09-مايو-2020

مبنى البرلمان المغربي (Getty)

في الوقت الذي تسعى فيه منظمة الصحة العالمية إلى إجبار ارتداء الكمامات للحد من انتشار فيروس كورونا في العالم، هو الوقت نفسه الذي صادقت فيها الحكومة المغربية، وبسرية تامة، على قانون لارتداء كمامات، لكن هذه لهذا القرار أسباب ليست بالصحيّة، فتسعى إلى تكميم الأفواه والحد من حرية الرأي والتعبير.

يدعو قانون استعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، المُصادق عليه من طرف الحكومة إلى معاقبة كل من دعا أو حرض علانية على مقاطعة بعض المنتجات أو الخدمات، وسحب الأموال من مؤسسات الائتمان أو الهيئات المعتبرة في حكمها، ونشر أخبارا زائفة متعلقة بالتشكيك في جودة وسلامة بعض المنتجات والبضائع، بعقوبة تتراوح بين الغرامة والحبس تصل مدته إلى ثلاث سنوات.

من يدعو لمقاطعة منتج أو خدمة ما في مواقع التواصل الاجتماعي سيتعرّض لغرامة مالية وحبس قد تصل مدته إلى ثلاث سنوات  

ويتكون القانون من أربعة فصول، يهدف حسب مذكرته التقديمية إلى سد الفراغ التشريعي المتعلق بالجرائم الإلكترونية، كون الترسانة القانونية الحالية غير كافية لردع كافة السلوكيات المرتكبة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وتعزيز مجموعة القانون الجنائي بإطار قانوني، يجرم ويعاقب على كافة السلوكيات الماسة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات.

من وراء القانون؟

سنة 2018، وفي زمن النسخة الأولى من الحكومة الحالية، أعلن عدد من مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، حملة مقاطعة كُبرى شملت ثلاث منتوجات حيوية، شركة الحليب، وشركة الماء المعلب، وشركة إفريقيا لتوزيع الغاز، هذه الأخيرة التي تعود ملكيتها لرجل الأعمال المغربي عزيز أخنوش، وزير الفلاحة ورئيس حزب التجمع الوطني للأحرار.

تزامنا مع حملة المقاطعة، أعد الوزير السابق للعدل، وهو العضو أيضا في المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، مسودة مشروع القانون المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي، تتضمن تفاصيلها فصولا يُتابع بموجبها بالسجن كل شخص دعا إلى مقاطعة أحد المنتوجات والتشكيك في جودتها.

اقرأ/ي أيضًا: كورونا في المغرب.. جائحة تشُل الحياة

وتضمنت مسودة مشروع القانون المثير للجدل تجريم الدعوات إلى مقاطعة المنتجات للحد من الخسائر التي تلقّتها عدة شركات، في حملة مقاطعة تلك السنة، منها شركة محروقات لعزيز أخنوش، لكن هذا النص لم يقدم حينها لمجلس الحكومة، وضل حبيس رفوف وزارة العدل إلى أن جاء وزير العدل الحالي، محمد بنعبد القادر، القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي الذي تحمس للمشروع ودافع عنه بشدة.

انتظرت الحكومة زمنا استثنائيا للمصادقة على مشروع القانون، ليصير قانونًا تعتمده السلطات التنفيذية في المحاكم لإصدار العقوبات، وفي سرية تامة، تمت المصادقة يوم 19 مارس على المشروع في المجلس الحكومي، وهو نفس اليوم الذي أُعلنت فيه حالة الطوارئ لمواجهة جائحة كوفيد-19.

وعلى غير العادة التي تُحتم خضوع النصوص القانونية لاستشارة واسعة من طرف القطاعات الحكومية، وتنشر في موقع الأمانة العامة للحكومة ليبدي الرأي العام رأيه فيها، قبل المصادقة عليها، عُرض هذا النص "المستعجل" في آخر لحظة على مجلس الحكومة.

أيضا، خلال اجتماع المجلس الحكومي يوم إعلان حالة الطوارئ، طرح بعض الوزراء المتحفظين على مشروع القانون، إمكانية تأجيل المصادقة على النص لفسح المجال للتشاور حوله، وإبداء الملاحظات وتعديله، لكن وقع إصرار من طرف البعض الآخر على المصادقة عليه أولا، ثم تكوين لجنة تقنية مكونة من ممثلي قطاعات وزارية لتعيد صياغته على ضوء الملاحظات التي قدمها مجموعة من الوزراء منهم وزير الدولة مصطفى الرميد، الذي أعد ملاحظات كثيرة.

استغلال أزمة كورونا؟

هل استغلت الحكومة الظرفية الاستثنائية؟ إذن من وراء قانون يعيد ويُجهض الحقوق ويُعاقب بالسجن كل شخص كتب على حائطه الفيسبوكي هذا المنتوج الغذائي؟ أسئلة شغلت الرأي العام فمنذ تسريب فصول قانون تكميم الأفواه، صارت الأحزاب تتقاذف المسؤولية، والجميع، كل من منصبه ندد وشجب، إذن من صادق عليه في المجلس الحكومي؟

حزب الاتحاد الاشتراكي، بحكم أنه الحزب الحامل لحقيبة العدل في الحكومة، تسبب له القانون في أزمة داخلية، فجل قياداته تقول إنها ليست على علم بأي شيء، ووزير العدل الاتحادي محمد بنعبد القادر، الذي أعد مشروع القانون لم يسبق أن أبلغ قيادة حزبه بهذا النص، في الوقت تُلوح جهة أخرى بكون الكاتب العام للحزب يكون على علم بالمشروع، كما أن قطاع المحامين داخل الحزب، أصدر بلاغا استنكاري "لما يحمله مشروع القانون المسرب من مقتضيات منافية للدستور وللمواثيق الدولية الضامنة لحرية الرأي والتعبير ومناهضة هذه المقتضيات لما تشكله من انتكاسة حقوقية".

اقرأ/ي أيضًا: فقراء المغرب وأزمة كورونا.. محاولات رسمية لحماية حالة الطوارئ

آمنة ماء العينين، البرلمانية والقيادية في حزب العدالة والتنمية القائد للائتلاف الحكومي، نشرت تدوينة على حسابها في فيسبوك، تُطالب من خلالها حزبها باتخاذ موقف مبدئي ضد أية صيغة تمنع الناس من ممارسة حقهم في الانتقاد والتعبير عن الرأي، دون داع لاعتماد قانون يجرم الاعتداء على القاصرين ونشر كيفية صناعة المتفجرات والابتزاز الجنسي، وهي أمور غير مختلف حولها، كما تغطيها في معظمها مجموعة القانون الجنائي.

آمنة ماء العينين قالت إن القانون عرف عملية دس غريبة وغير مفهومة لفصول تقود الى سجن من يعبر عن رأيه السلبي من سلعة أو خدمة، باعتباره مستهلكا يؤدي مقابلا لها دون القيام بأي فعل مناف للقانون بعرقلة انتاجها، مع تغليف ذلك بعنوان مريب وفضفاض وخطير هو "المس بالنظام العام الاقتصادي".

البرلمانية التي يقود حزبها الحكومة اعتبرت أن القانون لا يكتسي طابع الاستعجالية حتى تتم المصادقة عليه في جلسة واحدة، كما أن التكتم عليه هي مخالفة واضحة لقانون الحق في الحصول على المعلومة، والذي يجعل مشاريع القوانين ضمن المعلومات الواجب توفيرها بالنشر مسبقُا.

مشروع القانون أثار حفيظة الصحافيين المغاربة، فالتسريب أولا كان لمؤثر على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي جعل النقابة الوطنية للصحافة المغربية تُصدر بلاغا شديد اللهجة، تُدين فيه طريقة تعامل الحكومة مع مشروع قانون يمُس أكثر من 10 ملايين مغربي يستعملون مواقع التواصل الاجتماعي.

النقابة اعتبرت أن القانون من من أكثر القوانين خطورة التي عرفها المغرب، والتي تستهدف حرية التعبير والصحافة والنشر والتفكير، داعية الحكومة إلى سحبه الفوري، محملة الطبقة السياسية الوطنية مسؤولية التصدي لهذا المشروع إذا ما أصرت الحكومة على الإبقاء عليه، وذلك بإعلان رفضها له بصفة قطعية.

أيضا، عبرت النقابة في بلاغها عن استهجانها للسلوك "غير المسؤول الذي تعاملت به الحكومة مع الرأي العام، في قضية تحظى باهتمام بالغ من طرف جميع المغاربة، وذلك باستفرادها بهذا المشروع، والاشتغال عليه بصفة "سرية ومغلقة"، ولم تحترم مقتضيات قانونية تحتم عليها الاستشارة في شأنه مع المجلس الوطني للصحافة، بحكم علاقة هذا المشروع بصفة مباشرة بحريات التعبير والنشر والصحافة، كما لم تحترم الأعراف والتقاليد باستشارة المنظمات المهنية الصحافية والمنظمات الحقوقية صونا للمكتسبات وحماية الحريات

هل سحبت الحكومة القانون؟

بعد الجدل الذي أثاره القانون نشر وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، مصطفى الرميد مذكرته عبر فيها عن تحفظه على وضع قانون يقيد حرية التعبير، واعتبر أن "الوضع الصعب الذي تجتازه البلاد يتطلب وحدة الصف واجتماع الكلمة"، و"تعبئة طاقات الأمة وراء مؤسسات البلاد بمعنويات مرتفعة وحس وطني قوي"، مشددا على "عدم ملاءمة إصدار أي قانون يفضي إلى إضعاف ثقة الناس واجتماع كلمتهم، بل واعتبار أن الحكومة استغلت الظروف الصعبة التي تمر منها البلاد لتمرير قانون يقيد حرية التعبير والرأي".

وعلى الرغم من أنه لم يُطالب بسحب القانون إلا أنه طالب بتعديل بعد المواد وتقليص بعض العقوبات، خصوصا المادة 17 التي عاقبت على الدعوة إلى مقاطعة المنتجات والسلع ووضع حدود التجريم في "إعاقة النشاط الاقتصادي"، وليس الدعوة للمقاطعة، "تماشيا مع فلسفة قانون حرية الأسعار والمنافسة".

اقرأ/ي أيضًا:

مُحاربة الإثراء غير المشروع.. هل يُعاقب القانون المغربي المفسدين؟

زواج القاصرات في المغرب.. حقائق صادمة وتواطؤ قانوني