25-أبريل-2025
متظاهرون يرفعون لافتات تطالب بالحرية لمحمود خليل (منصة إكس)

متظاهرون يرفعون لافتات تطالب بالحرية لمحمود خليل (منصة إكس)

في تطور جديد يكشف حجم التجاوزات بحق النشطاء المؤيدين لفلسطين في الولايات المتحدة، أفاد موقع "أكسيوس" الأميركي أن الطالب محمود خليل، أحد أبرز قادة احتجاجات جامعة كولومبيا المناصرة لغزة، تم اعتقاله دون مذكرة توقيف قضائية، في انتهاكٍ صريح للإجراءات القانونية.

ويُعد هذا الإجراء، وفق مراقبين، أكثر من مجرد تجاوز قانوني؛ إذ يعكس تحولًا خطيرًا في طريقة تعامل السلطات الأميركية مع الأصوات المتضامنة مع فلسطين داخل الجامعات، لا سيما أولئك المنحدرين من خلفيات عربية أو مسلمة أو مهاجرة.

أقرّت وزارة الأمن الداخلي الأميركية (DHS) في مذكّرة قضائية قُدّمت إلى محكمتَي الهجرة والفدرالية هذا الأسبوع، بأن عملاء الهجرة والجمارك (ICE) لم يحصلوا على مذكرة توقيف عند اعتقال محمود خليل

الحكومة تعترف: لم تكن هناك مذكرة

بحسب "أكسيوس"، أقرّت وزارة الأمن الداخلي الأميركية (DHS) في مذكّرة قضائية قُدّمت إلى محكمتَي الهجرة والفدرالية هذا الأسبوع، بأن عملاء الهجرة والجمارك (ICE) لم يحصلوا على مذكرة توقيف عند اعتقال محمود خليل يوم 8 آذار/مارس.

وادّعى عملاء الوكالة  أن "الظروف الطارئة" دفعتهم لتنفيذ الاعتقال الفوري، مبرّرين الخطوة بمخاوف من أن "يُغادر خليل مكان إقامته قبل إصدار مذكرة الاعتقال". وأشارت الوزارة إلى أن خليل تم نقله لاحقًا إلى أحد مراكز وكالة الهجرة والجمارك في نيويورك، وهناك فقط تم تسليمه مذكرة اعتقال بأثر رجعي.

لم يكن نقل محمود خليل إلى ولاية لويزيانا أمرًا عشوائيًا. بل تشير المعطيات إلى أنه تم اختياره بعناية لإبعاده عن بيئته الداعمة في نيويورك، وإخضاعه لنظام قضائي فيدرالي محافظ، معروف بعدائه للمهاجرين.

السيناتور إد ماركي وصف ذلك بأنه "خطة ممنهجة لتقويض حقوقه"، بينما حذر النائب جيم ماكغفرن من أن ما يجري هو "انزلاق صريح نحو نظام سلطوي".

روايتان متناقضتان

هذا الاعتراف الرسمي يناقض التقرير الأولي لعملية الاعتقال، والذي أُرسل إلى قاضي الهجرة في وقت سابق، حيث زُعِم حينها أن الاعتقال تم بناءً على مذكرة رسمية. لكن المحامي مارك فان دير هاوت، وكيل الدفاع عن خليل، كذّب هذه الرواية ووصف ما حدث بأنه "تصرف شائن ومضلل".

وقال فان دير هاوت: "الحكومة قدّمت معلومات خاطئة للسلطات القضائية وللرأي العام... هذا انتهاك جسيم يجب أن يؤدي قانونيًا إلى إسقاط القضية فورًا".

محمود خليل: وجه الاحتجاجات المؤيدة لغزة

محمود خليل، المقيم قانونيًا في الولايات المتحمل ويحمل البطاقة الخضراء، برز اسمه كواحد من أبرز قادة حركة الاحتجاج الطلابية في جامعة كولومبيا. وقد شارك في تنظيم اعتصامات ومسيرات داخل الحرم الجامعي تطالب بإنهاء الدعم الأميركي لإسرائيل ووقف العدوان على قطاع غزة، وبتنفيذ مقاطعة أكاديمية للمؤسسات الإسرائيلية.

معاقبة خليل بمنعه من رؤية ابنه

حُرم الناشط محمود خليل من حضور ولادة طفله، بعد أن رفضت السلطات منحه إفراجًا مؤقتًا رغم عدم توجيه أي تهمة رسمية له. وقالت زوجته، نور عبد الله، إن القرار كان "متعمدًا لإيذاء الأسرة"، واعتبرته محاولة لإسكات صوت زوجها، الذي أصبح رمزًا طلابيًا للمقاومة السلمية ضد الاحتلال.

وتكشف هذه الواقعة كيف تجاوز الرد المؤسسي الأميركي على النشاط الطلابي حدود الفصل والطرد، ليصل إلى استخدام أدوات العقاب الشخصي والرمزي، بهدف ترهيب الناشطين ومنعهم من اتخاذ مواقف مشابهة.

حملة متصاعدة ضد الأصوات المؤيدة لفلسطين في الجامعات

يؤكد مراقبون أن حملة التضييق هذه ليست وليدة اللحظة، بل تندرج ضمن نمط أوسع من القمع الممنهج الذي تصاعد مع ارتفاع أصوات التأييد لفلسطين في الحرم الجامعي الأميركي. إذ لم يقتصر الأمر على التهديدات أو الفصل التعسفي، بل امتد إلى الاعتقالات المباشرة والملاحقات القانونية، في محاولة واضحة لتجريم التضامن مع غزة وتشويه حركة الطلاب المؤيدين لحقوق الفلسطينيين.

في هذا الإطار، رُصدت عدة حالات مشابهة لاعتقال خليل، من بينها رميساء أوزتورك، الطالبة التي تم توقيفها بعد استهدافها إعلاميًا من قِبل موقع صهيوني متطرف، بالإضافة إلى طلاب آخرين في جامعات جورج تاون وكولومبيا وتافتس، مثل بدار خان سوري الذي اعتُقل بسبب صلات مزعومة بين زوجته وحركة حماس، استنادًا إلى أن والدها، أحمد يوسف، شغل في الماضي منصبًا استشاريًا في الحركة. ومحسن مهدواي الذي احتُجز ينما كان يستعد لإجراء مقابلة لاستيفاء إجراءات حصوله على الجنسية الأميركية، ويونسيو تشونغ التي اضطرت إلى رفع دعوى قضائية لمنع ترحيلها بسبب مشاركتها في مظاهرات مؤيدة لفلسطين.

ولم تتوقف الانتهاكات عند حدود التهديدات، إذ طلبت السلطات من مومودو تال تسليم نفسه، فيما اضطرت لقاء كردية ورانجاني سرينيفاسان وعلي رضا درودي إلى مغادرة الولايات المتحدة تحت وطأة ضغوط قانونية مباشرة، ما يعكس حجم الحملة الأمنية ذات الطابع السياسي التي تتعرض لها هذه الفئة.

ويحذر الحقوقيون من أن استهداف الطلاب على خلفية نشاطهم السياسي السلمي يمثل تآكلًا خطيرًا في الحريات الأكاديمية، وتهديدًا مباشرا لحرية الرأي والتعبير، وهي قيم طالما تباهت بها الجامعات الأميركية. أكثر من ذلك، فإن هذه السياسات تحمل نذر انزلاق نحو استخدام الأدوات القانونية كسلاح لإسكات المعارضين، مما يضرب جوهر الديمقراطية الأميركية في صميمه.

هل نحن أمام مَكارثية جديدة؟

الوضع الراهن في الولايات المتحدة يُعيد إلى الأذهان ملامح المرحلة المكارثية. ففي خمسينيات القرن الماضي، استُخدم شبح الشيوعية لتبرير محاكمات صورية واعتقالات بالجملة طالت المفكرين والفنانين والطلاب. واليوم، يُعاد إنتاج المنطق نفسه ضد من يرفعون شعار "الحرية لفلسطين"، حتى لو كانوا مواطنين أميركيين أو مقيمين قانونيين.

وتكمن المفارقة في أن هذا التضييق يجري داخل جامعات لطالما كانت تُعد معاقل لحرية الفكر والتعبير، لكنها باتت تتحول تدريجيًا إلى ساحات لخنق الأصوات الحرة.

ويحذر مراقبون من أن ما يجري يُعد أخطر تصعيد للحريات الأكاديمية والسياسية في الجامعات الأميركية منذ عقود، مع عودة مقلقة لخطاب أمني استئصالي، تُفعَّل فيه قوانين الحرب الباردة ضد طلاب شباب، لمجرد تضامنهم مع القضية الفلسطينية.