19-مارس-2019

مقطع من لوحة لـ مهند عرابي/ سوريا

في ساعة متأخرة من الليل، سيباغتك شوق قديم، ستشعرين بالبرد، وستنظرين من النافذة، ستحرك رياح خفيفة ستائرك، سترسل لك كل الأسماء، كل الحكايا، كل الكلمات الناقصة التي كنت تبحثين عنها، سترسم لك جبلًا بعيدًا، تتكثف الأشجار في إحدى زواياه، وينحدر مجرى السيل عند كتفه الأيسر، وفي قلبه تنور قديم يحتضن الخبز والدفء والحكايا، كل الصور التي أفلتت من مخيلتك في يومك حتى أنهك جسدك، كل المشاهد التي تسربت إليك في نومٍ عميق.

في ساعة متأخرة من الليل سيباغتك برد قديم، ستحتكّ عظامك ببعضها، سيغرق وجهك بين كتفيك، وستنبت مسامات جلدك مثل قبب الطين في منازل الأولين، في ساعة متأخرة من الليل سيباغتك جوع قديم لرضاعة حليب خيالي اسمه الحلم، حلم يكاد يصدع رأسك، حلم من لون أزرق، حين لم نكن نعبأ باللغة، يعيدنا إلى نقطة أقرب للبدء، حين كنا لم نغادر البحر بعد.

في حياة أخرى كنا نجومًا وكانت لغتنا الضوء، كان عليّ أن أسافر ملايين السنين لأرى انعكاس العالم يعبر عينيك.

إنها ذاتك، تلك الحقيقة الهاربة التي كلّما اكتملت زادت نقصانًا. الحقيقة رهن الخيال الذي يحبّها، الخيال الذي يهاجر عكسًا خلف مواطن اللغة، هناك حيث لا وجود، خارج اللغة، خارج حدود الكلام، خارج أسوار المفاهيم، هناك حيث تحط المجازات فوق كتفك الأيسر، حيث تنبت من سرتك المعاني ويتغير شكل وجهك عند كل اشتقاق، هو قلق يسبر عمق الشقوق التي فسّخت صخور وعينا، وسعي الكلمات لِمعانٍ جديدة.

خذي بيدي وأنت ترقصين، وأنت تسكتين ضجيج العالم بارتطام كعبك فوق أرض خشبية، هناك حيث المشهد بأكمله من خشب يحترق، هناك حيث تطير القصائد على ارتفاع خصرك، حيث تضحكين فتلوح الكلمات مثل حقول الكرز، وحيث يميل جسدك إلي فيزهر اللوز ويغطي مساحات القلق المتراكمة بين أنفاسنا.

خذي بيدي حين ينسدل شعرك مثل ليل يهطل على قرية، خذي بيدي حين تغيب الموسيقى، وحين يشتعل الكلام، خذي بيدي حين تنبت بيننا صخرة، حين تنطفئ الأغاني، وحين ينقطع الكلام، خذي بيدي حين تشتد المسافة بيننا، وحين ينمو الغياب.

خذي بيدي، مثل كل الكلمات التي تخرج هاربة من الأعصاب في رحلة البحث عن فكرة، مثل كل الألحان التي تعتريها رغبة بالرقص عبر جسدك، مثل مجازٍ يعتلي سقف اللغة، ومثل استعارة تعيد تشكيل العالم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

إلى: أنتم

الرضيع رسالة اللّه

دلالات: