27-يونيو-2018

يضع القانون الجديد الصحافيين في السودان أمام تهديدات كثيرة (Getty)

أجاز مجلس الوزراء السوداني نهاية الأسبوع الماضي مشروع تعديل قانون الصحافة والمطبوعات للعام 2018، والذي منح الحكومة ولاية كاملة عليها، مع إباحة تعديات قاسية أقرب إلى الإجراءات التأديبية وتكريس سُلطة الدولة، كما بدا لكثير من الصحفيين، بمثابة تجنٍ على هامش الحرية المتاحة ووضع مزيد من العراقيل في طريق السُلطة الرابعة.

يسمح القانون المعدل أيضًا لمجلس الصحافة السوداني بإيقاف الصحفي عن الكتابة وبتعليق صدور الصحف 15 يومًا

وجلبت مسودة القانون الجديد السخط على الحكومة، إلا أن النسخة المقترحة منه عبر منصة مجلس الوزراء، تنتظر تصديق البرلمان، دون الأخذ بعين الاعتبار لرأي المجموعة المعنية بهذا القانون وهم الصحفيون. ولعل أكثر مواد المسودة إثارة للجدل هي المادة التي تخول مجلس الصحافة والمطبوعات الذي يتبع لرئاسة الجمهورية، بتوقيع الإجراءات والأحكام، لدرجة إيقاف الصحفي من الكتابة لفترة غير محددة، وتشديد العقوبات على الصحف عمومًا.

وانتشرت أكثر من نسخة للتعديل المقترح على قانون الصحافة، إلى درجة أن أحدًا من الصحفيين لم يدرك ما هي النسخة الحقيقية التي أجازها مجلس الوزراء.  

اقرأ/ي أيضًا: صحف السودان.. ما يريده الأمن!

يسمح القانون المعدل أيضًا لمجلس الصحافة بإيقاف الصحفي عن الكتابة وبتعليق صدور الصحف 15 يومًا بدلًا من 3 أيام، وبإيقافها أيضًا لفترة غير محددة ربما تكون أسبوعًا أو عامًا. ما يعني خنق الناشرين بسلسلة مخاوف، وتعريضهم لما يمكن أن يكبدهم خسارات فادحة.  

ووجهت شبكة صحفيون لحقوق الإنسان (جهر) انتقادات حادة لمشروع قانون الصحافة باعتباره يتضمن عقوبات مثل إيقاف الصحافيين عن الكتابة، وتوسيع سلطات المجلس نفسه، وقال المنسق العام للشبكة في تصريحات صحفية إن الهدف من القانون هو إدخال الصحافة الإلكترونية "بيت الطاعة". وأشار إلى التأثير القوي للصحافة الإلكترونية على الأوضاع في السودان، وكشف عن انتهاج القانون لفرض العقوبات على الكتاب والصحفيين وليس الناشرين، محذرًا من أن تؤدي إجازة القانون لممارسة الصحفيين الرقابة الذاتية التي اعتبرها "إفراغًا للصحافة من مضمونها وإسكاتًا للأصوات الناقدة".

وأشارت "جهر" إلى أن القانون الحالي يأتي في إطار الإعداد لانتخابات 2020، عوضًا على أنه تضمن مشروعًا لدمج الصحف السودانية، الأمر الذي يؤدي لإحكام الحكومة سيطرتها على الصحافة، وأعربت عن ثقتها التامة في قدرة المجتمع الصحفي على هزيمة القانون.

ولم يكن مفاجئًا تمرير هذا القانون، فمعظم المسؤولين الحكوميين غاضبين على الصحافة لسبب ما، ربما لضيقهم بالرأي الآخر وكشف العيوب والحديث المتواصل عن الفساد، دون أن تكتفي الدولة بمصادرة الصحف من المطابع واستدعاء الصحفيين للتحقيق معهم، وبدا وكأن تلك اللهجة الرسمية الناقمة على الصحف والكتاب خطوة تمهيدية لهذه الإجراءات الجديدة، كما أن الحكومة نفسها لم تخف رغبتها في أن تصحو دون أن تصحو معها أكشاك الجرائد.

وقدم الكاتب الصحفي فيصل محمد صالح مجموعة ملاحظات حول مسودة تعديلات قانون الصحافة والمطبوعات الصحفية لعام 2017، وقال إنه ليس من أنصار تعديل القانون في المرحلة الحالية، مضيفًا في حديثه لـ"ألترا صوت"، أنه "قد يبدو هذا الرأي غريبًا وغير متفق مع ملاحظات ومواقف سابقة أبديناها على قانون 2009، وقد عملنا في إطار حملة ضمت كثيرًا من الصحفيين والقانونيين والناشطين الحقوقيين رافضة للمسودة الأولى للقانون، وأعددنا مذكرة رفعت للبرلمان والقوى السياسية والكتل البرلمانية المختلفة. وقد تم الأخذ ببعض ملاحظاتنا ولم يؤخذ بالبعض الآخر"، مع ذلك، فقد اعتبر فيصل أن الظروف السياسية الحالية وغياب التوازن في البرلمان "لن تساهم أو تساعد في إخراج قانون أكثر ديمقراطية أو أكثر إتاحة للحريات".

وإزاء تعديلات إدخال الصحافة والنشر الإلكتروني في قانون الصحافة، أوضح فيصل محمد صالح أن التعديلات شملت المادة الرابعة، التعريفات، لتضمين تعريف النشر الإلكتروني، كما شمل المادتين الثامنة والتاسعة، المتعلقة باختصاصات وسلطات المجلس. وقد ورد التعريف معممًا ومبهمًا، كما أنه كان غير دقيق وغير محدد، وتوسع ليمتد من الصحافة ليشمل كل وسائل التواصل، وهو ما يشكل خطورة حقوقية.

أما بيت القصيد فهو التعديلات الخاصة بالعقوبات وفقًا لفيصل محمد صالح، "إذ يأتي في ظني أن المقصود بالتعديلات هي إضافة وتشديد العقوبات، سواء تلك الممنوحة للمجلس، أو للمحكمة المختصة". وتم تغليظ وتوسيع نطاق سلطة العقوبات الإدارية الممنوحة للمجلس فشملت، إلى جانب العقوبات السابقة، تعليق صدور الصحيفة لمدة 15 يوما، وإيقاف الصحفي من الكتابة للمدة التي يراها مناسبة، أي "عقوبة مفتوحة متروكة لتقدير المجلس"، بالإضافة إلى الإنذار بتعليق صدور الصحيفة. وأشار فيصل إلى أن سلطة العقوبات الإدارية بدعة منبوذة في كل قوانين الصحافة في المجتمعات الديمقراطية، وهي تتناقض مع المعايير الواردة في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.

الهدف من القانون الجديد  هو إدخال الصحافة الإلكترونية في السودان إلى "بيت الطاعة"

من الواضح أنه لولا بعض الاعتراضات البسيطة، والانتباهة التي حدثت لما جرى في اجتماع مجلس الوزراء، فإن هذه المسودة كانت ستجاز ويتم الدفع بها للبرلمان لإجازتها، دون عرضها على الصحفيين والرأي العام، كما حدث لقانون حق الحصول على المعلومات، وحتى الآن لم تقم اللجنة، ولا وزارة العدل بنشر النص الرسمي للتعديلات في أي وسيلة إعلام، مما يدل أنها كان يراد لها أن تمر بليل، وهذه شهادة حسب فيصل، على معرفتهم بطبيعة التعديلات ومجافاتها لكل حس ومنطق سليم.

وأشار عدد من الصحفيين السودانيين إلى أن القانون السابق والتعديلات الحالية خلت حتى من ديباجة أو مقدمة تؤكد على حرية الصحافة ودورها في المجتمع، كما خلت من المواد التي تؤكد حق الحصول على المعلومات، وحماية الصحفي أثناء ممارسته لمهنته.

ما أثارته تلك التعديلات من آراء جعل نقابة الصحفيين السودانيين تسارع بعقد اجتماع لمكتبها التنفيذي، وجددت النقابة ما وصفته بموقفها الثابت من الحريات الصحفية، لكنها عادت وأشارت إلى أن التعديلات التي اعتمدها مجلس الوزراء القومي على قانون الصحافة والمطبوعات الصحفية لسنة 2009، تحافظ على الحريات الصحفية.

ونفى الأمين العام لاتحاد الصحفيين صلاح عمر الشيخ ما تداولته بعض الصحف الإلكترونية، عن إدراج مادة في تعديلات قانون الصحافة المجاز من مجلس الوزراء، تقود لوقف الصحفي عن الكتابة، قائلًا إن التعديلات الجديدة لن تنتهك حرية الصحافة بجانب أن المادة (5) المتعلقة بحرية الصحافة أبقت على المادة القديمة، وأقر الشيخ بأن الحديث عن تعديلات تتضمن تجميد صدور الصحف وايقاف الصحفيين من الكتابة لا أساس له من الصحة.

اقرأ/ي أيضًا: "كوابيس السلطة الرابعة".. كيف تغيرت الصحافة العربية في 2017؟

من جانبه أثار مدير مكتب قناة الجزيرة بالخرطوم المسلمي الكباشي جملة من الأفكار حول مشروع التعديل الجديد، وكشف المسلمي في مقال تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي، أن القانون جاء بمبادرة من الحكومة وليس بمبادرة من الصحفيين، وأضاف: "طبعا من خبرتنا مع حكومتنا لن تبادر لمزيد من الحرية وإنما لانتقاص ما هو موجود منها"، وأشار إلى أن هذا القانون لم يعرض في محفل عام ولم تقم ورش عمل لنقاشه ولم ينشر في الصحافة ولم تتناوله وسائل الإعلام".

 وأوضح الكباشي أن مادة النشر الإلكتروني الجديد المقصود منها الصحافة الإلكترونية، حيث قدمت مفهومًا لن تمارس الدردشة على واتساب بعدها أو أي من وسائل التواصل الاجتماعي دون أن يطالك القانون، علاوة على أن عبارات مثل الأمن القومي والنظام العام والصحة العامة والسلامة "عبارات مفتوحة وحمالة أوجه، ويمكن أن تتعدد معانيها وتفسيراتها حسب ثقافة وموقف القارئ، ويمكن استخدامها لتقييد حرية الصحافة والصحفيين متى رأت السلطة ذلك. والمعروف أن القانون يجب أن يتسم بانضباط العبارة ووقفية معانيها ولا تترك للتأويل الثقافي أو السياسي".

ولعل رفع سن رئيس التحرير من 35 إلى 40 سنة فيه إهانة واستهانة بشباب السودان، وهو ضد اتجاهات التطور العالمي "فالذين يحققون الإنجازات الأساسية في عالم اليوم هم الأقرب لروح العصر" وفقًا للكباشي، أما الملاحظة الأهم والتي أوردها فيصل محمد صالح، فهي أنه ابتداءً من أول قانون سوداني للصحافة في العام 1930 ولمدة 43 عامًا حتى 1973 على عهد الرئيس الراحل جعفر نميري (1969 - 1985)، وتأمين الصحف، لم يغير القانون إلا مرة واحدة، لكن الاضطراب القانوني الدال على القلق المستمر من الصحافة وحريتها، حمل النظام الحاكم الحالي على إجراء ستة تغييرات للقانون من1993 وحتى 2018.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الصحافة السودانية.. "حرمان ملكي" من الدخول إلى بريطانيا

الإخفاء القسري في السودان.. لغز الدكتاتورية ومنجلها