باتت منطقة البحيرات الكبرى على شفا حرب إقليمية، بعد نشر أوغندا قواتها في إقليم إيتوري شمال شرق الكونغو، وتلويح بوروندي باتخاذ خطوة مشابهة، للتصدي لما تصفه بالأطماع الرواندية في دول المنطقة.
وجاءت الخطوة الأوغندية بنشر قوات في مدينة ماهاجي الواقعة في إقليم إيتوري الكونغولي، بطلب من السلطات الكونغولية، وفقًا لكيمبالي. لكنّ هذه الخطوة تسلّط الضوء على مشكلة طالما حاولت كينشاسا مواراتها، وهي الفرار المتواصل لقواتها من ساحات المعركة في مواجهة متمردي حركة "إم 23" المدعومة من رواندا. ويعيد مراقبون أسباب ذلك إلى الفساد الذي ينخر القوات الكونغولية، التي تتميز بكثرة عددها من جهة، لكن ضعف أدائها من جهة أخرى.
مشهد منطقة البحيرات الكبرى يزداد تعقيدًا
أكّد الجيش الأوغندي أن دخوله الأراضي الكونغولية جاء بالتنسيق مع الحكومة الكونغولية، بهدف دعم جهودها في القضاء على الميليشيات المسلحة، على غرار "تحالف القوى الديمقراطية (ADF)"، المتّهم من قِبل كينشاسا بارتكاب هجمات إرهابية.
الجيش الكونغولي الذي يصل تعداد قواته إلى نحو 200 ألف جندي، يعجّ بالفصائل المتناحرة على مصالحها الخاصة، كما ينخر الفساد قيادته وقاعدته على حدّ سواء، الأمر الذي جعل الجنود يعانون من تدني الرواتب ونقص التسليح.
ونقلت تقارير عن المتحدث باسم القوات المسلحة الأوغندية، فيليكس كولايجي، قوله إن القوات الأوغندية بسطت سيطرتها بالكامل على مدينة ماهاجي "ضمن حملة أوسع للقضاء على الميليشيات التي تهدد المدنيين".
إلّا أنّ هذا التدخل لا يمكن فصله بالمرة عما يجري في منطقة شرق الكونغو، حيث تتوسع قوات "إم 23" المدعومة من رواندا. فقد تزايدت في الآونة الأخيرة حدّة التنافس الإقليمي بين كيغالي وكمبالا على النفوذ في شرق الكونغو الغني بالموارد المعدنية، التي تثير شهية رواندا وأوغندا وأطراف إقليمية ودولية أخرى.
في المقابل، لا يمكن أيضًا فصل "استباحة الأراضي الكونغولية" من قِبل الميليشيات والقوى الإقليمية، عن الوضع المزري للجيش الكونغولي. فعلى الرغم من العدد الكبير لقواته، فإنه فشل في الصمود أمام حركة أقل منه عتادًا وعددًا.
أسباب ضعف الجيش الكونغولي
سلّطت صحيفة "نيويورك تايمز" الضوء على مفارقة تواتر انسحاب القوات الكونغولية أمام متمردي "إم 23"، في أكثر من مواجهة شرقي الكونغو، الذي اجتاحه المتمردون في غضون أيام قليلة.
وبحسب تقرير الصحيفة الأميركية، الذي أعدّته روث ماكلين، فإن الجيش الكونغولي، الذي يصل تعداد قواته إلى نحو 200 ألف جندي، يعجّ بالفصائل المتناحرة على مصالحها الخاصة، كما ينخر الفساد قيادته وقاعدته على حدّ سواء، الأمر الذي جعل الجنود يعانون من تدني الرواتب ونقص التسليح.
وتنقل الصحيفة عن خبراء في التاريخ العسكري للمنطقة، قولهم إنّ سبب هذه الحالة يتمثل في أن الرؤساء الذين حكموا البلاد طيلة العقود الماضية حرصوا على جعل الجيش ضعيفًا، خوفًا من الانقلابات العسكرية.
وعلى الرغم من محاولات الرئيس الحالي، فيليكس تشيسيكيدي، إحداث إصلاحات داخل المؤسسة العسكرية وتطويرها لمواجهة المخاطر المحدقة بالبلاد، فإن جهوده لم تثمر، إذ كانت النتيجة فرار القوات المتواصل من جبهات القتال أمام "حفنة" من المتمردين المدعومين من رواندا، لكنهم مدرّبون تدريبًا جيدًا ومسلّحون بأسلحة حديثة، حسب "نيويورك تايمز".
ويواجه تشيسيكيدي، بفعل هذا الواقع، شبح الإطاحة به، إما من طرف المتمردين، أو عبر ثورة شعبية، مع الإشارة إلى أنه بدأ يخسر الدعم الدولي القوي منذ أيام.
واعترف الرئيس الكونغولي، في مقابلة مع "نيويورك تايمز"، بالوضع المزري لقوات بلاده، قائلًا إنّ مشكلة الجيش تكمن في أنه "مخترق من قِبل أجانب"، محمّلًا المسؤولية للرئيس السابق، الذي حكم البلاد 18 عامًا، دون أن يقوم بإصلاحات للاختلالات الواضحة في المؤسسة العسكرية. وادّعى أنه "بدأ عام 2022 في إصلاح وإعادة بناء الجيش، لكننا تعرضنا على الفور لهجوم من رواندا، كما لو كانوا يريدون منع الإصلاحات"، وفق تعبير تشيسيكيدي.
يشار إلى أنّ الجيش الكونغولي يتحالف مع "مرتزقة أوروبيين وجماعات مسلحة تُعرف باسم وازاليندو، أي الوطنيين"، لكن اللافت للانتباه، حسب نيويورك تايمز، أنّه في أكثر من مرة تقاتل جنود الجيش مع حلفائهم من وازاليندو على الإمدادات والرشاوى التي ينتزعونها من السكان.
وتسلط تلك الأعمال الضوء على مشكلة أخرى، وهي تدني رواتب الجنود، الأمر الذي يدفعهم إلى ابتزاز المدنيين عبر نصب حواجز تفتيش.
يعمل الجيش الكونغولي كما لو كان جماعة مسلحة
وتنقل "نيويورك تايمز" عن الباحث في مجال السلام والعنف في المعهد الدانماركي للدراسات الدولية، بير شوتن، قوله: "إن الجيش الكونغولي يعمل، في الحقيقة، كما لو أنه ميليشيا".
ويبدو أن الإجراء الذي اتخذه تشيسيكيدي عام 2023، بمضاعفة ميزانية الجيش لتصل إلى 761 مليون دولار، لم يكن كافيًا للتغلب على مشكلة تدني الأجور، بسبب الفساد الذي ينخر جميع مستويات الجيش. علمًا بأن تلك الميزانية تفوق بأضعاف الميزانية المخصصة للجيش الرواندي، حيث لا تتجاوز ميزانيته 171 مليون دولار.
تطورات الميدان
تواصل حركة "إم 23" حصار بلدة أوفيرا القريبة من الحدود مع بوروندي، فيما تستمر في التوغل شمالًا وجنوبًا، في ظل الانسحابات المتكررة للقوات الكونغولية.
كما سُجّل في مدينة بوكافو، عاصمة إقليم جنوب كيفو بشرق الكونغو، تراجع الجنود الكونغوليين في أرتال طويلة، وذلك حتى قبل مهاجمة متمردي "إم 23" للمدينة.
يذكر أنّ حركة "إم 23" تقوم في مدينة غوما بإعادة تدريب مئات الأسرى من الجيش الكونغولي لإلحاقهم بصفوفها، بالإضافة إلى مئات آخرين من أفراد الشرطة الذين استسلموا للحركة وأعلنوا انضمامهم إليها.