16-ديسمبر-2018

تتذرع السلطات الأردنية بالجرائم الإلكترونية لقمع حرية التعبير (Getty)

بالرغم من تراجع مستوى الحريات عمومًا في الأردن وفق العديد من التقارير الدولية، ولاسيما على مستوى الحريات الصحفية، والتعبير عن الرأي، والحق في الحصول على المعلومات وحريات التجمع والتنظيم، يظهر أن الحكومة الأردنية عازمة على الاستمرار في خنق ما تبقى من مساحات للحوار العام في البلاد عبر تعديلات على قوانين تتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي، أو ما يعرف في الأردن باسم قانون الجرائم الإلكترونية.

كان المدخل لتكميم الأفواه في قانون الجرائم الإلكترونية في الأردن، هو وضع تعريف فضفاض وواسع لخطاب الكراهية والتحريض

يأتي ذلك في سياق ارتفاع أصوات شعبية على وسائل التواصل الاجتماعي وتزايد قدرتها على تحريك الرأي العام والتأثير في قضايا لم تعتد الحكومات الأردنية على تأثير الشارع فيها، كان آخرها مثلًا استجابة الملك الأردني عبدالله الثاني للحملات الشعبية المطالبة باستعادة أراضي الباقورة والغمر الأردنية من دولة الاحتلال الإسرائيلي، وسبقها إسقاط حكومة هاني الملقي رفضًا لقانون ضريبة الدخل. كما تزايد الدور الذي يؤديه ناشطو السوشال ميديا في كشف قضايا فساد وانتهاكات حقوقية وتسليط الضوء عليها، الأمر الذي سبب خلال السنوات الماضية منذ انطلاق موجة ثورات الربيع العربي، قلقًا للسلطات في الأردن، يبدو أنه يدفعها نحو التصعيد مع الشارع الإلكتروني عبر قوانين مشدّدة من أجل تغيير قواعد اللعبة في عالم التواصل الاجتماعي، بدعوى الحفاظ على أمن المجتمع وحماية أعراض الناس وخصوصيتهم.

اقرأ/ي أيضًا: الصورة الكاملة لاحتجاجات الأردن.. تعددت الأسباب والشعب واحد

ما هو قانون الجرائم الإلكترونية في الأردن؟

قانون الجرائم الإلكترونية في الأردن هو قانون صدر عام 2015، وهو نسخة محدثة من قانون سابق عليه يعرف باسم "قانون جرائم أنظمة المعلومات" لعام 2010، والذي وضع أساسًا كقانون مؤقت لمحاربة الجرائم الإلكترونية وخاصة القرصنة واقتحام الخصوصية والتنصت على ما هو مرسل عن طريق الإنترنت، إضافة إلى تتبع الجرائم المتعلقة بالاحتيال الإلكتروني وسرقة بيانات بطاقات الائتمان والمعاملات المالية والمصرفية، دون أن يكون هنالك ذكر لوسائل التواصل الاجتماعي.

أما في قانون الجرائم الإلكترونية في الأردن لعام 2015، فقد أضيف إليه تعديل خاص بجرائم القدح والذم والتحقير على الإنترنت وذلك عبر المادة 11، التي رفضها الكثير من الناشطين والصحفيين والإعلاميين حينها، وذلك لمخالفتها الدستور الأردني. وازدادت الانتقادات لهذا التعديل الذي يطبق على جرائم القدح والذم على وسائل التواصل الاجتماعي، وليس قانون المطبوعات، على إثر استخدامه من قبل السلطات في ملاحقة إعلاميين وناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، وانطلقت على إثر ذلك حملة #الحكي_مش_جريمة لرفض المادة 11 من قانون الجرائم الإلكترونية وتوعية المواطنين بخطورتها، كما نظمت العديد من الوقفات الاحتجاجية لناشطين وحقوقيين للاحتجاج على القانون لتعديله والتراجع عن المادة 11 فيه.

استياء من الديوان الملكي

وصل الجدل بشأن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتصاعد استخدامها بين الأردنيين للتعبير عن آرائهم وانتقاد أداء الحكومة واستغلالها في تحريك قضايا مطالبية وشعبية ووطنية، إلى تدخّل العاهل الأردني شخصيًا بمقال نشر في الصحف الرسمية والمحلية بعنوان "منصات التواصل أم التناحر الاجتماعي"، انتقد فيها بشكل صريح ما ينتشر على وسائل التواصل الاجتماعي من شائعات وتساهل البعض في التحقير والتشهير بالآخرين، و"العدوانية والتجريح والكراهية"، مشيرًا إلى أن منصات التواصل الاجتماعي قد تحولت إلى مكان "للذم والقدح" وأنها باتت "تعج بالتعليقات الجارحة والمعلومات المضللة".

على إثر هذا المقال، انبرت السلطات للتجييش لإقرار التعديلات على قانون الجرائم الإلكترونية والدفاع عنها، مع التذرع بما نشره الملك في مقاله وتناول فيه قضيتين ذات حساسية كبيرة في المجتمع الأردني، الأولى هي حادثة البحر الميت التي راح ضحيتها 21 شخصًا غالبيتهم من الأطفال بسبب سيول مفاجئة داهمت رحلة مدرسية، والثانية هي شخص الملك نفسه، حيث انتشرت تكهّنات قبل أسابيع عديدة عن أسباب تغيّبه عن المشهد المحلي في الأردن خلال إجازة خاصة، وقد تحدث العاهل الأردني بشكل واضح ومباشر عن ذلك في مقاله، مؤكدًا أن هذه الممارسات "تستهدف معنويات الأردنيين وتماسكهم".

القانون يعزز التناحر الاجتماعي؟

يستخدم 76% من الأردنيين وسائل التواصل الاجتماعي، وقد تعززت ثقة الناشطين الشباب بسلطة وسائل التواصل الاجتماعي بعد لمس النتائج العملية التي أمكن تحقيقها عبر حملات إلكترونية في السنوات السابقة في قضايا اجتماعية وسياسية مختلفة، كان أبرزها مؤخرًا إعلان الأردن عدم تجديد اتفاقية تأجير أراضي الباقورة والغمر الأردنية للاحتلال الإسرائيلي، وذلك بعد حملة واسعة على الإنترنت تطالب الحكومة الأردنية بالتراجع عن الاتفاقية وإعادة الأراضي للسيادة الأردنية. وانضاف إلى ذلك أيضًا نجاح الشارع الأردني بالدعوة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لاعتصامات في أيار/مايو الماضي، انتهت بسقوط حكومة هاني الملقي، وسحب قانون ضريبة الدخل الجديد الذي كان أحد الأسباب الرئيسية وراء خروج المواطنين إلى الشارع.

يستخدم 76% من الأردنيين وسائل التواصل الاجتماعي، وقد تعززت ثقة الناشطين الشباب بسلطة وسائل التواصل الاجتماعي بعد لمس النتائج العملية التي أمكن تحقيقها عبر حملات إلكترونية في السنوات السابقة

ولعل هذا ما دعا الحكومة الأردنية والأجهزة التشريعية والأمنية إلى التعجيل من أجل كبح هذه "القوّة" المتصاعدة لمنصات التواصل الاجتماعي في تحريك الرأي العام المحلي أردنيًا وتحقيق مطالب شرعية للمواطنين، كالمطالبة بمحاربة الفساد وملاحقة الفاسدين من رجال الأعمال والمتنفذين في البلاد والمطالبة بإصلاحات دستورية وتشريعية لتعزيز الديمقراطية والتوصل إلى حكومات برلمانية منتخبة. وكان المدخل لتكميم الأفواه هو وضع تعريف فضفاض وواسع لخطاب الكراهية، بالتذرع على ما يبدو بما ورد في مقال وتوجيهات العاهل الأردني، حيث جاء في تعريف خطاب الكراهية، أنه "كل قول أو فعل من شأنه إثارة الفتنة أو النعرات الدينية أو الطائفية أو العرقية أو الإقليمية أو الدعوة للعنف أو التحريض عليه أو تبريره أو نشر الإشاعات بحق أي شخص من شأنها إلحاق الضرر بجسده أو ماله أو سمعته".

وقد توجهت جلّ الانتقادات لهذا التعريف، حيث رأى عدد من الناشطين الحقوقيين والإعلاميين والمراقبين أن التعريف فضفاض ويخالف الأعراف الدولية المتعلقة بتعريف خطاب الكراهية، ولاسيما في شقه الثاني الذي قد يستخدم لملاحقة أي نقد على وسائل التواصل الاجتماعي للمسؤولين في حال وجود تهم بالفساد أو التقصير، كما يقيد حق المواطنين في المشاركة في الحوار الإلكتروني العام وممارسة دور الرقابة الشعبية، في ظل تراجع الرقابة الرسميّة.

اقرأ/ي أيضًا: #خميس_الشعب في الأردن.. الاحتجاج المعيشي يدق باب السياسة

وكان المحامي والنائب الأردني صالح العرموطي، قد أشار في جلسة مناقشة القانون المعدّل، إلى أن قانون الجرائم الإلكترونية الأردني يمثل "عودة للأحكام العرفية ويستهدف الصحفيين"، بينما وصف النائب الأردني صداح الحباشنة القانون المعدل بأنه "يتنافى بشكل صارخ مع الحقوق والحريات التي كفلها الدستور". ويتضح من خلال التعريف أن خطاب الكراهية يساوي بين "إثارة الفتنة الدينية" مثلًا وما يسمى "اغتيال الشخصيات"، بحيث يدخل في التعريف أشكال لا حصر لها من التعبير عن الرأي، ويصبح أي شخص يشارك في حوارات جدّية أو عابرة على وسائل التواصل الاجتماعي غير بعيد عن الملاحقة القانونية، حيث ينص القانون على عقوبات تتراوح بين 3 أشهر إلى 3 سنوات وغرامات مالية تصل إلى 10 آلاف دينار أردني (14.000 دولار أمريكي). ومن بين الانتقادات التي وجهت لقانون الجرائم الإلكترونية الأردني كذلك عدم تفريقه في مواد القانون بين الشخصية العامة والخاصة موضوع "البوست" أو "التغريدة" على وسائل التواصل الاجتماعي أو المواقع الإلكترونية، ولا لتقييم المصلحة العامة فيما ينشر عليها. كما قد جرّم القانون حتّى مشاركة ونشر المقالات التي كتبها آخرون إن كانت تشتمل على "تشهير" أو "خطاب كراهية".

قد يزيد قانون الجرائم الإلكترونية المعدل من حالة الفوضى التي تدّعي الحكومة الأردنية وجودها على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ يظهر أن التناحر القانوني بين المستخدمين العاديين سيأخذ زخمًا مع ضبابية التعريفات 

ومن زاوية أخرى يرى ناشطون أن القانون المعدل لقانون الجرائم الإلكترونية الأردني يزيد من حالة الفوضى التي تدّعي الحكومة وجودها على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ يظهر أن التناحر القانوني بين المستخدمين العاديين سيأخذ زخمًا غير مسبوق في ظل ضبابية التعريفات التي وردت في نصوص القانون، ولاسيما فيما يتعلق بخطاب الكراهية، ولا يُعرف ما إذا كانت الأجهزة القضائية في الدولة ستتعامل مع القدر الهائل من الشكاوى الذي من الممكن حسب مختصين أن يتضاعف عشرات المرّات ويفتح الباب على مصراعيه لفوضى حقيقية قد تنعكس سلبًا على هيبة القانون في البلاد، إذ إن مجرّد احتماليّة الإساءة إلى شخص أو مجموعة من الناس سيعرض صاحبها إلى الملاحقة القانونية، بدءًا بالتوقيف.

انتقادات دولية وبيان من العفو الدولية

في بيان رسمي لها على موقعها الإلكتروني، حذرت منظمة العفو الدولية من أن التعديلات المقترحة على قانون الجرائم الإلكترونية الأردني سيشكل "ضربة قاصمة لحرية التعبير في الأردن". وأشارت المنظمة إلى أن القانون الحالي أصلًا تشوبه الكثير من الملاحظات والعيوب، وأن التعديلات الجديدة المقترحة "تثير بواعث قلق عميق". حيث انتقد البيان التعريف المقترح لخطاب الكراهية، ورأت المنظمة أن التعريف قد جاء فضفاضًا جدًا وأن تغليظ العقوبات في التعديلات المقترحة ليست في محلها. وقالت هبة مرايف، مديرة مكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية إنه "يتعين على السلطات الأردنية العمل على إلغاء جميع الأحكام القمعية الواردة في قانون الجرائم الإلكترونية الحالي، بما يتماشى مع القانون الدولي، وليس توسيع نطاقها بما يفرض مزيدًا من القيود على أنشطة الأشخاص على الإنترنت".

عودة حملة #حر_يا_نت

 في عام 2012 انطلقت حملة "حر يا نت" للاعتراض على تعديلات طالت قانون المطبوعات والنشر الأردني، والتي كانت تمثل انتهاكًا لواقع العمل الصحفي والحريات الصحفية وحرية التعبير، وكان ذلك تحديدًا لرفض الشرط الخاص بحجب المواقع الإلكترونية غير الحاصلة على رخصة رسمية من هيئة الإعلام الأردنية، وهي خطوة رآها القائمون على الحملة شكلًا جديدًا من الوصاية الرسمية على المحتوى الإلكتروني على الإنترنت. وقد عادت حملة "حر يا نت" لنشاطها مجددًا بعد إحالة قانون مشروع القانون المعدل لقانون الجرائم الإلكترونية الأردني إلى اللجنة القانونية لمجلس البرلمان في أيلول/سبتمبر الماضي. وكان رئيس مجلس النواب الأردني عاطف الطراونة قد طلب من حكومة الرزاز سحب القانون المعدل لقانون الجرائم الإلكترونية بصيغته المقترحة بغية التعديل عليها، وقد استجابت الحكومة لذلك فسحبت القانون ثم أعادته مع تعديلات عليه وإتاحة كافة مواده للتعديل، مضيفة إليه بندًا خاصًا بتجريم "الإشاعات والأخبار الكاذبة"، وقد أدرج الطراونة مشروع القانون على جدول أعمال المجلس ليوم الثلاثاء 18 كانون الأول/ديسمبر ليحال بعدها إلى اللجنة القانونية النيابية للاطلاع عليه ودراسته. 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

#إضراب_الأردن.. حراك شعبي واسع احتجاجًا على قانون ضريبة الدخل

الأردن تحت لعنة صندوق النقد.. "الشعب عارف طريقه"