09-فبراير-2016

صورة أرشيفية لأساتذة الجامعات المصرية في إضراب 2008( Getty)

في مدرج كلية الإعلام بجامعة القاهرة، طلب أستاذ الصحافة من طلبته أن يذكروا اسم شاعرة عربية أثَّرت فيهم، فاندفع أحدهم وعلى نبرة صوته علامات السبق والثقافة والعمق: "أمل دنقل يا دكتور". كان ذلك في كانون الأول/ديسمبر 2014، يومها قرَّر الطالب الهمام أن أمل دنقل سيدة، وشاعرة، وقد قرأ لها، وأثَّرت فيه، وغيّرت مسارات حياته.

تتجسّد عقدة "نقاد الأدب" في تجربة أساتذة الجامعة المصريين، فشلوا في دخول المهنة، أي مهنة، من الباب المفتوح فانقلبوا عليها

ورغم أن المكتبة المركزية للجامعة، التي يأتي إليها الطلاب من عشرات الدول للاستعانة برسائل الدكتوراه والماجستير والكتب الأصلية النادرة في مبناها الفخم، على بعد خطوات من كلية الإعلام فإن لا أحد يزورها، هي فقط مميزة وبارزة عند تحديد لقاء ما: "نلتقي عند المكتبة المركزية، اتفقنا؟".

ورغم أن المكتبة المركزية ثرية وضخمة، والأبحاث المطلوبة من طلبة الجامعة كثيرة جدًا وفي مختلف المواد. يطلب الأساتذة من الطلبة تطوير قدراتهم والقراءة والاستفادة من بحوث وكتب خارج المنهج، لكن لم أرَ أستاذًا منهم يطوّر نفسه، لا يزال الدكتور فلان الفلاني يدرّس كتابًا أصدره عام 1999 حتى الآن.

ما الذي تغير من عام 1999؟

كان باعة الجرائد يتجولون في الشوارع هاتفين: "أهرام، أخبار، جمهورية"، والصحف الثلاث هي الموجودة في مصر، بينما في 2016، تجد صحف المصري اليوم والوطن والدستور والبوابة والبديل والتحرير والمقال، وعشرات الجرائد والمجلات والدوريات والإصدارات، التي لا أحد يشتريها، فأكثر صحيفة في مصر توزّع 80 ألف نسخة يوميًا فقط، في بلد يناهز عدد سكانه 100 مليون مواطن.

عام 1999، كان الكمبيوتر ضخمًا، والدنيا ضيقة. والآن، الدنيا واسعة، والكمبيوتر صغير. كانت مقالات الكتاب الكبار، فقط، التي يمكن أن تغير شيئًا في قرارات الدولة، وفي 2016، خرج حسام بهجت من الحبس بسبب حملة على تويتر وفيسبوك، وهناك من يدخل السجن بسبب "تويت" من 140 حرفًا.

تتجسّد عقدة "نقاد الأدب" في تجربة أساتذة الجامعة المصريين، لم أختبر تجارب أساتذة من دول أخرى، فشلوا في دخول المهنة، أي مهنة، من الباب المفتوح فانقلبوا عليها. قال لي أحدهم: "قرأت في كتاب الدكتور فلان الفلاني جملة: "عام 1998 سيتحول العالم إلى قرية صغيرة بفضل الإنترنت، الذي يخطو خطواته الأولى في مصر)".. جملة من الفصل المقرر في الامتحان من كتاب صدر عام 1995، ويتنبأ أن تدخل مصر عصر التكنولوجيا، وتختفي الصحف، وتحل المواقع الإلكترونية محلها، ويصبح نقل الأخبار لحظة بلحظة، وتدخل خدمة "الرسائل القصيرة"، إن شاء الله، كل العالم!

ستراجع درسك، وتنجح في الابتدائية والإعدادية والثانوية، و"يطلع دين أمك" من أجل الحصول على مجموع تدخل به "كلية قمة"، ستقابل أساتذة جهلة، كان كل همهم الدراسة، أفرغوا كل طاقاتهم المكبوتة في كتب المدرسة والكلية، هجروا متاع الدنيا والبنات، والسجائر، و"البيرة"، و"البلاي ستشن"، وأفلام "دي كابريو"، واختاروا القالب المثالي للطفل المثالي في بلد ليس مثاليًا، والقالب نفسه مشوّه، ولا يخرج إنسانًا سويًا، إنما دكتاتورًا جاهلًا يفرغ حرمانه وطاقته المكبوتة وجهله وثقل دمه وادعاءه في طلابه.

هل قابلت أستاذ جامعة اليوم؟.. ربما يكون الطالب الذي قال إن "الشاعرة العربية، أمل دنقل، أثَّرت فيه وغيرت مسارات حياته". أمسك هذا الطالب السلك من أوله، والآن هو معيد بالجامعة، وبدأ تجهيز أوراق الدكتوراه.. "الله يوفقه ويرازي جيل وراء جيل وراء جيل"!

اقرأ/ي أيضًا:

لماذا تكره الحكومة اتحاد طلاب مصر المنتخب؟

الاختفاء القسري في مصر.. تنكيل السلطة بالطلاب