07-مارس-2017

تجمع جماهيري في الناصرة (الترا صوت)

لا يشكل "التمتع" بالجنسية الإسرائيلية مصدر فخر  للسواد الأعظم ممن يعيش داخل الخط الأخضر من أبناء الشعب الفلسطيني، بقدر ما يعبر عن مخرجات واقع قسري وجد هؤلاء أنفسهم في مواجهته. وعلى علات هذا الواقع إلا أنه يشكل بوابة "قانونية" أمام المشروع الاحتلالي الاستعماري الإسرائيلي في فلسطين، بمعنى ما تتيحه حيازة هذه الجنسية من حقوق مدنية واجتماعية، والأهم حق البقاء في "البلاد". وهذا بناء على انعدام شرطية عيش المجتمعات ضمن تصالح مع واقعها، بل تعيش بحدود من الضبط والالتفاف على تناقضاتها التي يتشابك فيها السياسي بالاقتصادي والقانوني بالهوياتي.

وبينما يدرك "عرب 48" إشكالية هذا الواقع بعينه، وما يفرضه من إكراهات، تدركه أيضًا المؤسسة الإسرائيلية بدورها، وتدرك أن إمكانيات المناورة حوله إنما تمس مرتكزات أساسية للوجود الفلسطيني فيها، فمن ناحيته يريد الفلسطيني البقاء في أرضه ومكانه الأصلي، بما هو الساكن الأصلاني للمكان، ويأخذ هذا البقاء بعدًا أكثر حدة عندما لا تتوفر شروطه المرجوة من حقوق سياسية وسيادة وطنية على اتساع المفهوم، ليمسي البقاء بحد عينه واستمراره محورًا من محاور الصراع، بل قل في جوهر الصراع.

في حالة الصراع مع مشروع إسرائيل الاستعماري الإحلالي يمسي مجرد وجود الفلسطيني في أرضه علامة فارقة، إن لم يكن جوهر الصراع

اقرأ/ي أيضًا:  عزمي بشارة.. تعرية ديمقراطية إسرائيل المتناقضة

وبجوار الدعوات الهزلية وتصريحات الطبقة السياسية الإسرائيلية الأكثر هزلًا المتفاعلة مؤخرًا بشأن ضم الضفة الغربية المحتلة، بين رئيس الدولة رؤوفين ريفلين ومقترحه بضم الأرض والسكان تمامًا، ومشروع آفيغدور ليبرمان، المراعي للحساسية الأمريكية في ظاهره، والقاضي بضم الأرض واشتمال السكان دون حقوق سياسية، اختصرها بحرمانهم التصويت والمشاركة في الكنيست في حال الضم، تفاعل أمس تمثيل آخر لمجريات الحل/الحلول الإسرائيلية الإقصائية، والذي تصادف مع مرور عقد على واحدة من أسطع حالات الفرض القسري "لخيار" النفي والتجريد الكامل مما تتيحه حيازة الجنسية الإسرائيلية بحكم الوجود المكاني لحاملها في أرضه، والمقصود هنا حالة النفي التي فرضت على المناضل الفلسطيني عزمي بشارة قبل عشر سنوات من اليوم. 

استئناف حديث المنفى والتجريد من الحق بالوجود في فلسطين، المتاح لعرب الداخل عبر واقع الجنسية الإسرائيلية، جاء هذه المرة بلبوس برلمانية، إذ أقر الكنيست الإسرائيلي بقراءتين، الثانية والثالثة، ما اصطلح عليه "قانون عزمي بشارة" المستهدف في أساسه تجريد الفلسطيني من الجنسية التي تتيح له البقاء في أرضه، أينما أقيمت إسرائيل الدولة، بكل ما يشتمل البقاء عليه من إكراهات، وجاءت نتائج التصويت لصالح القانون بواقع 51 صوتًا مقابل 17 صوتًا مضادًا.

في عنوانه العريض يصرح القانون باستهدافه للمشتبهين بالإرهاب، حتى لو كانوا خارج البلاد، إذ يتيح المباشرة بإجراء إسقاط جنسيتهم، ومن الهام هنا استدراك أن هؤلاء المشبوهين بشبهة الإرهاب، لم تلصق بهم إلا وفق العرف الإسرائيلي، وليس خافيًا ما يقصد إليه بالاستعمال المعوم لمفهوم الإرهاب، إذ تقوم العقلية الأمنية الإسرائيلية على إلقاء التصنيف ليشتمل بشكل أساس على أي فعل مقاومة فلسطيني، ولا بأس، لناحية النظرية الأمنية الإسرائيلية، لو اشتمل أي فعل آخر ضمن هذا التصنيف، ما يزيد من "فانتازيا" الوصم للمقاومة الفلسطينية والخلط بينها مع حالات آخرى تسمى إرهابًا، وقد تصح التسمية في حالتها فعلًا. ما يسهم حقًا في تغذية الحرب الميدانية والتشريعية والإعلامية المستمرة ضد الفلسطيني الذي يرى إسرائيل ضمن تصنيفه هو للإرهاب ورؤيته للمقاومة. 

تقوم العقلية الأمنية الإسرائيلية على إلقاء تصنيف الإرهاب ليشتمل على أي فعل مقاومة فلسطيني، ما يزيد من "فانتازيا" الوصم للمقاومة

وليس في الحديث تحليق أو استطراد عند استرجاع تجربة الدكتور عزمي بشارة مع النفي والإجراءات المشفوعة بحروب برلمانية وتلفزيونية، إذ صرح رئيس كتلة حزب الليكود في الكنيست دودي امسالم، الحافظ لإرث مناحيم بيغن الليكودي، أمس "أن القانون يستهدف حالات شبيهة لما حصل ضمن حالة النائب العربي السابق عزمي بشارة، وكل من يخرج من البلاد للانضمام لتنظيم معاد للدولة". 

ومما يزيد من غائية القانون وضوحًا، أنه يستكفي بحضور محام للشخص المعني دون ضرورة حضوره نفسه إلى البلاد لحضور المداولات بشأنه، الذي هو شأن مصير وجوده في بلاده من عدمه في هذه الحالة، ما من شأنه الإحالة إلى الجوهر الأول، أي النفي.

هنا  فرصة جديدة لإسرائيل كي تعيد إنتاج شعارات الاستعمار الاحلالي المؤسسة، أرض بلا سكان، نفي الإنسان من جغرافيته، أو حصره في معزل بائس، لا للحد من خطر يشكله بالضرورة بقدر ما هو حد من وجوده أساسًا.

فالفلسطيني الذي يشغل بال إسرائيل، ليس المتأسرل والمتربع في أحضان المؤسسة الإسرائيلية، على قلتهم قياسًا بالمبدأ العام، بل هو ذلك الذي "يتجول في العالم ويمس بأمن إسرائيل" وفق تعبير الليكودي امسالم، الذي ساق العبارة في إطار تناوله الحصري لحالة المنفى "القسري" للدكتور بشارة. عطفًا على أن لا منفى اختياريا، فما من داع يدفع الإنسان للهجران المكاني لوطنه إلا مرغما، وإن لم يقد إلى خارج البلاد بالسلاسل، فهذا لا يعني بالضرورة طواعية النفي لديه، خاصة من يكن بصدد مشروع سياسي، بل وفكري تنويري/تثويري، فعزله عن بيئته المكانية لا يعد نفيًا فقط، بل يأتي من باب تعقيد مهماته التي اختارها لنفسه أكثر. بذات القدر الذي يزيح فيه أي ضباب عن طبيعة الاستعمار الإحلالي لمن جافته الرؤية.

اقرأ/ي أيضا: 

إعلام إسرائيل الحاقد على عزمي بشارة

عزمي بشارة مشخصًا حال الخيار الديمقراطي العربي