في تطور قضائي يعكس ما وصفه محاموه بـ"التسييس الخطير لقوانين الهجرة"، أصدرت قاضية هجرة في ولاية لويزيانا، يوم أمس الجمعة، أمرًا بإمكانية ترحيل محمود خليل، طالب الدراسات العليا في جامعة كولومبيا، بدعوى أنه يمثل "تهديدًا للأمن القومي الأميركي"، بسبب مشاركته في مظاهرات مؤيدة لفلسطين داخل الحرم الجامعي.
ترحيل بسبب مواقف سياسية
وقالت القاضية جيمي إي. كومانز خلال الجلسة التي عُقدت في مدينة جينا إن الحكومة الأميركية قدمت "أدلة واضحة ومقنعة تثبت بأن خليل يشكل خطرًا على الأمن القومي"، وهذا يعني أنه يمكن لدائرة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك (ICE) المضي قدمًا في إجراءات ترحيله.
أصدرت قاضية هجرة في ولاية لويزيانا، يوم أمس الجمعة، أمرًا بإمكانية ترحيل محمود خليل، طالب الدراسات العليا في جامعة كولومبيا
ووصفت القضية التي رفعتها الحكومة الفيدرالية بأنها "معقولة ظاهريًا"، مانحةً فريق دفاعه مهلة حتى 23 نيسان/أبريل الجاري للردّ. مضيفةً أن وجوده في الولايات المتحدة قد يؤدي إلى "عواقب خطيرة محتملة على السياسة الخارجية للبلاد".
القرار جاء بعد أن استندت وزارة الخارجية الأميركية إلى بند قانوني نادر الاستخدام، يمنحها سلطة ترحيل الأفراد الذين قد يؤدي وجودهم إلى "تبعات سلبية محتملة على السياسة الخارجية للولايات المتحدة". وقد استُخدم هذا البند من قبل وزير الخارجية ماركو روبيو لتبرير قرار ترحيل محمود خليل والطلبة الأجانب المشاركين في المظاهرات الداعمة لفلسطين.
يترقّب الطالب الفلسطيني محمود خليل جلسة حاسمة أمام المحكمة يوم الجمعة ستحدد ما إذا كان سيُطلق سراحه نهائيًا أو ستُعاد إجراءات ترحيله.
اقرأ أكثر: https://t.co/lkMElLnKm6 pic.twitter.com/eVc67qRYY9
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) April 9, 2025
وأكدت القاضية أن المحكمة لا تملك صلاحية مراجعة قرارات وزير الخارجية في ما يتعلق بالسياسة الخارجية. وقالت: "لا يوجد ما يشير إلى أن الكونغرس كان يقصد أن يتمكن قاضي هجرة، أو حتى النائب العام، من تجاوز قرار وزير الخارجية في مسائل السياسة الخارجية".
محاموه يتهمون الإدارة بـ"تسليح قوانين الهجرة لقمع حرية التعبير"
خلال جلسة الاستماع، كانت الأجواء المتوترة، قدّم محامو خليل عدة عرائض لإرجاء صدور الحكم أو لإنهاء القضية بالكامل، مؤكدين أن الاتهامات الواردة في المذكرة غامضة وعامة، ويجب أن يُسمح لهم باستجواب وزير الخارجية مباشرة، وهو الطلب الذي رُفض.
وفي أعقاب الجلسة، صرّح محامي خليل، مارك فان دير هاوت، بأن موكله سيستأنف القرار أمام مجلس استئناف الهجرة خلال الأسابيع المقبلة. وقال: "لن يحدث شيء على الفور"، مضيفًا أن هذه الإجراءات تعكس انتهاكًا واضحًا لحقوق خليل في المحاكمة العادلة.
وأضاف في بيان: إن "ما حدث كان محاكاة ساخرة للإجراءات القضائية"، واعتبر ذلك "تسليحًا صارخًا لقوانين الهجرة لقمع المعارضة السياسية".
خليل: ما شهدناه اليوم يفتقر للعدالة والإجراءات القانونية
خلال النطق بالحكم، انخرط أحد مؤيدي خليل في البكاء وهو جالس بين الحضور في قاعة المحكمة. فيما طلب خليل، الذي ظل صامتًا طوال الجلسة، الإذن بالكلام، وقال موجهًا حديثه للقاضية: "أود أن أقتبس من كلامك في الجلسة السابقة، حين قلتِ: لا شيء أهم لهذه المحكمة من حقوق الإجراءات القانونية والعدالة الجوهرية"، وأضاف: "ما شهدناه اليوم خالٍ تمامًا من هذين المبدأين... ولهذا السبب بالضبط أُرسلت إلى هذه المحكمة على بعد 1000 ميل من عائلتي".
وختم حديثه بالقول: "أتمنى فقط أن تحظى مئات القضايا الأخرى هنا بنفس درجة الاستعجال التي منحتِها لقضيتي".
🎥 مشاهد تظهر لحظة إلقاء القبض على الناشط الفلسطيني والطالب بجامعة كولومبيا محمود الخليل. pic.twitter.com/iByzK1ZK9B
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) March 15, 2025
الطعن القانوني مستمر في نيوجيرسي
الحكم الصادر الجمعة يعني أن إجراءات ترحيل خليل ستستمر في محكمة الهجرة بجينا، بينما تنظر محكمة فيدرالية في نيوجيرسي في قضية منفصلة تتعلق بشرعية احتجازه، وتناقش مدى دستورية حجة الحكومة بإمكانية ترحيل أشخاص بسبب تصريحات محمية بموجب التعديل الأول من الدستور، إذا اعتُبرت "منافية للسياسة الخارجية الأميركية".
الفريق القانوني لخليل طلب من القاضي الفيدرالي في نيوجيرسي الإفراج عنه بكفالة، ليتسنى له العودة إلى زوجته الأميركية، التي من المنتظر أن تضع طفلهما الأول هذا الشهر.
أول معتقل ضمن حملة ترامب ضد الطلاب المشاركين في الاحتجاجات
خليل، الفلسطيني المولود في سوريا والذي انتقلت عائلته إليها بعد أن هجر أجداده قسرًا من طبريا، لا يُتهم بخرق أي قوانين أثناء مشاركته في احتجاجات جامعة كولومبيا.
ورغم ذلك، اعتُقل يوم 8 أذار/مارس الماضي من قبل عملاء تابعين لدائرة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك في بهو شقته المملوكة للجامعة، في أول عملية اعتقال ضمن حملة الرئيس دونالد ترامب ضد الطلاب المشاركين في احتجاجات ضد الحرب على غزة.
نُقل خليل في اليوم التالي إلى مركز احتجاز في جينا، لويزيانا، على بُعد آلاف الكيلومترات من مقر إقامته. وطعن محامو خليل في قانونية اعتقاله، مؤكدين أن ما يجري هو محاولة سياسية لكبح حرية التعبير المكفولة بموجب التعديل الأول للدستور الأميركي.
دون أدلة على دعم الإرهاب.. الاتهامات تستند إلى مواقفه السياسية
لم تتهم السلطات خليل بالمشاركة في اقتحام مبنى الإدارة في كولومبيا، ولم يكن من بين المعتقلين خلال تفكيك الشرطة لمخيم الاحتجاج. لكن ظهوره العلني في الاحتجاجات، وظهور وجهه بدون قناع، جعله هدفًا للانتقادات من جهات تعتبر تلك المظاهرات "معادية للسامية".
وفي موقف لافت، اتهمه البيت الأبيض بـ"الانحياز إلى صف الإرهابيين"، دون تقديم أي دليل على دعمه لأي تنظيم مسلح.
📌 في تصعيد جديد من إدارة #ترامب ضد الحراك الطلابي المؤيد لفلسطين، قامت السلطات الأميركية باعتقال الناشط الفلسطيني البارز في الاحتجاجات المناهضة للحرب الإسرائيلية على #غزة في جامعة كولومبيا، محمود خليل، بسبب نشاطه في الاحتجاجات.
📌 يثير اعتقال خليل تساؤلات حول مدى حرية التعبير… pic.twitter.com/oWGKbfLpqG
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) March 10, 2025
ما جرى مأساة لعائلتنا
في نفس اليوم، وخلال وقفة صلاة قصيرة نُظّمت أمام مركز الاحتجاز، قرأ عدد من رجال الدين من مختلف الأديان رسائل تضامن مع خليل. كما تلي بيان من زوجته نور عبد الله، جاء فيه: "قرار اليوم يمثل ضربة مدمّرة لعائلتنا. لا ينبغي أن يكون أي إنسان عرضة للترحيل فقط لأنه تكلّم ضد قتل العائلات والأطباء والصحفيين الفلسطينيين".
وأضافت: "خلال أقل من شهر، سنستقبل طفلنا الأول. وحتى نُلم شملنا، لن أتوقف عن المطالبة بعودة زوجي سالمًا إلى بيته".
استهداف منهجي لمعارضي إسرائيل في الجامعات
يأتي قرار ترحيل خليل في سياق حملة موسعة تقودها إدارة ترامب لمعاقبة الأصوات المناصرة لفلسطين في الجامعات الأميركية، إذ تم إلغاء تأشيرات طلاب آخرين، واعتُقل باحث من جامعة جورجتاون بسبب آرائه المنشورة على وسائل التواصل بشأن حرب غزة، كما جرى ترحيل أستاذ من جامعة براون لحضوره جنازة أمين عام حزب الله في لبنان.
ورغم أن إدارة ترامب تروج لهذه الإجراءات كوسيلة لحماية "الطلاب اليهود"، فإن بعض الطلاب والأساتذة اليهود في جامعة كولومبيا اشتكوا من مضايقات أو تهميش بسبب دعمهم للقضية الفلسطينية، في مؤشر على أن الاتهامات بـ"العداء للسامية" تُستخدم أداة سياسية أكثر منها حماية حقيقية.