15-أغسطس-2017

قوات الأمن المصرية خلال عملية فض اعتصام رابعة (آ.ف.ب)

بالأمس حلت الذكرى الرابعة على فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، ولا تزال حقيقة ما حدث محل بحث وتقصي واهتمام منصات ومنظمات تطالب بتحقيق العدالة فيما وقع ذلك اليوم. ثمّة جهات مستقلة تبنت نهجًا موضوعيًا في محاولة الاستقصاء وتقديم الحقائق والمعلومات حول أعداد الضحايا ذلك اليوم، وطبيعة تعامل الأمن المصري مع الموقف الميداني، وجهات اُخرى تبنت الموقف الرسمي، وتمسكت برواية الدولة وسلطاتها في فض الاعتصامين. وفيما يلي نقدم أبرز ما جاء من كلا الطرفين.

الرواية الرسمية المتضاربة

أوّل تمثّل للرواية الرسمية جاء في بيان وزير الداخلية آنذاك، محمد إبراهيم، والذي نشرت نصه صحيفة الأهرام القومية الرسمية، نفس يوم الفض، 14 آب/أغسطس 2013، إذ قال البيان إن قوات الأمن المصرية التي كُلّفت بفض اعتصامي رابعة والنهضة "التزمت بأقصى درجات ضبط النفس حفاظًا على الأرواح كافة "، زاعمًا أنّ قوات الأمن لم تبادر بإطلاق النيران إلا بعد أنّ بدأ الضرب من جهة المعتصمين، إذ قال ما نصه: "فوجئت قوات الأمن بقيام أعداد من المعتصمين باتخاذ تحصينات، وإطلاق الأعيرة النارية والخرطوش بكثافة تجاه القوات التي تحلت بأقصى درجات ضبط النفس".

ادعى بيان الداخلية أن قوات الأمن لم تبادر بإطلاق النيران في فض رابعة، إلا بعد أن بدأ الضرب من جهة المعتصمين

وفي مقابل تجاهله الإشارة الدقيقة إلى أعداد الضحايا من المعتصمين، إذ قال إنّهم "149 قتيلًا من عناصر الشغب في كافة المحافظات"؛ ركّز البيان على قتلى قوات الأمن ومصابيها، فقال إن عدد من قتلوا من قوات الشرطة 42، بينهم 17 ضابطًا و15 فرد أمن وتسعة مجندين وموظف إداري بإدارة شرطة نجدة الفيوم، فيما أُصيب 211 آخرين، بينهم 55 ضابطًا و156 فرد أدن ومجند.

اقرأ/ي أيضًا: في ذكرى رابعة.. هل من توثيق فيلمي يليق بالحدث؟

بيان الداخلية أضاف أنّ عدد الأسلحة المحرزة في ميدان النهضة 10 بنادق آلية و29 بندقية خرطوش وبعض واقيات الرصاص، أما في اعتصام رابعة العدوية، بإجمالي الأسلحة المحرزة 9 أسلحة، مع بعض الطلقات وواقيات الرصاص، وفقًا لرواية الداخلية المصرية.

وبعد ثمانية أشهر من فض الاعتصام، نشرت لجنة تقصي الحقائق التابعة للمركز القومي لحقوق الإنسان التابع للدولة، تقريرًا نشرت نصه الكامل صحيفة البديل، حول وقائع فض اعتصامي رابعة والنهضة، اتفق فيه مع الرواية الرسمية في ادعاء أن المعتصمين هم من بادروا بإطلاق النار على قوات الأمن، وأنّ الأخيرة أتاحت للمعتصمين ممرات آمنة للخروج، ووجهت النداء للمعتصمين للخروج الآمن. لكن التقرير في المقابل أشار إلى أن أعداد الضحايا من المعتصمين بلغت 624 قتيلًا، وهو ما يتضارب مع رواية الداخلية التي زعمت أنّ أعداد ضحايا المدنيين لم تتجاوز 149 قتيلًا.

الرواية "غير الرسمية"

تحمل الرواية الرسمية في جملتها تناقضات أثبتتها جهات دولية مستقلة، مثل هيومن رايتس ووتش في تقريرها الاستقصائي المطوّل الذي نشرته بعد عام من فض الاعتصام، دأبت فيه على التحقيق في وقائعه وتسجيل العديد من الشهادات. 

وتوصلت هيومن رايتس ووتش إلى أن أعداد الضحايا في عملية الفض لا تقل عن 1150 قتيلًا، واصفة ما حدث بـ"عملية قتل جماعي للمتظاهرين"، مُشيرةً إلى أنّ قوات الأمن قامت "بشكل متعمد ومنهجي باستخدام القوة المميتة والمفرطة، ما أدى إلى مقتل متظاهرين على نطاق لم يسبق له مثيل في مصر".

وسجّلت المنظمة الحقوقية الدولية أكثر من 200 شهادة لمتظاهرين وأطباء وصحفيين ومحامين وأيضًا من سكان المنطقة، لتخرج في النهاية بنتيجة مفادها أن ما حدث انتهاك جسيم لحقوق الإنسان وللقوانين والأعراف الدولية، كما خلص التقرير  إلى أنّ استهداف المدنيين من المعتصمين كان "على أسس سياسية".

مشهد من أعلى لميدان رابعة أثناء عملية الفض (Getty)
مشهد من أعلى لميدان رابعة أثناء عملية الفض (Getty)

ولم ينف التقرير وجود بعض الأسلحة بين المعتصمين، إلا أنّه نفى بالجملة أن تكون على نطاق واسع، معتبرًا أن هذا الوجود المحدود جدًا للسلاح، لا يبرر "الاعتداءات المميتة" من قبل قوات الأمن، فالنسبة الضئيلة للأسلحة المحرزة من قبل قوات الأمن في اعتصام رابعة (9 أسلحة) وسط آلاف من المعتصمين، لا تجعل الاعتصام مُسلحًا، وتُؤكد على كونها مبادرات فردية بحمل السلاح، لا تتجاوز نطاق تسعة أشخاص.

وصف تقرير هيومن رايتس ووتش، فض رابعة بأنها "عملية قتل جماعي"، مشيرًا  إلى أنها كانت متعمدة ومدروسة من قبل قوات الأمن

ولفت التقرير إلى أنّ التحذيرات التي أطلقتها قوات الأمن للمعتصمين، "لم تكن كافية"، وفي هذا تتفق مع لجنة تقصي الحقائق للمجلس القومي لحقوق الإنسان، ما يُكذّب مرة اُخرى بيان الداخلية. أمّا الجديد الذي أشارت إليه هيومن رايتس ووتش، هو أنّ الممرات الآمنة المزعومة لم تكن إلا ممرات اصطياد للذين قرروا الخروج من الميدان، كما أشار إلى واقعة سيطرة قوات الأمن على المستشفى الميداني في الاعتصام وإشعال النيران فيه بشكل متعمد، ما أوقع مزيدًا من الضحايا الذين كانوا مصابين.

اقرأ/ي أيضًا: "Game of Thrones" في ذكرى فضّ رابعة العدوية

"ويكي ثورة"، وهي مبادرة مستقلة لرصد ضحايا الثورة منذ اندلاع أحداثها في 25 كانون الثاني/يناير 2011؛ اتفقت من جانبها مع تقرير هيومن رايتس ووتش فيما يخص عدد القتلى المتجاوز لألف قتيل من جهة المعتصمين، مع توضيح مزيد من التفاصيل الخاصة بالمعتقلين إثر عملية الفض.

هناك أيضًا منصة "قصة رابعة - Rabaa Story" التي تتخذ من كندا مقرًا لها، وتعرف نفسها بأنها "مؤسسة غير ربحية، أسست من قبل شهود حضروا اعتصام ميدان رابعة"، وأنّ هدفها "تحريك المجتمع الدولي لاتخاذ الإجراءات القانونية ضد المتورطين في المذبحة"، وتعمل لذلك على جمع الوثائق والتسجيلات وكل ما يرتبط بعملية الفض.

واتفقت هذه المنصة مع كل من هيومن رايتس ووتش وويكي ثورة حول أعداد الضحايا، مع مزيدٍ من التفاصيل عن أماكن القنص ووقوع الضحايا. كما رصد وجود ما لا يقل عن 37 مفقودًا إلى اليوم لم يُعثر عليهم، رغم مرور أربع سنوات على أحداث الفض.

تنافي الرواية الرسمية مئات الشهادات المجمعة من جهات مستقلة أو حتى الفردية لصحفيين حضروا الفض وأكدوا أنّه "قتل جماعي متعمد وممنهج"

في النهاية إذًا، تُحمّل الرواية الرسمية، الضحايا من المعتصمين مسؤولية قتل أنفسهم، وتتضارب فيما يخص أعداد القتلى من المعتصمين، فيما لا يتجاوز أكبر عدد لهم في روايتها 624 قتيلًا، ما يتنافى مع ثلاث روايات أُخرى على الأقل محققة، تُؤكد أن أعداد القتلى تتجاوز الألف من جهة المعتصمين.

اقرأ/ي أيضًا: توحش الشرطة المصرية.. محمية الميري

كما أنّ الرواية الرسمية تنفي تعمد قوات الأمن القتل وممارسة العنف المفرط في فض الاعتصام، ما ينافي أيضًا مئات الشهادات المجمعة من قبل جهات مستقلة، أو حتى الشهادات الفردية لصحفيين مستقلين حضروا عملية الفض، وأكدوا على أن "الاعتداءات المميتة، والعنف المفرط" من قبل قوات الأمن، كان متعمدًا وممنهجًا. وإلى الآن تُسيطر الرواية الرسمية على المشهد الرسمي بحكم الأمر الواقع، ما منع محاسبة أي من المتورطين في أحداث ارابعة حتى وقتنا هذا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

إبراء الذمة لم يعد كافيًا

القتل على الطريقة المصرية