18-أغسطس-2017

درس في الحساب للأطفال في درعا زمن الحرب (محمد أبازيد/أ.ف.ب)

يتبادل السوريون الآراء حول التعليم في أماكن اللجوء فهم خرجوا من بلدهم هاربين بهؤلاء الصغار الذين أبعدتهم الحرب عن مدارسهم وأماكن لعبهم، ولكن ما يثير الاستغراب هو إجماع الأغلبية منهم خصوصاً أولئك الذين لجؤوا إلى دول الجوار الشقيقة على جودة التعليم في بلدهم بالرغم من الانتقادات الحادة التي كانوا يكيلونها له أثناء حالة السلم.

يشكو السوري اللاجئ في لبنان من غلاء أقساط الدراسة أو عدم قبول أبنائه للتعليم في إحدى المؤسسات التعليمية

في مصر مثلاً يشكو السوري من طريقة التعليم والمنهج، والمدارس غير المهيأة فأغلبها يعاني من قلة النظافة والساحات الترابية، ولذلك يضطر للذهاب بابنه إلى التعليم الخاص مع أن الحكومة المصرية أقرت قوانين تساوي بين السوري والمصري في الصحة والتعليم، وفي لبنان يعاني اللاجئون من عدم إمكانية تعليم أبنائهم إما لغلاء أقساط الدراسة أو عدم قبول أبنائهم، وفي الأردن يختلف منهج التعليم وطريقته ومنهاجه. لكنها الحرب، كما يقول (م.س)، التي دمرت المدارس في سورية، وحولتها إما لثكنات عسكرية أو مراكز اعتقال أو إيواء للنازحين الهاربين من مناطق الحرب.

اقرأ/ي أيضًا: اللاجئ السوري والحق في التعليم

الأضرار حسب أرقام النظام

بحسب تقارير صادرة عن حكومة النظام عام 2016 فإن أضرار القطاع التربوي تقدر بحدود 235 مليار ليرة سورية، وقد بلغ عدد المدارس المتضررة خمسة آلاف مدرسة، وأكثر المحافظات تضرراً هي إدلب بحدود 772 مدرسة، تلتها حلب 301 مدرسة، فيما تستخدم 1889 مدرسة كمراكز لإيواء النازحين، وقيمة أضرار القطاع التربوي ما يقارب 170 مليار ليرة سورية.

بحسب نفس التقرير، يوجد حالياً حوالي 17486 مدرسة تستوعب أربعة ملايين و250 ألف طالب..هذا عدا عن خروج كوادر تعليمية كبيرة من أساتذة ووكلاء معلمين ومختصين تربويين خارج إطار العمل، إما هربوا أو قتلوا أو اختفوا.

وبحسب تصريح لنقيب المعلمين في سوريا فإن نحو 70 ألف معلم استقالوا خلال الأزمة من أصل 420 ألفاً، وأن عدد القائمين على رأس عملهم حالياً بلغ نحو 350 ألف معلم. ويبدو تعبير (استقالوا) الذي جاء في تصريح النقيب هروباً من حقيقة ما يجري من فظائع بحق القطاع التعليمي الذي استهدفت بنيته التحتية ودمرت بشكل كبير في مناطق تواجد المعارضة.

دروس الكهوف والأقبية

في مناطق المعارضة السورية، سويت أغلب المدارس بالأرض ولم تقوَ المعارضة على إيقاف انهيار العملية التعليمية

في الجانب الآخر من البلاد، حيث سويت أغلب المدارس بالأرض لم تقوَ المعارضة على إيقاف انهيار العملية التعليمية، وهذا ما جعل الكثيرين من معلمي تلك المناطق يذهبون إلى البديل وهو التعليم الأهلي البدائي.

في مناطق ريف إدلب والغوطة الشرقية وريف حلب وحمص أين لا تتوقف الحرب على أرضهم وفي سمائهم، كانت الأقبية والكهوف هي الملجأ الوحيد من القصف والمكان الأنسب لتعليم الأطفال مبادئ اللغة والدين.

وكذلك أسهم ضعف أداء المدرسين في إحجام الأهالي على إرسال أبنائهم لتلك المدارس، ويذكر تقرير صادر عن الحكومة المؤقتة أن عدد المعلمين في مدينة حلب 1400 معلم ومعلمة بينهم  12% ممن يحملون الشهادة الإعدادية كمحصل علمي، وهؤلاء يعملون إما تطوعاً أو من خلال أجور تتراوح بين 100-300 دولار شهرياً من أموال المنح التي كانت تقدمها مؤسسات وحكومات داعمة.

وفي بعض مناطق سيطرة المعارضة لا تزال الحكومة في دمشق تدفع رواتب المعلمين كما في الغوطة الشرقية في ريف دمشق، وبعض أرياف حلب ودير الزور وحمص، وكذلك يتقدم الطلبة إلى امتحاناتهم في مناطق النظام كما في الغوطة الشرقية مثلاً ثم يعودون إلى بيوتهم بعد انتهائها.

وأما الأطفال الذين انقطعوا عن العملية التعليمية فبقوا خارجها بسبب أعمارهم وحاجة الأهل إلى تشغيلهم، وشهدت السنوات الأربع الأولى انقطاعاً تاماً عن التعليم في أماكن كثيرة كانت تسيطر عليها المعارضة. أما مناطق سيطرة (داعش)، وجبهة النصرة فالعملية التعليمية متقطعة وتم فرض التعليم الديني على الأطفال، وحيّدت كتب الفلسفة والمنطق والتربية القومية من المناهج.

المعارضة ممثلة بالحكومة المؤقتة التي كانت تركيا مقرها مارست دورها من خارج البلاد، وفي عهدتها كما تبين تقارير وتصريحات لوزارة التربية 800 ألف طالب، ولم تكن على تواصل مع كوادرها في الداخل وهذا ما أضعف دورها الذي بقي في حدود الدعم المالي البسيط، ولكن دخولها في السنة الأخيرة إلى مناطق المعارضة أسهم ولو قليلاً في إشرافها عن قرب على هذا القطاع الحساس، وهي تعاني حالياً من ندرة الدعم في ظل التبدلات السياسية الحالية بمواقف الداعمين عموماً.

اللغة الأم.. الكردية

في مناطق سيطرة الأكراد في الشمال السوري، فرضت ما تسمى "الإدارة الذاتية" التعليم باللغة الكردية، وفرضت منهاجاً جديداً بعد حذف المنهاج الذي كان معمولاً به، ودربت كوادر تدريسية لهذا الغرض، وهذا ما أدى لتهديد النظام بإغلاق المدارس التي تعتمد هذا النمط الجديد وسحب كوادره التدريسية وإيقاف الرواتب بينما ترى الإدارة الذاتية أن من حق الأكراد التعلم بلغتهم الأم.. إلا أن المناكفة لا تزال قائمة والأكراد ماضون بمشروعهم التعليمي والسياسي.

اقرأ/ي أيضًا: التعليم باللغة الكردية

في مناطق سيطرة الأكراد، فرضت الإدارة الذاتية التعليم باللغة الكردية وغيرت المناهج بما يتلاءم مع مشروع سياسي كامل

التعليم جزء من الحرب

لم يكن التعليم في سوريا إلا جزءًا من الحرب، وأحد أهم وسائل ضغط الأطراف على بعضها في هذا الصراع الدموي، وفي مشاريع التقسيم التي تطل برأسها الآن، يبدو قطاع التعليم أحد أكبر المتأثرين والفاعلين فيها، وأحد مؤشرات التغيير الكبيرة في طبيعة المجتمع السوري الذي عاش على التآلف اجتماعيًا وتربويًا.

النظام في سوريا رغم كل هذا الحراك الكبير على المستوى السياسي والفكري إلا أنه لم يغير سياسته التربوية بل على العكس تشدد بها، ولهذا لا تزال المناهج تورد بحوثاً واسعة عن الاشتراكية وحتمية الحل الاشتراكي بعد أن تخلى هو عن المادة الثامنة من الدستور التي تنص على أن (حزب البعث هو القائد للدولة والمجتمع)، والاشتراكية هي أحد أهدافه التي يستشهد بها الطلاب صباح مساء بعد ترديد نشيد الوطن. (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة).. أهدافنا: (وحدة حرية اشتراكية).

فكرة اللباس الواحد، التي استوردها النظام زمن العلاقات الوطيدة مع الاتحاد السوفيتي السابق، لا تزال حاضرة أيضًأ في طوابير الصغار في الاجتماع الصباحي، أما منظمة (طلائع البعث) التي كان من المقرر إلغاؤها فهي من يوجه الأطفال سياسياً تحت شعارات فضفاضة فيما كان الأولى أن تكون الأموال المهدورة على مؤسساتها في صالح حديقة ألعاب متطورة، أو تطوير مناهج  تعليمهم الحياة التي تليق بطفولتهم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

نظرة إلى التعليم الأساسي والثانوي في سوريا

تركيا.. السوريون يلتحقون بالثانويات المهنية