17-فبراير-2021

المفكر العربي عزمي بشارة (يوتيوب)

الترا صوت – فريق التحرير

أجرى التلفزيون العربي الثلاثاء السادس عشر من شباط/ فبراير الحالي مقابلة تفاعلية مع المفكر العربي عزمي بشارة، تطرق فيها إلى انعكاسات المتغيرات الإقليمية والدولية على سوريا ومصر وليبيا واليمن والجزائر، إضافة لموضوع الانتخابات الفلسطينية المقبلة، كما رد بشارة أثناء الحلقة على التساؤلات الواردة من الجمهور.

أجرى التلفزيون العربي الثلاثاء السادس عشر من شباط/ فبراير الحالي مقابلة تفاعلية مع المفكر العربي عزمي بشارة، تطرق فيها إلى انعكاسات المتغيرات الإقليمية والدولية على سوريا ومصر وليبيا واليمن والجزائر

في بداية الحلقة قدّم الدكتور عزمي بشارة إجابة مفصّلة حول سؤال يتعلق بماهية العناصر والعوامل المشتركة التي جعلت دولًا عربية عدة تواجه مصيرًا مشابهًا بالرغم من الفوارق الاجتماعية. حيث اعتبر صاحب "في المسألة العربية" بأن هذا المشترك يتمثل في الثقافة واللغة وبعبارة أخرى القومية العربية كجامع ثقافي لا إثني، حيث كان هذا المشترك العربي الثقافي هو ما جعل الثورة في بلد صغير مثل تونس، تلهم شعوبًا عربية أخرى، بينما لم تفعل ثورة إندونيسيا بالرغم من أنها أكبر بلد إسلامي.

اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة: الشعوب العربية حسمت أمرها ولم تعد تقبل بالسلطوية والدكتاتورية

أما المشترك الثاني، فيتمثل في أننا نعيش في ظل أنظمة سلطوية مع فوارق بين هذه السلطويات على مستوى تركيبتها والقمع وهوامش الحرية وآليات حماية الناس، واختلاف تركيبة المجتمعات ومستوى هشاشة وتماسك الدول. واعتبر بشارة في هذا الصدد أن حالة  التماسك وعمق الدولة في تونس ومصر تختلف على سبيل المثال عن حالات بعض الدول في المشرق العربي، ولذلك فالإطاحة بالنظام لم تؤد إلى تفكك الدولة كما في حالات عربية أخرى.

من هذا المنطلق اعتبر عزمي بشارة أنه عند خروج الناس في ثورة فليس من المتوقع الحصول على نفس النتائج في كل الحالات، كما أن خروج الناس في تجمعات مشابهة وتجمعم في الساحات لا يعني سقوط النظام. وعن ما إذا كانت الثورات تقود أو لا تقود إلى الديمقراطية اعتبر بشارة أن غالبية التحولات الديمقراطية في العالم لم تحصل بثورات وإنما نتيجة إصلاحات، أما الثورات فقد تؤدي إلى الديمقراطية وقد لا تؤدي إليها، ويتوقف الأمر في ذلك، حسبه على "وجود نخبة سياسية متبلورة من غالبية القوى الاجتماعية والسياسية الرئيسية في البلد تقبل بقواعد اللعبة الديمقراطية لتسوية الخلافات بينها، وتنضوي تحت هذه القواعد وتخضع خلافاتها  الأيديولوجية لهذه القواعد". وقد تم ذلك حسب بشارة مؤقتًا في تونس، أما في مصر فإن الفرقاء في المعارضة والنظام وحتى  داخل المعارضة نفسها لم يلتزموا بقواعد اللعبة الديمقراطية ولم يقبلوا حتى أن يخضعوا خلافاتهم الأيديولوجية وصراعاتهم على السلطة لآليات اللعبة الديمقراطية، وأدخلوا الجيش بينهم ليحسم خلافاتهم، وهو ما انتهى إلى انقلاب عسكري نتيجة وجود طموح سياسي للجيش.

في سوريا أعاد بشارة التأكيد على الثلاثية التي حذّر منها في بداية الأحداث وهي مسألة العنف والطائفية والتدخل الخارجي، واعتبر أن المعارضة السورية وقعت فيما أسماه الوهم القاتل عندما اعتقدت أنه سيحدث تدخل أجنبي على غرار التدخل الدولي الذي جرى في ليبيا بسبب استعمال النظام للعنف المفرط، إلا أن ما حدث هو العكس فالتدخل الأجنبي عندما أتى فقد أتى لصالح النظام

الملف السوري: هل من نور في آخر النفق

ردًا على تساؤل حول ما إذا كانت روسيا وإيران تستطيعان الاستمرار إلى ما لانهاية في دعم النظام السوري ردّ المفكر العربي  بأنه ليس هنالك شيء ما لانهائي أو أبدي حتى عائلة الأسد في إشارة لشعار الموالين للنظام السوري "الأسد إلى الأبد"،  وبالنسبة للدعم الروسي والإيراني فقد قال بشارة بأنه دعم عسكري وليس دعمًا ماديًا اقتصاديًا بدرجة أولى، فالأوضاع المعيشية سيئة، ولأول مرة في سوريا هنالك مجاعة في ظل مناطق النظام، فضلًا عن أن سعر الدولار آخر 2019 وصل ل 500 ليرة والآن صار 3050 ليرة بسبب العقوبات، والنظام الآن تنقصه السيولة لذلك يتفنن في طريقة التحصيل، وما لديه من مصادر سينضب ولن يكون بوسعه تقديم الخدمات مستقبلًا. وعن مسألة رفع العقوبات اعتبر بشارة أن رفعها سيمنح النظام شرعية من نوع ما، وعدم رفعها سيفاقم الأوضاع المعيشية للسوريين الذين  أصبح النظام السوري يستعملهم كرهينة، لكنه لن يكون قادرًا على الصمود لفترة طويلة في ظل الصعوبات الاقتصادية.

كما اعتبر بشارة أن العقدة في الوضع السوري تتمثل في كثرة الأطراف المتدخلة، وعدم وجود حد أدنى من التفاهم والتوافق بينها لرسم مستقبل لسوريا، متحدثا في ذات الصدد عن ما أسماه بتحييد الشعب بل وتحييد النظام والمعارضة من صنع القرار.

وحول نوع الحل الممكن في سوريا قال بشارة إن المشكلة أمام الحل تبرز في أمرين هما: إجبار النظام على القبول بحل، ولن يكون ذلك بدون ضغط دولي، فالنظام السوري  خادع حاليًا في الحل السياسي مستفيدًا من  ميزان القوى على الأرض، وهو يستغل الحوار لتضييع الوقت من ناحية والحصول على إنجازات من ناحية أخرى، وبالتالي إذا لم تغير القوى الداعمة للشعب السوري بشكل من ميزان القوى على الأرض فلن  يقبل النظام بأي حل من الحلول المطروحة.

وبشأن المعارضة السورية فهي إما أسيرة للعبة إضاعة الوقت هذه التي يتبعها النظام أوالتبعية الخارجية للدول. وتحدث بشارة في هذا الصدد عن قضية وصفها بالملفتة بعد الثورة وهي "صعوبة العمل المؤسسي،أي نوع من العمل المؤسسي، ليس فقط المعارض، بل في أي مؤسسة سورية، معلقًا على ذلك بالقول إنه "آن الأوان أن تهدأ الأمور وإخضاع النرجسيات والضغائن والحساسيات لقضية المصلحة المشتركة المتعلقة بمستقبل سوريا والشعب السوري".

وختم بشارة حديثه في الملف السوري عن وجود جيل سوري صاعد بإمكانه أن يعمل سوية بخلاف المعارضين القدامى الذين فشلوا في ذلك في ظاهرة غريبة من نوعها داخل المعارضة المدنية، أما داخل الفصائل المسلحة فـ"حدث ولا حرج"، وعن ظاهرة تكاثر هذه الفصائل اعتبر أنها لن تؤدي إلى شيء، وأنها فقط تمنع الحلول وتمنع بناء الدول وتمنع المجتمعات من التمتع بالسلام والسكينة والاستقرار وبناء الديمقراطية.

الملف المصري: هل من معارضة جاهزة للاستفادة من الظرف الدولي الراهن؟

اعتبر عزمي بشارة أن جميع القوى الديمقراطية في الوطن العربي ستستفيد من الضغط الدولي في مجال حقوق الانسان، ويمكن الاستفادة من هذا الضغط في توسيع مجال العمل المعارِض وتقليل الكلفة والثمن.

وعاد مؤلف كتاب "الثورة المصرية" ليتحدث عن الأسباب العميقة التي تسببت في فشل الانتقال الديمقراطي في مصر، وفي مقدمتها الخلافات التي ضربت النخب والتيارات السياسية المصرية والتي استغلها الجيش للانقلاب. واعتبر بشارة في هذا الصدد أن مشكلة المعارضة المصرية أنها ما تزال أسيرة مشكل الانقلاب العسكري، وأنها غير قادرة على العمل سوية، ولم تقم حتى الآن بعمل المراجعات المطلوبة. والمقصود هنا الإخوان المسلمون في فترة حكمهم والمعارضة التي تواطأت بوعي أو بدون وعي مع الانقلاب، وأعلن بشارة أن دولة مصر بمؤسساتها الراسخة ودولتها المتماسكة من الممكن أن تصبح دولة ديمقراطية بل يمكن أن تكون الدولة الديمقراطية في المنطقة بألف ولام التعريف.

ونوّه إلى أن المهتمين بالشأن المصري لم يبذلوا حتى الآن جهدًا كبيرًا في فهم طبيعة النظام المصري الحالي بقيادة السيسي، بسبب بقائهم أسرى لحظة الانقلاب، معتبرًا أنه آن الأوان للنظر في قواعد هذا النظام الاجتماعي ومشاكله الاقتصادية..إلخ.

الانتخابات الفلسطينية: هل هي الحل؟

معلقًا على الانتخابات الفلسطينية، اعتبر بشارة أنها أصلًا جاءت بعد موعدها بكثير، وحول رأيه في الانتخابات المرتقبة قال إنه "لا يؤمن بانتخابات تحت الاحتلال" معتبرًا أن حركات التحرر الوطني يجب أن تكون موحدة وتعمل بواسطة نضالاتها للوصول إلى الدولة وبعدها يمكن الحديث عن الانتخابات، وفي السياق الفلسطيني اعتبر بشارة أن السلطة هي الخديعة الكبرى لأوسلو، لأنها سلطة فاقدة السيادة، وأهدرت طاقة الفلسطينين في التنافس على اقتسام السلطة بدلًا من توجيهها لمقاومة الاحتلال، واعتبر أن الادعاء أن الانتخابات ستؤدي للمصالحة هو ادعاء، مضحك، فالشرخ حصل بعد الانتخابات السابقة وبسببها. وتحدث بشارة في ذات السياق عن عوائق جوهرية لمثل هذه الانتخابات، من بينها أنها تجرى والدولة غير قائمة، وتلأطراف المتنافسة غير مستعدة للخسارة ولا تقبل ببعضها.

عن متطلبات المصالحة اعتبر صاحب "الخطاب السياسي المبتور" أن من أهمها القضاء على ظاهرة ازدواحية السلطة،بحسم هذه الازدواحية، وتوحيد ودمج مؤسسات الدولة، ثم الاتفاق على المشروع السياسي والتأكيد على أن حركة التحرر الوطني لا تشمل الصفة وغزة فحسب فهنالك فلسطينيون في كل أنحاء العالم وهؤلاء يجب إشراكهم.

وحول الانتخابات الإسرائيلية وخصوصيتها بالنسبة للفلسطيين اليوم فقد اعتبر بشارة أن القضية الفلسطينية لم تعد مركزية في الانتخابات الإسرائيلية، بينما كانت هي القضية الأولى في الصراع الإسرائيلي الإسرائيلي  مع الانتفاضتين الأولى والثانية، أما الآن فالصراع هو على شخص نتنياهو وطبيعة القوى التي تحكم إسرائيل هل تكون متحالفة مع اليمين المتطرف بالنسبة لنوع الحياة وشكلها في إسرائيل. هذه هي طبيعة الصراعات القائمة في الانتخابات الإسرائيلية حاليٍا. لكن المدير العام للمركز العربي للأبحث أكد أنه إذا حدث ضغط أمريكي، وغالبًا بشأن الاستيطان عندها يصبح موضوعًا.

وحول الفلسطينيين في إسرائيل وموضوع الجنسية  الإسرائيلية فقد وضح أنها مثّلت بعد النكبة بطاقة البقاء الوحيدة على الأرض، وكانت موضع نضال لضمان البقاء في فلسطين المحتلة، فالفلسطينيون في الداخل ناضلوا تحت الحكم العسكري للحصول على الهويات ليبقوا، لكن التحدي في هذا الصدد حسب بشارة  في الموازنة بين طلب المواطنة والوطنية الفلسطينية والهوية الوطنية والعربية.

اليمن: هل من أفق لإنهاء الحرب؟

اعتبر المفكر العربي أن القوى المتصارعة الآن "الحوثيين، المجلس الانتقالي، حزب الإصلاح"  كانت كلها تنضوي أو تدعي دعم الثورة اليمنية، وأن الحوار الوطني الذي أعقب البعثة الأممية كان وما يزال يمثل أرضية الحل، أما الحديث عن الانفصال اليوم وإجراء الانتخابات فهو ليس ضمانة لحل سياسي دائم. وبالتالي فالحل هو التفاهم على بنية الدولة اليمنية. أما بالنسبة للتوجه الأمريكي بإنهاء الدعم العسكري للحرب فقد يكون ضاغطًا، إلا أن الحوثيين استغلوا ذلك للتصعيد في مأرب، بهدف الذهاب إلى طاولة الحوار بأوراق أكثر. ومن غير الواضح حتى الآن ما إذا كان الهدف الأمريكي هو فقط إنجاز هدنة طويلة المدى أو التوصل لحل سياسي.

ليبيا: المسار السياسي إلى أين؟

حول لقاء رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي بخليفة حفتر في بنغازي فقد اعتبر بشارة أنه قد يكون محاولة لتحييد حفتر  أو نزع فتيل أي محاولة للانقلاب، فخليفة حفتر شخص قادر على التخريب كما فعل بعد الصخيرات، لكن كل هذا حسب بشارة تفاصيل، فالأهم من ذلك كله أن كل منطق المفاوضات برعاية الأمم المتحدة أخذ منطقا إقليميا قائمًا على تقاسم المناصب، والطرف الذي انتصر في النهاية في انتخابات الملتقى الليبي بجنيف ليست له قواعد شعبية وعسكرية على الأرض، وبالتالي فعليه أن يكسب هذا الطرف الفائز تأييد القوى على الأرض، وهذا هو التحدي الأساسي بالنسبة للحكومة الجديدة، أما التحدي الأكبر لجميع الليبيين فهو تجنب تحويل ليبيا إلى دولة محاصصات جهوية وقبلية وبناء دولة وطنية تحظى بالإجماع، أما الذهاب نحو نظام المحاصصة فهو لا يضمن مستقبل ليبيا.

معلقًا على الانتخابات الفلسطينية، اعتبر بشارة أنها أصلًا جاءت بعد موعدها بكثير، وحول رأيه في الانتخابات المرتقبة قال إنه "لا يؤمن بانتخابات تحت الاحتلال"

التغيير في الجزائر إلى أين؟

بالنسبة للملف الجزائري اعتبر بشارة أن مظاهرات الجزائر تميزت بطول النّفس، وأدت لتنحي الرئيس ومسار من التغييرات شمل محاكمة شخصيات من النظام وإجراء انتخابات وتعديل الدستور، وهذه منجزات مهمة تحسب للحراك وللجزائر، إلا أننا مع ذلك لا نستطيع أن نتحدث حسب بشارة عن أن الجزائر أصبحت دولة ديمقراطية ليبرالية، فالأمر يحتاج لنضال طويل، وأضاف في هذا الصدد أنه لا "يرى تغيرًا غير تدريجي في الجزائر وقد بدأ التغيير".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

المركز العربي للأبحاث في باريس يفتتح مؤتمره السنوي الثالث بنقاش عن الشعبوية