09-أبريل-2025
مظاهرة حاشدة لمساندة محمود خليل (GETTY)

مظاهرة حاشدة لمساندة محمود خليل (GETTY)

أمهلت قاضية الهجرة بمدينة لا سال، أمس الثلاثاء، الحكومة الاتحادية مهلة لا تتجاوز 24 ساعة لتقديم ما يثبت قانونيًا وجوب ترحيل الطالب الفلسطيني في جامعة كولومبيا، محمود خليل، والمعتقل منذ نحو شهر على خلفية مشاركته في احتجاجات مؤيدة لفلسطين داخل الحرم الجامعي.

وقالت القاضية "جيمي كومانز"، خلال جلسة الاستماع التي عُقدت بمحكمة لاسال للهجرة في جينا بولاية لويزيانا: "إذا لم يكن هناك مسوع قانوني لترحيله، فسأنهي القضية يوم الجمعة".

يترقّب خليل جلسة حاسمة أمام المحكمة يوم الجمعة، ستحدد ما إذا كان سيُطلق سراحه نهائيًا أو ستُعاد إجراءات ترحيله

تقرير مصير خليل الجمعة

يترقّب خليل جلسة حاسمة أمام المحكمة يوم الجمعة، ستحدد ما إذا كان سيُطلق سراحه نهائيًا أو ستُعاد إجراءات ترحيله. ففي حال قررت المحكمة رفض دعوى الترحيل، يُطلق سراح خليل بموجب قانون الهجرة، ولا يحق للحكومة الأميركية الطعن في القرار. أما إذا حكمت بعدم قبول الدعوى شكلًا، فقد تتمكن السلطات من إعادة رفع القضية ضده لاحقًا.

إذا قررت المحكمة تأييد قرار الترحيل، يحق لخليل التقدم بطلب لوقف القرار بناءً على بند 'الخوف من الاضطهاد' في بلده الأصلي، أو استئناف الحكم أمام محاكم أعلى.

وخلال الجلسة، جلس خليل بهدوء داخل قاعة المحكمة، ملتفًا بمسبحة في يده اليمنى، وجلس إلى طاولة كان يمكنه منها رؤية محاميه، مارك فان دير هوت، الذي شارك في الجلسة عبر الشاشة من كاليفورنيا، وخلال الجلسة أكد المحامي أنه لم يتلق أي وثيقة من الحكومة تبرر اعتقال موكله أو تمهد قانونيًا لترحيله.

وطلب هوت مهلة إضافية لمراجعة مستندات الحكومة، إلا أن القاضية كومانز ردت قائلة: "لا شيء أهم من ضمان حقوق السيد خليل في الإجراءات القانونية العادلة. كما أنني لن أُبقيه رهن الاحتجاز بينما يراجع المحامون الوثائق".

من جهتها، أبلغت وزارة الأمن الداخلي القاضية أنها ستُقدّم أدلتها قبل الموعد النهائي الذي حددته المحكمة، وهو الساعة الخامسة من مساء الأربعاء.

وفي بيان لاحق، أعرب محامي خليل عن مخاوفه من إمكانية إصدار القاضية حكمها قبل منح فريق الدفاع فرصة للرد على حجج الحكومة، وهي ملاحظة سبق أن أثارها أمام المحكمة.

حضور لافت

وقد شهدت الجلسة تأخيرًا دام نحو نصف ساعة بسبب تدافع أكثر من 600 شخص لمتابعة مجريات الجلسة عبر تقنية الفيديو، ما يعكس الاهتمام الشعبي والإعلامي الكبير بالقضية. وسمحت القاضية بحضور المحامين فقط، إضافة إلى زوجة خليل بناءً على طلبه.

نقل قسري وترحيل تحت بند قانون الحرب الباردة؟

وكانت السلطات الأميركية قد ألقت القبض على خليل في مارس الماضي في مدينة نيويورك، ثم نقلته إلى سجن ريفي في ولاية لويزيانا يبعد حوالي 1930 كيلومترًا عن مكان اعتقاله، وهو ما أثار انتقادات واسعة من قبل محاميه ونشطاء حقوقيين.

وتتهم إدارة الرئيس دونالد ترامب، خليل بإخفاء معلومات خلال تقديمه طلب الإقامة الدائمة (اغرين كارد)، وهو ما نفاه خليل ومحاموه بشكل قاطع.

وفي تصريح لاحق، قال المحامي فان دير هاوت: "ما يُختبر في هذه القضية هو ما إذا كان للمقيمين الدائمين واللاجئين الحق في التعبير عن رأيهم حول ما يحدث في غزة دون الخوف من الترحيل. هل سيكون المواطنون الأميركيون الضحية التالية؟".

حرية التعبير في ميزان الترحيل

يعتبر خليل نفسه سجينًا سياسيًا، ويؤكد فريق الدفاع أن استهدافه تم بسبب مواقفه المناصرة للقضية الفلسطينية، في انتهاك مباشر للتعديل الأول في الدستور الأميركي الذي يكفل حرية التعبير.

وكان وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أعلن عن إلغاء تأشيرات مئات الطلاب الأجانب في الأسابيع الأخيرة، على خلفية احتجاجات الجامعات ضد الدعم العسكري الأميركي لإسرائيل، والتي اتُهم بعضها بـ"معاداة السامية"، رغم تأكيد منظّميها، بمن فيهم طلاب يهود، أن نقد إسرائيل لا يعني كراهية اليهود.

شهادة حب ونضال لأجل فلسطين

يُذكر أن خليل فلسطيني مولود في أحد مخيمات اللاجئين في سوريا، ومتزوج من مواطنة أميركية من أصول سورية، وهي طبيبة أسنان تُدعى نور عبد الله.

نور حامل بطفلهما الأول، الذي يُتوقع أن يُولد خلال أيام، لم تتمكن من زيارة زوجها بسبب حملها وارتفاع تكاليف السفر إلى لويزيانا.

وفي رسالة نشرتها صحيفة 'الغارديان' البريطانية حصريًا، كتبت نور عبد الله رسالة مؤثرة إلى زوجها بعد مرور شهر على احتجازه.
وجاء في الرسالة: "تمامًا قبل شهر، أُخذتَ مني. مع اقتراب موعد ولادة طفلنا، يطاردني القلق من احتمال ألا تكون موجودًا في هذه اللحظة الفاصلة".

نور، التي وثقت لحظة اعتقال زوجها بالفيديو، تحدثت في رسالتها عن الألم الذي تعيشه في غيابه، قائلة: "كل ركلة، كل تقلص، كل حركة أشعر بها داخل رحمي، تذكرني بالعائلة التي حلمنا بتكوينها معًا... لكنني أُجبر على خوض هذه الرحلة وحدي، فيما أنت معتقل في سجن قاسٍ وغير عادل".

في رسالتها، هاجمت نور عبد الله بشدة سياسات الإدارة الحالية، قائلة إنها تشن حملة منظمة لقمع الأصوات المؤيدة لفلسطين تحت ستار "محاربة معاداة السامية"، مضيفة أن هذا النهج يهدد حرية التعبير والهويات الطلابية في الجامعات الأميركية.

كما وجهت انتقادات حادة لإدارة جامعة كولومبيا، قائلة: "إنهم يجلسون في أبراجهم العاجية، ينسجون الأكاذيب، ويرمون بالاتهامات كما يرمي المرء الحجارة... ما لا يدركونه هو أن هذا الاعتقال الجائر دليل على أنك أصبتهم في مقتل، لأنك فضحت روايتهم الكاذبة".

وبكلمات تحمل عمقًا إنسانيًا ووطنًا في آن، قالت نور: "ما الذي يمكنني أن أتمناه أكثر من أن تكون قدوة لابننا؟ أن تقف بشجاعة من أجل حرية شعبك، مدركًا تمامًا ثمن قول الحقيقة؟ صوتك، إيمانك بالعدالة، ورفضك للصمت، هي بالضبط الأسباب التي تجعلني أحبك وأحترمك".

وفي ختام رسالتها، وعدت نور زوجها: "سنُعاد لمّ شملنا قريبًا... وحتى ذلك الحين، سأواصل القتال لأجلك، ولأجلنا، ولأجل عائلتنا. أنا واثقة بأن روحك لا تُقهر، وأنهم لن يتمكنوا من كسر إرادتك. وعندما تُحرر، سترفع يديك عالياً وتهتف: فلسطين حرة".