12-ديسمبر-2015

(صالح مكاوي/Getty)

نعم لكلٍّ من اسمه نصيب. لكنّ لكلّ "زينب" نصيب مضاعف من الجنوبيين اللبنانيين خصوصًا. يكفي أن تكون معك "زينب" لتختلف النبرة، ليختلف التعامل، ليختلف الاستقبال، ليختلف كل شيء. وتكرّم صراحة ومجاهرة على شرف الاسم.

لا يخفى على أحد ما لهذا الاسم من قيمة تاريخية وقدسيّة عند الجنوبيين خصوصًا. لكن يستغرب مدى الإجلال والاحترام لكل حاملي هذا الاسم. فيصبح كل من يرافق زينبًا، مبجّلًا ومؤهّلًا بأضعاف. هذا لا ينفي كرم الضيافة والتّأهيل إن لم يكن هناك من زينب. لكن، فلنعترف بحقيقة الأمور، فكلّما اتّجهت جنوبًا وبخلاف ملّتك، يبقى لهذا الاسم وقع سحري، يدفع بالناس لتعاطف نوعي معك.

ولنا من أسمائنا في هذه البلاد كلّ النصيب. لأسمائنا في لبنان حالة خاصة. فهي الهوية الأساسية. في لبنان، لطالما كان هناك جدل كبير ومطالبات كثيرة، لعدم ذكر الطائفة على الهوية. وبالفعل، فبطاقات الهويّة الجديدة (التي أصدرت منذ عشر سنوات وأكثر) ليست فيها أية إشارة لدينٍ أو مذهب. لكن بكل الأحوال، فهذا الأمر لا يغيّر في الواقع كثيرًا. واقع أنّك لست بحاجة لذكر طائفة ولا ديانة على الهويّة. فالاسم هو البوصلة، بوصلة الملّة والمذهب. وفي بعض الأحيان دليلك إلى الميول الحزبية. ففي الجبل (جبل لبنان) مثلًا، يقرأ البعض في أسماء الأبناء إذا ما كان هذا البيت قوميًّا (سوريًا) أو اشتراكيًا (حزب وليد جنبلاط). نعم لهذا الحد وأكثر، فهذا البلد منخور بتقسيمه وتصنيفاته حتى العمق. حتى أسماؤنا، فبعض الأسماء حيادية ولكن في الغالب، لا يخلو بيت شيعي من حسن أو حسين أو علي أو زينب وجواد. لا يخلو بيت سنّي من محمد وفاطمة. لا يخلو بيت درزي من نضال وخضر. على سبيل المثال لا الحصر طبعًا. وبالطّبع طوني وماري وجوزيف هم دلالتك إلى العائلات المسيحية.

بمجرّد سماع الاسم في لبنان يُفرز أوتوماتيكيًا صاحبه ويصنّف طائفيًا ومناطقيًا!

في هذا البلد "الكنكون" كم يسهل تمييزنا. والتّمييز لعبة يجيدها اللبناني أكثر من سواه. إن لم يكن باسمك فباسم عائلتك، فبمجرّد سماع الاسم، يُفرز الاسم أوتوماتيكيًا في مكان ما في رؤوسنا وعليه في ثوانٍ قليلة، تكون النتيجة حاضرة بالتفاصيل المناطقيّة والعقائدية وتُدْرس شجرة العائلة من جذورها. فبحسب المعاملة الرّسمية الّتي أنت بصدد إنجازها، وبحسب الجهة الّتي تتعامل معها قد تشكر الرّب لأن اسمك حسين وفي أماكن أخرى تشكر الرّب لأن اسمك عمر. وتضيء الشموع "للعدرا" لأنهم أسموك جرجس. ولكن وعلى المقلب الآخر، ستعاني ما تعانيه إن حملت الاسم الغلط في المكان الغلط، وتلعن السّاعة الّتي حملت فيه هذا الاسم أو ذاك.

مازلت أذكر جيّدًا كيف كانت جارتنا أم فؤاد في الحي القديم ترجو جاراتها بألّا ينادوها باسمها الحقيقي "أميّة" لأنّه ما إن يرنّ هذا الاسم في أذني جارتها السبعينية، حتّى تنزل اللعنات على أميّة، جارتنا، وبني أميّة وسلسفيل جدود أميّة.

ف "أسامينا" الّتي أخبرتنا فيروز بأنّ "أهالينا تعبوا تا لاقوها"، في الحقيقة، نجد بأنّهم لم يتعبوا كثيرًا ولم يحتاروا كثيرًا في الاختيار إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حصرية الأسماء الخاصّة بكل ديانة وكل طائفة. إلّا إذا ما استثنينا بعض الجيل الجديد التوّاق إلى الأسماء الغريبة، وتجده في سباق دائم للتفتيش عن أسماء جديدة أو العودة بالتّاريخ ونبش أسماء قديمة جدًّا لتحقيق هذه الغاية لأن ابنته أو ابنه يجب أن يحمل اسمًا مميّزًا ولا تليق به أو بها الأسماء المتداولة. الطائفية؟ هذا خارج الحسابات. تحصيل حاصل!

اقرأ/ي أيضًا:
ثقافة الترحيب في ألمانيا بين الأخلاق والاستشراق
كوريا الجنوبية ومعجزة نهر "الهان"