قد تتحول الصراعات المجمّدة فجأةً إلى صراعات ساخنة دون سابق إنذار. ينطبق ذلك، حسب "الغارديان"، على صراع الكوريتيْن، فعلى مدى 3 أرباع القرن، منعت الهدنة ـ وليست معاهدة السلام ـ كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية من تمزيق بعضهما البعض، وقد دعمت الدولتان المساندتان لهما (الصين والولايات المتحدة)، حالة الحرب الباردة الراهنة بين الجارتين.
لكن اللحظة الحالية حرجة بالنسبة لصراع الكوريتيْن، وتهدد بنشوب صراع مدمّر بينهما. لكن وللمفارقة ـ ليس السبب في ذلك أنّ دولة كيم جونغ أون المنعزلة والفقيرة تنهار، كما كان متوقعًا في كثير من الأحيان، في الدوائر الغربية ـ بل إن السبب في ذلك هو أن كوريا الشمالية، المدعومة من حلفاء جدد كروسيا وإيران، تعيش حالة من "الصعود" في وقتٍ تعاني فيه كوريا الجنوبية من انهيار عام شديد نتيجةً للأوضاع الداخلية المحتقنة من جهة، وعودة ترامب التي تُنذر بمزيد من السلبية تجاه هذا الحليف، من جهة أخرى وفقًا لـ"الغارديان".
في تحدٍ لعقود من العقوبات، بنت كوريا الشمالية ترسانةً هائلة من الصواريخ والرؤوس الحربية النووية. وبفضل تحالفٍ أمني جديد مع روسيا وعلاقاتٍ مع إيران، وبتسامحٍ ومساعدات من الصين، وتراخٍ متوقع من ترامب، أصبح نظام كوريا الشمالية المتمرد، على الرغم من كل الصعاب، يشعر بأنه في موقع أفضل من كوريا الجنوبية، كما أصبح أكثر شراسةً في التعبير عن تهديداته العسكرية. ففي الأسبوع الماضي، زعم كيم جونغ أون أن الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان "تخطط لهجوم نووي وأعلن عن استراتيجية مضادة أكثر صرامة وعدوانية"، فضلًا عن اختبار بيونغ يانغ في وقت سابق من العام المنصرم 2024 "صاروخًا باليستيًا عابرًا للقارات قادر على ضرب أي مدينة أمريكية" حسب الصحيفة البريطانية. كما أعاد كيم تسمية كوريا الجنوبية بـ"دولة معادية"، محطمًا أي أمل متبقٍ في إعادة التوحيد السلمي.
ارتفعت احتمالات نشوب صراع مسلح بين الكوريتين بشكل كبير جدًا خلال الأشهر الأخيرة
ويرى المحلل السياسي أندريه لانكوف أن الزعيم الكوري الشمالي "استفاد بشكلٍ واضح من العداء المتزايد بين الولايات المتحدة والصين وروسيا"، مضيفًا أنه "من الغريب أنه حتى مع تزايد تهديد كوريا الشمالية لجارتها في الجنوب وفرضها تحديًا عسكريا أعظم على الغرب، فقد اكتسبت المزيد من الاستقرار الاقتصادي وأصبحت أقل عرضة للضغوط الخارجية".
وأشار لانكوف إلى أن برامج كوريا الشمالية النووية والصاروخية "قد تكون خلال فترة ولاية ترامب الثانية استفزازية أكثر. ففي فترة ولايته الأولى، كان ترامب يتأرجح بين تقديم صفقات محببة والتهديد بإمطار النظام بالنار والغضب، والآن أصبحت العصا والجزرة أقل فعالية وأكثر خطورة، مع توسع ترسانة كيم" وفق تعبيره.
كما حذّر المحللان روبرت كيلي ومين هيونج كيم من أن "كوريا الشمالية التي تعدّ أقل شأنًا من حيث القوة العسكرية التقليدية، قد تستخدم أسلحتها الإستراتيجية والنووية. ولذلك هي تشكل تهديدًا نوويًا فريدًا من نوعه".
يضاف إلى ذلك ما حصل عليه الزعيم الكوري الشمالي من "غنائم" مقابل إمداد روسيا بالأسلحة والجنود أثناء الحرب الروسية الأوكرانية، حيث تضمنت أرباح كوريا الشمالية من هذه العلاقة المال والنفط والمساعدات الغذائية والأسلحة. فضلًا عن ذلك، فإن شراكة روسيا تحمي كوريا الشمالية من إجراءات عقابية متجددة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
أمام هذا الوضع، تشعر كوريا الجنوبية بقلق عميق من أن تكون هدفًا نوويًا لجارتها الشمالية، خاصةً أن سيول تمر بوقت عصيب، حيث تورطت في أزمة ديمقراطية ودستورية في أعقاب إعلان الرئيس يون سوك يول عن الأحكام العرفية في الثالث من كانون الأول/ديسمبر الماضي. ورغم عزله وإهانته، لا يزال يون في قصره يقاوم الاعتقال.
وعلى صعيد مواقف الحليف الأميركي، أجّجت "عشوائية السياسة الخارجية التي يتبعها الرئيس المنتخب دونالد ترامب" شكوك كوريا الجنوبية، نظرًا لتصريحاته حول ضرورة الحد من التدخلات العسكرية الأميركية في الخارج، بما في ذلك احتمال إغلاق القواعد العسكرية في كوريا الجنوبية.
ومن غير المستبعد، حسب "الغارديان"، أن يتخلى ترامب في أي صفقة مستقبلية بين واشنطن وبيونغ يانغ عن شرط نزع السلاح النووي، مما يسمح لكوريا الشمالية بالاحتفاظ ببعض الرؤوس الحربية.
أمام هذا السيناريو الخطير، تزايد الدعم المحلي، في كوريا الجنوبية، لضرورة الحصول على قوة ردع نووية يمكنها أن تضمن أمن البلاد بشكل مستقل عن التدخل الأميركي.
فعلى الرغم من أنّ السباق على التسلح النووي يقوّض الاستقرار الإقليمي، ويضر بالمعايير الدولية الرامية للحد من انتشار الأسلحة النووية، إلّا أن كوريا الجنوبية تجد نفسه في اختبار صعب، حسب "الغارديان"، يتمثل في الاعتماد على حلفائها أو اتباع مسار مستقل لتحقيق أمنها عبر الردع النووي.