12-مايو-2017

الرئيس الروسي في استقبال نظيره التركي في مدينة سوتشي (ميخائيل سفيتلوف/Getty)

يقول المثل: "عدو عدوي صديقي"، وهو المثل الذي يمكن من خلاله تفسير كثير من أجزاء منحنى العلاقات بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين. ويواجه كلا الرئيسين انتقادات غربية متزايدة بسبب "انتهاكات في حقوق الإنسان"، ولكليهما مصالح مشتركة في المنطقة، قد تتعارض مع دول أُخرى.

وفي مؤتمر صحفي لبوتين، أوضح أن العلاقات مع الجانب التركي "تعرضت منذ فترة للاختبار، أمّا حاليًا يمكننا القول إن عملية التعافي في العلاقات الروسية التركية اكتملت، ونحن بصدد العودة إلى شراكة تعاونية طبيعية، بل إن موسكو ستبدأ في عمل صندوق استثماري مشترك مع تركيا برأس مال قد يصل إلى مليار دولار"، مُؤكدًا أن روسيا مستعدة لمساعدة تركيا في تحسين التدابير الأمنية الداخلية في وجه العمليات الإرهابية.

وقال بوتين خلال اللقاء الذي جمعه بأردوغان قبل أيام، إن "العلاقات مع تركيا قد تعافت بشكلٍ كامل"، بعد الأزمة التي سببتّها إسقاط أنقرة طائرة حربية روسية قرب الحدود السورية في 2015، كما أكد مرة أُخرى على أنّ العلاقات بين البلدين عادت لطبيعتها، مُدللًا بالتبادل التجاري الذي "توقف عن التراجع"، فيما قال أردوغان من جانبه، إنه يقف إلى جوار "أصدقائه الروس" في الحرب على الإرهاب والجماعات المتشددة. 

تراجع علاقات تركيا مع الولايات المتحدة وأوروبا، أقنع الروس والأتراك إلى حاجة البلدين لبعضهما

وللطرفان دور كبير ومُؤثر، بخاصة مُؤخرًا في الملف السوري، إذ يرجع إليهما فضل كبير في حث إيران للموافقة على اتفاقية "تخفيف التصعيد"، وكذا على مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الداعي لإقامة مناطق آمنة في سوريا، والذي اُقر في اجتماع "أستانا 4" قبل أيّام قليلة.

لماذا هذا التعاون الآن؟

جاء إسقاط الطائرة الروسية في وقت كانت تعيش فيه علاقات البلدين حالة توتر شديدة، وتحريض متبادل، لذا تصاعد الأمر إلى قطيعة، فيما جاءت حادثة اغتيال السفير الروسي في تركيا في وقت شهدت فيه العلاقات تحسنًا، وتقاربت وجهات النظر، بخاصة في الملف السوري، حيث كان أردوغان قد تراجع عن تصريحات سابقة له قال فيها إن "تركيا دخلت سوريا ضمن عملية درع الفرات لإنهاء حكم الأسد"، مُستدركًا أن "هدف تركيا من دخول سوريا، ليس نظامًا أو شخصية معينة، وإنما محاربة التنظيمات الإرهابية". 

أيضًا كان ازدياد الضغوط الغربية والعزلة السياسية لهما كبير الأثر على مضاعفة الأزمة الإنسانية في سوريا، كما أدى تراجع علاقات تركيا مع كل من الولايات المتحدة وأوروبا إلى إقتناع السياسيين الأتراك والروس لحاجة البلدين لبعضهما.

اقرأ/ي أيضًا: بوتين ساعد أردوغان وفتح له طريق جرابلس

وإلى جانب أسباب كثيرة غير التي ذكرناها، يمكننا إرجاع التعاون الحالي بين روسيا وتركيا إلى سببين رئيسيين، كلاهما نابع من المصالح المشتركة داخل الملف السوري؛ أولهما ما قامت به القوات التركية منذ أيام، حيث شنّت غارات عسكرية على مواقع عسكرية تابعة للأكراد، وهو  ما أثار غضب الأمريكيين. الأمر الثاني جاء بعد الضربة الأمريكية "الفردية" لمطار الشعيرات في سوريا، لقوات تابعة لبشار الأسد، وهو ما أثار بدوره غضب روسيا.

واستعاد مجموعات الأكراد في سوريا، الذين لا يزالون متضررين من الضربة التركية لهم، طاقتهم العسكرية بعد الدعم الأمريكي الكامل لهم، والذي وصل لحد تواجد وحدات من القوات الأمريكية إلى جانبهم على الحدود السورية التي تجمعهم مع تركيا، بهدف وجود انفصال شبه كامل بين الأكراد وتركيا، كمحاولة واضحة "لتحذير" القوات التركية من أي هجوم محتمل.

لا تتوافق الرؤية الأمريكية للصراع السوري، بشكل كبير، مع الرؤية التي تشترك تركيا وروسيا في أجزاء كبيرة منها 

ولا تتوافق الرؤية الأمريكية للصراع السوري، تمامًا مع الرؤية التي تشترك تركيا وروسيا في أجزاء كبيرة منها، ويختلفان في أُخرى، ففي حين ترى الولايات المتحدة، إلى الآن، أن الحل السياسي لابد أن يضمن سوريا كاملة تحت راية رئيس واحد ليس بشار الأسد، يتفق الجانبان التركي والروسي مع فكرة الفدرالية، وإن كانا يختلفان على من يكون على رأس تلك الفدرالية.

إذن، يُمكن القول إن التعاون الثنائي بين البلدين، جاء نتيجة لما يفرضه الواقع من حاجة كل منهما إلى الآخر في تحالف مشترك، يحافظ فيه كل طرف على مكاسبه الشخصية، وفي المقابل يتحدان أمام قوة الولايات المتحدة التي ليست في أحسن حالاتها مع تركيا، فضلًا عن التدهور الذي لم يكن متوقعًا مع روسيا، بخاصة من قبل إدارة ترامب.

مصالح اقتصادية مشتركة

تضررت العلاقات التركية الأوروبية والأمريكية بدرجة كبيرة عقب محاولة الانقلاب الفاشل، في حين أعلن بوتين مباشرة تأييده المطلق لأردوغان، ذلك حسن العلاقات التي شهدت تدهورًا، لذا فإن التعاون بين كل من روسيا وتركيا، يجني ثماره ولو بشكل غير مباشر، وإن لم يصل إلى رؤية مشتركة كاملة على أرض الواقع.

اقرأ/ي أيضًا: في أعقاب الانقلاب.. شرخٌ كبير بين تركيا وأمريكا

وتعتبر روسيا ثاني أكبر سوق يخدم قطاع السياحة داخل تركيا، بالتالي أدى انقطاع العلاقات إلى تراجع عدد السائحين الروس القادمين إلى تركيا بنحو 93%، بينما تعتبر روسيا وجهة تصدير رئيسية لصناعة الغزل والنسيج والفاكهة والخضروات التركية، وهو ما لن تسمح به الدولتين أن يحدث مرة أخرى، أي تتراجع أعداد السياح الروس لتركيا، أو أن تقل صادرات الفاكهة والخضروات والغزل والنسيج التركية لروسيا.

وعلى إثر هذه التطورات، ألغى بوتين مشروع السيل الجنوبي، الذي كان يستهدف نقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا، واستبدله بمشروع السيل التركي، الهادف لنقل الغاز الروسي إلى تركيا عبر البحر، ومنها هناك ربما إلى أوروبا. هذا وتعتمد تركيا على روسيا في ما يزيد عن نصف احتياجاتها من الغاز الطبيعي الذي يستخدم في التدفئة وتوليد الكهرباء، كما يعتبر الغاز الروسي عاملًا حيويًا لدعم الاقتصاد التركي المتنامي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بعد روسيا.. تركيا تستدير لمصالحة إيران؟

أردوغان في روسيا.. رسالة للغرب