17-أكتوبر-2015

هيفي كهرمان/ العراق

كامرأةٍ سيّئة، لا ملامح لها
تبيع جسدها على رصيفٍ مزدحم ببرلين
حفرتُ حفرةً صغيرة
تحت شجرة زان خضراء في منتزه "فيرستن فالدي"
حفرةً صغيرة تتّسع لأدفن فيها ثلاثين عامًا
وبلدًا خرابًا
ثيابي القديمة
أحذيتي في خزائن منزلي المتعدّدة
قصائدي القديمة
والكثير من العشّاق البائسين..

قبل الثلاثين بقليل..
طمرت التراب جيّدًا بحنانٍ بالغ
كما فعلتُ مع تراب قبر أبي في أغسطس بلدٍ آخر
"الموتى لا يعودون"
همستُ بأذن شجرة الزان
ووضعت أحمر الشفاه على شفاهي الجافة
أرسلت رسالة حبٍّ قصيرة:
"هيّا تعال.. المزيد من القبلات، قبل أن تذوي الحديقة"
هو وأنا
نعرف جيدًا أنّ الحديقة التي تفتّحت هذا الصباح
لا تعرف شيئًا عن المدن التي ذاقت العرق المالح
لقدميّ الصغيرتين
ولا خبرة للحديقة عن الحرب التي طحنت مُدني الأولى
الحديقة التي تفتّحت هذا الصباح تبتسم
لتجاعيدَ لم تظهر بعد على وجهي
ولا تعرف أنّ "الحبّ سيرومٌ مضادٌ للشيخوخة"

قبل الثلاثين بقليل..
كامرأةٍ سيّئة تبيع ماضيها بمئة يورو لسكّير
أبيع تلك الأعوام مجّانًا
لحرس الحدود في الدول التي قطعتها هربًا من حربٍ لم أردها
لرجال الضرائب في ألمانيا الرأسمالية التي أقيم فيها
للنازيين الجدد وهم يهتفون: لا نريد لاجئين
للرجال الذين تعلّقوا بقفطاني الكوردي الملوّن
كأزهار توليب لحظةَ الوداع
فأرسلتُهم للجحيم مبتسمين
بعد أن دفنت زهورهم.. رسائلهم.. أسماءهم..
بحّة أصواتهم.. وجراحهم تحت شجرةٍ خضراء أخرى

قبل الثلاثين بقليل..
أضحك لقسوةٍ مرّت بها حياتي وأردّد:
امرأةٌ عاشقة أنا
امرأةٌ لا تشيخ
امرأة لا تخفي آثار الحبّ عن عنقها.. سُرّتها.. نهديها
ولا تندم يومًا على لدغة الأفعى بين ساقيها..
امرأةٌ سيّئة..
تشتم العالم بمنتصف كأس فودكا
تهاجم النظام الحاكم في بلدها
فيما الحاجز الأمني يبعد أمتار قليلة
عن مدخل منزلها
امرأةٌ سيّئة..
تبتسم للرجال الغرباء بلا سبب
فقط لأنّ أحدًا ما قال لها ذات مرّة:
ابتسامتك صنيعة الربّ فلا تبخلي بها
امرأةٌ تبتسم للاجئين الأفارقة
لباعة الماركيت
لكلب جارها الألماني
لنشرة الأخبار الدامية
للزهرة الغريبة تحت شجرة الزان الخضراء
وتردّد بلكنةٍ ألمانية ركيكةعلى كلّ غزل:
Dankeschon
امرأةٌ سيّئة جدًّا..
لكنّها حين تحتضن رجلاً تحبّه بين ذراعيها
يقيم الغيم منازله في أحضانها

قبل الثلاثين بقليل..
عرّيت جسدي أمام مرأى الشعر
وأشّرت له:
هنا ندوبي القديمة
هنا أثر الحصبة على ظهري
أثر الحجر الصغير على ركبتي
أثر قبلة حبٍّ طازجة على عنقي
وأثرُ الوحدة في قصيدتي

قبل الثلاثين بقليل..
أتعلّم المزيد من الجمل البذيئة
وأتعلّم ركوب الدرّاجة الهوائية
ولا أنسى تعلّم رسم غيمةٍ في مخيّلة القارئ
ولا أكترث إذا قيلَ بهمسٍ: ما أقساها من امرأة
لأنّني أبيعُ ثلاثين عامًا مضت بما فيها
فقط لأهتفَ بالشعر:
قبّلني.. قبّلني..
قبّلني قبل الثلاثين بقليل..
قبّلني..