14-أبريل-2017

تقاليد الأعراس اللبنانية تقاوم النسيان (جوزيف عيد/أ.ف.ب)

تطوّرت أساليب الحياة فتغيّرت مظاهر الاحتفال وإن ظلّ جوهرها الفرح. انفتحت المجتمعات على بعضها بفعل الاحتكاك والتواصل، فتحوّلت الطقوس من الخصوصية إلى العمومية لتشترك بمراسمها وترسم خطوطاً عريضةً تتقاطع معها احتفاليات البهجة، بما فيها الأعراس التي تُشْهر دخول الثنائي قفص الزوجية أكان ماسيًا أم ذهبيًا أو حتى برونزيًا.. تبعًا للظروف الاقتصادية المتفاوتة.

تمتد الأعراس اللبنانية على 3  أيام وأحياناً أكثر، تواظب خلالها نسوة الحي على القدوم إلى منزل أهل العروسين لتقديم المساعدة

وإن كان التطوّر الانسيابي للمجتمع اللبناني أخرج معظم التقاليد من حكم الإلزامية ليجعلها بالمجمل اختياريةً لمن استطاع إليها سبيلًا، فإن الحِلّ منها دفع البعض إلى التمسّك بها من باب الأصالة والحفاظ على البيئة الأصلية كإرث للأجيال يشجّعها على التمسّك بهويتها في مواجهة مدّ النسخ واللصق، الذي جعل من التطابق حالةً نافرةً تستلزم البحث عن أسرار الماضي بهدف التمايز عبر تقديم الجديد ـ القديم.

اقرأ/ي أيضًا: العرس الجزائري.. طقوس تقاوم النسيان

حفلات الزفاف في لبنان خضعت لـ "باكيدج" موحّد أخرجها في العقدين الأخيرين عن سياقها المتعارف عليه. أبعدها عن العادات المحليّة التي لا تتشابه بدورها تماماً بين طائفة وطائفة، بين بلدة وأخرى، بين المدن والقرى، وبين البيوت المتواضعة والقصور الفخمة. حيث سادت، مع تطوّر طفيف بين عقد وآخر من القرن الماضي، ولفترات طويلة أشكال مختلفة من عادات الاحتفال بالزواج لتعبّر عن زمن الانغلاق النسبي للمجتمعات على بعضها البعض.

لكن زمن الانبهار بالحفلات الصاخبة، المرسومة "على المسطرة" تحت إشراف شركات خاصة بتنظيم الأعراس "فصّلت" معظم الاحتفاليات على مقاسٍ ومظهرٍ واحد، خفت بريقه نسبياً. فمعظم المقبلين على الزواج ضاقت أمامهم خيارات التمايز في عروضات الفنادق والمنتجعات حيث تُقام غالباً المناسبات. وأمام غلاء التكاليف التي لامست "اللامنطق"، بل وتجاوزته في كثير من الأحيان، وجدوا في الحفلات العائلية "المختصرة" والمقتصرة على عدد محدود من المعارف والأصدقاء بديلًا "أوفر" لا يزيد الأعباء على كاهل حياة مستقبلية يدخلونها مثقلة بالديون والقروض التي تُستدان لإقامة العرس وحده.

بعض هؤلاء ولتجميل حفل الزفاف راحوا يسألون عن أبرز العادات لـ "تزيين" العرس، والبعض الآخر كان قد حفظها أبًا عن جدّ، فعمد إلى تنفيذها كلّها أو بعضها ليكون الفرح "على الأصول".

وبما أن التقاليد اللبنانية في الأعراس كما أشرنا سابقًا تختلف بين القرى المتجاورة، ويزداد تفاوتها بموازاة البعد الجغرافي بين المناطق، فإن المتعارف عليه، بشكل عام، في تقاليد الأعراس اللبنانية هو امتدادها على ثلاثة أيام وأحياناً أكثر، تواظب خلالها نسوة الحيّ على القدوم إلى منزل أهل العروسين لتقديم المساعدة في تحضير المأكولات وبينها: الكبّة المحشوة والمقلية، هريسة القمح باللحم، أطباق الرز المغطاة بقطع الدجاج، التبولة، المقبلات التقليدية ومنها الحمص والبابا غنوج.. وتتزامن هذه التحضيرات في أيامها الأولى مع ارتفاع أصوات الموسيقى، ويحضر الطبل والمزمار لعزف الألحان المعروفة التي تشعل الأجواء وتحمّس الحاضرين على عقد حلقات الدبكة.

اقرأ/ي أيضًا: زواج الواحات.. طقوس مصر الشعبية

في منزل أهل العروس وقبل نحو أسبوع "يُصمد الجهاز" أي يتمّ عرض ما اشتراه أهل العروس من بياضات لابنتهم، فيتقاطر المدعوون وبيدهم الهدايا التي تُضاف إلى هذا الجهاز فيكون بينها مناشف، أغطية للأسرّة وللوسادات، ملابس نوم، "شراشف" مطرّزة أو مشغولة على السنّارة لتزيين الموبيليا والطاولات، ويواكب هذه الاحتفالية تقديم باقات الزهور للعروس على وقع الزغاريد.

تتزامن تحضيرات العرس في لبنان مع ارتفاع أصوات الموسيقى، ويحضر الطبل والمزمار لعزف الألحان المعروفة وتعقد حلقات الدبكة

بعد "صمد الجهاز" تجتمع النسوة والفتيات في أمسية مع العروس وصديقاتها تُسمى بـ"ليلة الحنة"، حيث "تُحنّي" بعض العرائس كفوفهن، فيما تكتفي أخريات برسومات ناعمة على اليد أو الكتف.

وفي الليلة التي تسبق العرس، يجتمع المدعوون، الذين غالبًا ما يكونون في القرى كل أهلها تقريباً، في منزل أهل العروس للاحتفال. وبعد أن يعلو صوت الموسيقى ويشرع الحاضرون بالرقص، يُسمع قرع الطبول من بعيد. فتخفت الموسيقى ويهدأ إيقاع الرقص لاستقبال العريس المحمول على الأكتاف. ثم يدخل برفقة أهله وأصدقائه ويستمر الاحتفال حتى ساعة متأخرة من الليل.

صبيحة اليوم الموعود، يبدأ نهار العرس بالتوازي في بيتي أهل العروس والعريس. حمام العريس الذي يكون فاتحة نهاره يتمّ في احتفالية خاصة تُقام في بيت أحد أقاربه أو أصدقائه، ويحضره عدد كبير من الشبان. وهو غالباً ما يكون على مرحلتين الأولى في باحة البيت حيث يتحلّق الحاضرون من حول العريس لتنفيذ المقالب المتفق عليها مسبقاً، دون علم العريس طبعاً، فيتم التناوب على فرك شعره بالبيض أو الزيت أو سائل الجلي، وضربه في بعض الأحيان على سبيل المزاح.

وبعد الحمام الهزلي، وهو أيضًا من تقاليد الأعراس اللبنانية السائرة بين الأجيال، يستحم العريس ثم يرتدي بدلته ويعود إلى منزل ذويه مزفوفاً بالورد ونثر الأرزّ وأصوات المزامير والزغاريد. وهناك تكون مائدة الطعام قد امتدت بأشهى المأكولات تذيّلها الفاكهة الموسمية.

العروس التي كانت استيقظت باكراً تستعدّ بمساعدة أحد خبراء التجميل. وبعد أن ترتدي فستانها الأبيض، تجلس على كرسيها الوثير في "الكوشة" أو "المرتبة" بالتعبير المتعارف عليه لبنانيًا. فيجتمع من حولها الأهل والأقارب، ثم ينزلونها إلى باحة المنزل لـ "جلوها" بالشموع المزّينة بالورد، وترداد الأغاني القديمة التي تمدحها وتُعلّي من شأن نَسَبها.

بعد الغناء والرقص ينتقل الحاضرون إلى "السُفرة" لتناول الغداء وفيه لائحة متطابقة مع غداء أهل العريس. ليعودوا بعد ذلك إلى الرقص والغناء حتى حضور العريس لأخذ العروس إلى منزل أهله.

تُحمل العروس عند وصولها لبيت زوجها لتلصق "الخميرة" على عتبته في دلالة إلى مهارتها بالطبخ وثباتها كثبات الخميرة على الجدار

في هذه الأثناء تُدفع النقوط في مكانَي الاحتفال. وهذا من أهم معالم تقاليد الأعراس اللبنانية، والنقوط عبارة عن هدايا مالية، تُساعد العروسين على تسديد ما عليهم من التزامات. وهي تُجمع إما في ظروف بيضاء، أو تُدَوّن على دفتر خاص، أو توضع مباشرة في صندوق زجاجي أو على صدر كبير ذهبي اللون ليتمّ القول أمام الملأ أن فلان قدّم هذا المبلغ وفلان دفع هذه القيمة.

عند حضور العريس وأهله سيرًا على الأقدام أو في موكب من السيارات، يُرافقهم جمع غفير من المدعوين. فتعلو الأهازيج عند دخولهم ويتقدّم العريس من عروسه ليرفع الطرحة التي غطّت بها وجهها ويقبلها من جبينها، فتُطلق الألعاب النارية ابتهاجاً والزغاريد تعبيراً عن الفرح.

وبعد توزيع الحلوى على كل الحاضرين، ينسحب العريس وأهله إلى مدخل البيت، لتتأبط العروس بعد بضع دقائق يد والدها وكبير عائلتها وتخرج معهما إلى حيث يتواجد العريس فتُسلّم إلى والده وكبير عائلته بحزن تنهمر معه دموع فراق بيت الطفولة.

في منزل أهل العريس تُحمل العروس وفق تقاليد الأعراس اللبنانية عند وصولها لتلصق "الخميرة" أي العجينة على عتبته في دلالة إلى مهارتها بالطبخ وثباتها في منزلها المستقبلي كثبات الخميرة على الجدار. ثم تتوجّه إلى منزلها الزوجي محمولةً على راحتي زوجها لكي لا تتعثر، فتتعثّر حياتهما.  

اقرأ/ي أيضًا: 

"الزفة المغربية"... إرث المهاجرين في فرنسا

هناهين الأعرس وزغاريدها.. طقوس الغواية ولهيب الحرب