21-أكتوبر-2016

بدأ فيسبوك حربه على أصحاب الحسابات المزيفة ليطورها باتجاه تلك الحقيقية (Getty)

يدون دارن بارني في الصفحات الأولى من كتابه "المجتمع الشبكي"، مُقتَبَسًا عن عالم الاجتماع الكاتالوني، مانويل كاستلز، يقول فيه: "ثمة نزعة تاريخية تنتظم بمقتضاها الوظائف والعمليات الأساسية حول الشبكات على نحو متزايد. وتكون هذه الشبكات الوجه الاجتماعي لمجتمعاتنا، ويعمل على انتشار منطق التشبيك على تعديل العمل وثماره تعديلًا جوهريًا في نواحي الإنتاج والتجربة والقوة والثقافة".

وإذا أردنا العودة بالزمن قليلًا إلى الوراء، نقرأ أن موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، لم يكن بعد دخل تفاصيل حياتنا الاجتماعية، المقصود هنا منطقتنا العربية. ولو لم تأتِ انتفاضات الشباب على الأنظمة الحاكمة، لما نال هذه الشهرة. كونه تحول للموقع الأول في التواصل بين النشطاء، وما رافقه من حملة إعلامية كبيرة، كانت الدكتاتوريات العربية مسببًا أساسيًا لها، من خلال تحذيراتها المتكررة عن الموقع الأزرق، حتى أن محققي النظام السوري أول سؤال يوجهونه للمعتقل كان عن عنوان حسابه الشخصي على "فيسبوك".

 اقترب فيسبوك أكثر من تحوله لمنصة اقتصادية، ما جعله يقتل أولاده، بعد خروجهم عن قواعده التي لم تكن مفروضة سابقًا

مفتتح المقال يختصر سيلًا من التعريفات التي تحاكي تطور شركة "فيسبوك"، ووصولها للمراتب الأولى بين شبكات التواصل الاجتماعي، ومواكبتها ثورة المجتمع الشبكي بكامل تنوعاتها، وزيادة أرصدتها بشرائها شركات منافسة.

وفي إطار الموجة العالمية الحالية التي تتمثل بمكافحة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، فطنت الشركة أنه يجب مشاركتها، إلى جانب دول التحالف الدولي المكون من أكثر من 65 دولة، في هذه الحرب العالمية غير الثالثة.

اقرأ/ي أيضًا: عن وهم الرأي العام ومن يصنعُه؟!

وبدأت "فيسبوك" تخوض حربًا كبيرة على أصحاب الحسابات المزيفة، والتي فعليًا تنصّب في صالح تطويرها لخدماتها، وبعدها اقتصت من أصحاب الحسابات الحقيقية. وأضحت الكائنات الافتراضية تختفي من هذا العالم الكبير، ولم تعد موجودة بضغطة واحدة على خيار الحظر.

عندما يغلق "فيسبوك" حسابًا يبعث لصاحبه برسالة تخبره أنه يساهم في "نشر العنف، وأفكار الإرهاب، ويحاول إيذاء الآخرين"، ومجموعة من التهم المتنوعة التي تجعل المرء يظن أنه هارب للتو من "تورا بورا"، وهو ما يدرج في التصنيفات المحرمة.

على سبيل المثال، نجد أن نشر الأخبار التي تتحدث عن عدد قتلى القصف الجوي بالأسلحة المحرمة دوليًا في عموم سوريا، أو كتابة منشور عن مقتل وزير الحرب في تنظيم "الدولة الإسلامية"، أي أبي عمر الشيشاني، وهو لا يتعدى مراحل نقل المعلومة، أو حتى نشر أي من الأخبار المتعلقة بالمجازر اليومية، وغيرها الكثير من العواصف التي تضرب هذا الشرق اللعين، كل ذلك مُصنف تحت بند مكافحة الإرهاب، ومطالبة المستخدم بعدم نشرها لأنها تسيء للآخرين.

ولا يمكن الظن أن "فيسبوك" ليس على دراية تامة، بأن مناصري تنظيمي الدولة والقاعدة، وحتى الجهاديين، وقادة التنظيمات الإسلامية لا يعتمدونه أساسًا في التواصل، لأن نشاطهم محصور أكثر عبر تطبيق "تيلغرام"، وموقع "تويتر"، وهو ما يلاحظه أي من متابعيهم.

اقرأ/ي أيضًا: فضيحة "بي بي سي"

ما ورد سابقًا، يجعلنا أكثر يقينًا في أن الـ"فيسبوك"، اقترب أكثر من تحوله لمنصة اقتصادية، ما جعله يقتل أولاده، بعد خروجهم عن قواعده التي لم تكن مفروضة سابقًا، وإن كانت فإنها لم تكن بهذه الصرامة. في عرض الـRAW الأخير، لاتحاد المصارعة الحرة wwe، بث المصارع "سيزارو" عبر خدمة "فيسبوك مباشر" مباراة كاملة، ومن المعروف أن الشركة الأخيرة تتصدر قائمة المتابعين على الموقع الأزرق، لذا وجد فيها الطريق الأسهل ترويجًا للخدمة التي على ما يبدو لم تلقَ بعد الإقبال المطلوب.

أصبح يزيد فيسبوك من التضييق على مستخدميه ويشرعن مراقبة الرسائل النصية 

يحاول "فيسبوك" أن يكون الأب الروحي لمكافحة الإرهاب، لذلك نراه يشرعن مراقبة الرسائل النصية، ويزيد التضييق أكثر على مستخدميه، ربما أصبحت لديه الرغبة بأن يكون خاصًا برجال الأعمال، كون الثورة الاقتصادية تحتاج لـ"مجتمع شبكي" متعدد الأماكن، وأكثر أمانًا. وهو ما يمكن أن نراه في مراحل قادمة صارمًا في شروطه لإنشاء الحسابات، ويحتاج مستخدمه لعناوين بنكية محددة.

وبما أن الشرق الأوسط تحول لأكبر منصةٍ مصدرة لـ"الإرهاب"، يكفي قراءة أولى الأخبار الواردة عند حصول أي حادثة طعن في أوروبا الحديثة، تأكيد الشرطة إن كان الهجوم يحمل دوافع إرهابية من عدمها، وهو ما يحسم هوية المنفذ، إن كان شرق أوسطي أو مضطرب نفسيًا، من دون بروز أي احتمال ثالث، من هنا تصبح المعادلة أكثر مرونة، دائمًا عليك إبراز مشاركتك في القضاء على الأشرار، و"فيسبوك" يظن أنه يتقن ذلك، متناسيًا أنه تحول دفتر عناوين للأصدقاء والعمل، وصار "مرسال غرام" وفق القوانين الشرعية، لأن غيرها من الممكن أن يودي بصاحبها إلى مقصلة الحظر.

اقرأ/ي أيضًا:
أحاديث فيسبوكية حول اقليم الديوانية
عبث السوشيال ميديا
12 قاعدة لاستخدام السوشيال ميديا في البحث عن وظيفة