيهات، أي أن 100 جنيه تشتري عشر زجاجات من الزيت، أما اليوم بعد أن أصبح اللتر الواحد بـ20 جنيهًا في المتوسط، فإن 100 جنيه تشتري خمس زجاجات فقط.

والأكثر تأثرًا كان الأرز، خاصة بعد القرار الحكومي بتقليص مساحة زراعته من مليون فدان إلى 700 ألف فدان في مصر، ترشيدًا لاستهلاك المياه، فقد عانى زيادات متتالية، فبعد أن كان قبل التعويم بجنيهين للكيلو أو ثلاث جنيهات على الأكثر، قفزت أسعار كيلو الأرز لتصل إلى 11 جنيهًا، أي أن 100 جنيه بعد أن كانت تشتري تقريبًا 33 كيلو، باتت تشتري 9 كغم فقط!

القدرة الشرائية لـ100 جنيه ما بين عامي 2016 و2018
القدرة الشرائية لـ100 جنيه ما بين عامي 2016 و2018

طبق الكشري المصري الذي يُعد من الأطباق الشعبية التي تشتهر بها مصر لرخصها وانتشارها، أصبح ذكرى لجُل المصريين، فبعد أن كان الطبق بثلاثة جنيهات، وصل سعر الطبق الواحد إلى 13 جنيهًا للطبق المُشبع. وذلك بسبب الارتفاعات الكبيرة في أسعار مكونات الطبق نفسه.

الزيادات المتتابعة للأسعار مع ثبات الدخول، لا تضعف فقط قدرة المصريين الشرائية، بل تشوه شكل حياة الحد الأدنى اليومية للمصريين

وبنظرة سريعة لأسعار مكوناته، نرى أن سعر كيلو العدس بالجملة وصل إلى 15 جنيهًا مقابل ست جنيهات قبل عامين، فضلًا عن أسعار الأرز التي ارتفعت ثماني جنيهات للنوع الأقل جودة، والمكرونة وصلت إلى ست جنيهات مقابل 3.5 جنيه.

هذه الزيادات تمس بشكل مباشر لقمة عيش المصريين، السواد الأعظم منهم الذي يقتات على هذه السلع الغذائية بشكل أساسي، ومن بينها بطبيعة الحال الخبز، وقد أعلن عن زيادات جديدة في أسعار الدقيق، ليتضاعف سعر طن الدقيق مع بداية الشهر الجاري إلى 6600 جنيه مقابل 4800 جنيه بنهاية شهر أيلول/سبتمبر الماضي.

وهذه الزيادات المتتابعة في الأسعار مع ثبات الدخول، لا تضعف فقط من قدرة المصريين الشرائية، بل إنها تُشوه شكل حياة الحد الأدنى اليومية للمصريين، وبشكل عميق.

 

اقرأ/ي أيضًا:

صور وفيديوهات.. الغلابة في مصر على صفيح ساخن

قدرة المصريين الشرائية.. أرقام البؤس بعيدًا عن دعاية النظام