02-فبراير-2016

جون لوك نانسي

يستعرض الفيلسوف الفرنسي جون لوك نانسي (بوردو 1940) في هذا النص المكثف واللاّذع موقفه من الوضعية الراهنة في فرنسا، على ضوء النقاش العمومي والجدل السياسي الذي أثارته قضية إسقاط الحق في الجنسية عن المتهمين في قضايا الإرهاب، والتي دفعت بوزيرة العدل كرستين توبيرا للانسحاب من الحكومة معتبرة مشروع التعديل مساسًا بقيم العدالة ومبادئ اليسار. يلخّص نانسي امتعاضه من التدني الحضاري الذي بلغه بلده معلنًا بداية نهاية حضارة شاخت، حضارة على حافة الانهيار.


نبتت في فرنسا، هذا الموطن الكهل المصدوم، البلد الأكثر مركزية، والموسوم بصورة قوية عن نفسه، فكرة "إسقاط الحق في" (déchéance) هذه. إنّ قوة هذه الفكرة لافتة، فهي قادمة من كلمة "نفاية" (déchet) التي نسمعها في نبرتها. فعندما يُسقط عنا الحق نصبح نفاية. لقد وُجدت من قبل عدد من الآليات القانونية لوسم أحدهم بعدم الاستحقاق. "إسقاط الحق في الجنسية" ليست إلاّ طريقة لطبع هذه الإمكانية بكلمة مذلة بجلاء. تعني هذه الفكرة أيضًا أنّ لهذه الجنسية نقاوة محتملة واستقامة تمكنها من رفض موضوعات مقزّزة وتمنحها كلّ الشّرعية من أجل القيام بذلك.

لقد أُرجعنا بضغوطات قوية للغاية إلى كلّ هذه الحلقات المتعلقة بالتوجيه والهوية والاعتراف، لأنّ الأمور بكلّ بساطة لم تعد سائرة البتة في المنحى الذي كنا منشغلين بالتفكير فيه من عشرين سنة خلت، نحو التقدم. لقد ساءت الأوضاع أكثر، بناءً على انتقال شديد التجبر، يتجاوز كلّ ما يمكننا ضبطه سياسيًا وفكريًا وفلسفيًا حتى. قد أقول أنّنا نعيش نهاية حضارة. بعبارة أخرى، لقد دشّنا شيئًا سيأخذ خلال القرنين المقبلين شكل بداية حضارة جديدة.

إنّنا في الوضعية التي كان عليها الإنسان الرّوماني خلال القرن السادس من حقبتنا: تائهون تمامًا قبالة كلّ ما يختفي. وحدهم المسيحيون كانوا يرون في هذا الانهيار إشارة من الله، مثل القديس أوغسطين. لكن الآن لم يعد بمقدورنا اكتشاف أيّ علامة إلهية في الأمر. بيد أنّ الذين أرادوا، على النقيض من ذلك، أن يروا في الأمر علامات انحطاط، مثل هيدغر، كانوا دائما يُكذَّبون لأنّ التاريخ أكثر التواءً. نحن اليوم في خضمّ الارتطام، ولم نعد نعرف ما نصنع. إنّ إسقاط الحق في الجنسية بلاهة بارعة، وهي ردّة فعل على كلّ هذا.

لا يرى الناس أبدًا التاريخ الذي يُقتادون إليه، لكن حان الوقت لكي نفتح الأعين قليلًا، ونعي أنّ الأمر يتعلّق بتغيير عميق جدًا. من الضروري إعادة التفكير في المشترك والعيش معًا، في هذه الكلمات التي أضحت لها صبغة التحلية؛ إعادة التفكير في كيفية تواجدنا داخل العالم. والتفكير كذلك في أنّ عددًا من المواقف تبلى. لقد انهارت الملوكية، وهي التي سمحت بقيام الثورة الفرنسية، لأنها كانت قد أصبحت بالية. وما خلّفته الثورة الفرنسية، أي الجمهورية -وبمعنى أوسع حضارة كاملة- أصبحت بدورها اليوم بالية. يصعب على الناس قبول الشيخوخة، وهذا أصعب وقعًا على الشعوب والحضارات. "إسقاط الحق في" هو السلاح اليائس لأولئك الذين لا يمكنهم تصوّر ذلك.

اقرأ/ي أيضًا:

يا عزيزي كلنا "نصوص"!

فزاعة "ما العمل؟"