14-أغسطس-2017

فض اعتصام رابعة العدوية (Getty)

منذ نشأة السينما وهي تلعب أدوارًا متعددة وهامة بحياة الشعوب، منها الدور التوعوي والإرشادي، ومنها المسلي والترفيهي، ومنها بالتأكيد التوثيقي. هذا الدور التوثيقي ليس مرتبطًا فقط بالأفلام التاريخية، أو بالأفلام الوثائقية، لكن يمكننا اعتبار أي فيلم هو بدرجة ما يقوم بدور توثيقي.

منذ نشأة السينما وهي تلعب أدوارًا متعددة بحياة الشعوب، منها التوعوي والإرشادي، ومنها المسلي والترفيهي، ومنها بالتأكيد التوثيقي

فأفلام "تافهة" كثيرة مثل تلك التي كانت على الساحة عقب هزيمة عام 1967، المعروفة لدى العرب بـ"النكسة"، أو تلك التي ندعوها "أفلام المقاولات"، التي عمل بها كل صناع السينما المصرية تقريبًا عقب وخلال فترة الانفتاح، وصولًا إلى أفلام كثيرة تتسم بالشعبوية وربما "الابتذال"، صنعت وتصنع منذ مذبحة رابعة، وما هي إلا توثيق وانعكاس للروح المنتشرة بالمجتمع المصري.

مجتمع ضاقت به السبل في مواجهة الأعباء المجتمعية والاقتصادية، كانعكاس لانسداد الأفق السياسي، وكجزء من إحباط وديكتاتورية منتشرة بالأجواء، فتصبح كل متطلبات هذا المجتمع من السينما هي أمرين: الأول هو تفاهات ومسليات تشغله عن أي تأمل وتدبر حقيقي في الواقع الفاسد والمستقبل المأمول، والثاني هو البعد، بكل طريقة، عن طرح أي توثيق لفساد أو إجرام كان سببًا في مجيء السلطة التي تحكمه.

اقرأ/ي أيضًا: الذبح على الشريعة العلمانية

وقعت منذ أربع سنوات مذبحة رابعة العدوية، تلك المذبحة التي قضت على أحلام ديمقراطية كثيرة كان الشعب المصري يأمل بها منذ قيامه بثورة كانون الثاني/يناير 2011، أحلام وآمال هزت نظر العالم لها بفخر وبتمني تنفيذها في ظل سلطة منتخبة، لكن حدث الانقلاب العسكري، وسدّ كل الآفاق، السياسية منها، والثقاقية والفنية بالتأكيد.

مذبحة وصفت بـ"جريمة ضد الإنسانية، وأخطر حوادث القتل الجماعي غير المشروع في التاريخ المصري الحديث"، حسب تقرير "هيومان رايتس ووتش"، ومضى عليها 4 سنوات دون أن نشاهد عملًا سينمائيًا أو بذرة عمل سينمائي (غير وثائقي) عنها، وعما أدى لها، وعن تأثيرات ونتائج حدوثها، وهو أمر يشير لسلطة ذات فكر ضحل، لا تسمح لأي صوت أن يقول عكس الرواية الرسمية، حتى لو في فيلم سينمائي، فهي سلطة لا تؤمن بنواميس الكون، وأن ما حدث قد حدث، وأنه يستحيل المرور عليه هكذا ونسيانه لمجرد أنها تتمنى إسقاطه، كونها تعلم جيدًا أن الحساب عليه ليس يسيرًا.

على جانبٍ آخر، وكون أكثر من تم تصفيتهم في هذه المذبحة، وانقلبت السلطة العسكرية على حكمهم للبلاد وقتها، هم جماعة الإخوان المسلمين، فالموضوعية تقتضي توجيه اللوم لهم على كل ما ينفقونه في وسائل إعلام، يبثون منها أفكارهم ورؤاهم وانتقاداتهم، دون أن يؤثروا في غير أنفسهم.

هذا الإعلامي الذي يطلق مقدمات "نارية" كل يوم، أو غيره الذي ينقل رأي نشطاء السوشال ميديا في الأحداث السياسية، وهو يعلم أن لا بذرة اتفاق بينه وبين من يتحدث باسمهم، وبين صاحب الرأي الذي ينقله، هذا الإعلامي بالتأكيد لو كان مقتنعًا أنه هكذا يقاوم، وهكذا تكون مجابهة النظام العسكري المسيطر على السلطة المصرية، فإنه يجب مراجعته، ومراجعة من يُظهروه على الشاشة ومن يدفعون رواتبه.

اقرأ/ي أيضًا: بابا الشعب أم بابا الأنظمة؟!

ملايين اليهود ارتكبت في حقهم محرقة وقتل جماعي وقت الحرب العالمية الثانية فيما يعرف بالـ"هولوكوست"، فصدر أول فيلم ناقش الأمر عام 1940، بعنوان "Night Train to Munich"، بالإضافة إلى ستة أفلام غيره تم إنتاجها في الفترة منذ انتهاء الحرب وحتى عام 1950، كان ذلك منذ أكثر من 60 عامًا حيث التقنية والسرد بالسينما وصناعة الأفلام أقل تطورًا وتشكلًا عن زمننا بكثير.

قبل ذلك بحوالي 5 سنوات، حيث السينما وتطورها أضعف وأضعف، كانت الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939)، ليكون أول فيلم يتحدث عن الحرب الأهلية الإسبانية عام 1937 بعنوان " The Last Train from Madrid"، وليصنع بعدها وحتى عام 1940 قرابة عشرة أفلام.

صنعت قناة الجزيرة 3 أفلام وثائقية عن رابعة حتى الآن: 1- تحت  المنصة 2- عمارة المنايفة 3- كانوا جرحى

على جانب أخر، صنعت قناة الجزيرة بخلاف الوثائقيات القصيرة، وتجميع المشاهد والحكايات الذي تصنعه قنوات الإخوان، 3 أفلام وثائقية عن الحدث حتى الآن: "تحت المنصة" و  "عمارة المنايفة" و"كانوا جرحى". إلا أنه لا يمكننا أبدًا أن نعتبر وثائقيًا من هذه الثلاثة معبرًا بشكل كافٍ عما حدث يومها وكنت شاهدًا على بعضه.

قد أكون متجنيًا، لكني مقتنع أن مصر والعالم العربي به كوادر سينمائية بقدرات عالمية، وأن الإخوان ومن يؤمنون ببشاعة ما حدث يوم تلك المذبحة، يمكنهم أن يمولوا، ولو بتبرعات صغيرة، ليصنعوا فيلمًا يذكرنا ويذكر العالم ببشاعة ما حدث بهذه البقعة من الأرض منذ أربع سنوات، مثلما يُذكر فيلم "Schindler's List" العالم ببشاعة ما حدث لليهود.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المغتربون في ذكرى الثورة: الظلم في الوطن غُربة!

بعد أربع سنوات من فض رابعة: تحولات فكرية ودينية لدى شباب مصر