11-يونيو-2016

(Getty)

"لا أشعر بالندم حين أدخل إلى السوبر ماركت الكبير المسمى بالتعاونية اللبنانية وأخرج من أبوابها بكل ثقة حاملًا مسروقات بقيمة مائتي دولار أمريكي، ومن الأصل فإن المبلغ الذي أكون قد دفعته على صندوق التعاونية هو 3 دولار أمريكي بدل علبة من السجائر الفرنسية جيتان لايت وقطعة حلوى للتمويه".

يبرر "نشال" مهنته: أنا أمارس المعيشة، لا يمكنني سوى العيش بتلك الطريقة، فراتبي الشهري هو عبارة عن رسم إيجار شقتي الصغيرة 

شهادة كهذه تلخص موضوع التحقيق التالي. سأروي لكم شهادات جمعتها من الأرصفة والجدران في بيروت ومن شخصياتٍ استهلاكية شبابية بالأرقام والتجارب خلال ممارسة السرقة والهروب من العدالة. سنغوص في أعماق ما يشعر به السارق تحت وطأة الأدرينالين إن كان بسيطًا حين تكون السرقة تعادل ألواح الشوكولا. سأوثق لكم تجارب الحقائب المليئة بالسرقات القيمة وفواتير العشرة دولار. ستتعرف أيها القارئ على سارق الشوارع الذي يجمع إشارات المرور والسير قائلًا ومصرحًا أن ما يُمارسه حين يقتلع إشارة ممنوع المرور هو جزء من مسيرته في محاربة الدولة الفاسدة، وبكلماتٍ أبسط، يرى نفسه كالذي يعيد الحق الشعبي العام من الدولة الفاسدة إلى الشعب.

اقرأ/ي أيضًا: كيف تتوقفين عن التسوق غير المحسوب؟

"روبين هود"

" أنا على علم بأن هذا الاسم المستعار هو اسمٌ دعائي لكن هو أكثر اسم يمكنك أن تستخدمه خلال حديثي."

"أنا والدولة وجهان لعملة واحدة في السرقة، لكن الفرق هو أن الدولة تسرقني وتسرق الشعب وتعلمني السرقة وتساعدني بالتفوق عليها حتى تفشل أجهزة الشرطة والدرك اللبنانية أن تعتقلني بتهمة السرقة وتلصق الجنحة التي ارتكبتها على سجلي العدلي".

س: ألا تشعر بالخوف؟ هل ترى نفسك مسجونًا في يوم من الأيام بسبب سرقاتك؟

ج: أبدًا، لو أرادوا اعتقالي أو استطاعوا أن يعتقلوني لكنت الأن أمر بسنتي الخامسة في السجن. (ضاحكًا) شي مرة شفت حرامي بيعتقل حرامي؟

س: هل تُمارس السرقة كهواية، احتراف، أو هل تعترف بأنها عادة سيئة.

ج: بالتأكيد ليست عادة أو صفة جيدة، السرقة بالمفهوم الاجتماعي هي من أسوأ الأفعال التي يمكن أن يقوم بها الإنسان، وبالتأكيد ليست هواية، لكن يمكنني أن أؤكد أنني أصبحت نشال متاجر محترف.

س: أنت تعترف أن ما تقوم به فعل سيئ، فلماذا تمارس السرقة؟

ج: أنا أمارس المعيشة، لا يمكنني سوى العيش بتلك الطريقة، فراتبي الشهري هو عبارة عن رسم إيجار شقتي الصغيرة ومصاريف المواصلات من وإلى مكان عملي.

س: هل ستمارس السرقة أو نشل المتاجر إن كان راتبك الشهري يكفيك لتعيش الحياة الكريمة التي تحلم بها؟

ج: (مازحًا) هناك دائمًا تلك الحلوى اللذيذة جدًا التي لا يمكن لأحد أن يشتريها كلما مرّ قربها في المتاجر.

اقرأ/ي أيضًا: مرض الاكتئاب..حاضر نتقن إنكاره 

"أبو علي والأربعين إشارة مرور"

سكنت على الأرصفة لسنة ونصف السنة، وعندما استقريت في شقة صغيرة أردت أن أجعل من جدران الغرفة رصيفًا يليق بشخصيتي الشوارعية.

"ليس خطئًا أن تقتلع إشارة مرور وأن تحولها إلى جزء من ديكور منزلك، ففي لبنان لا أحد يحترم قانون السير أو أهمية إشارات المرور، فلمَ إبقاؤها في الشوارع، منزلي يحتاج إلى حياة خارجية في ظل عدم وجود أي نافذة تطل على الشارع".

س: ماذا عن العقوبات الجزائية أو القانونية التي ممكن أن تتعرض لها إن تم القبض عليك من قبل الشرطة؟

ج: أنا بخير حتى الساعة، حتى إنني تعرضت للملاحقة خلال ليلة رأس السنة الماضية حين ضبطني أحد العناصر خلال كسري لإحدى إشارات السير في شارع الحمرا في بيروت، لكن الشرطي لم يتمكن من الإمساك بي أو حتى أن يتذكرني، فبعد يومين من الحادثة مر بقربي الشرطي نفسه وطلب مني عود كبريت لإشعال سيجارته.

س: لمَ إشارات المرور؟ ألا تقوم بسرقة المتاجر الكبيرة أو أكشاك بيع الحلويات مثلًا؟

ج: لست بسارق، أنا مهووس بإشارات المرور فقط.

س: هل تُعتبر غريبًا بين أصدقائك الذين لا يمارسون تلك الهواية؟

ج: معظمهم بدؤوا يمارسون تلك الهواية، والباقي استلم هدايا مني ومن الشارع.

"الشبح"

"كانت المرة الأولى التي أتذوق فيها أفخر أنواع النبيذ"

"المرة الأولى ترتجف، المرة الثانية تكتشف النقطة التي لا تظهر على كاميرات المراقبة، المرة الثالثة تجد نفسك تتذوق أفخر أنواع النبيذ والكافيار، وتخرج من السوبرماركت ومعك خبز الباغيت الطازج (سعره 2 دولار أمريكي) وتكون قد جهزت نفسك لأفخر موعد غرامي بقيمة 302 دولار أمريكي".

س: ألا تشعر بأي ندم؟

ج: لا تحتاج سوى لحقيبة كبيرة وفارغة وأن تكتشف المنطقة العمياء لكاميرات المراقبة والسرعة هي العامل الأهم، عليك أن تفتح الحقيبة وأن تضع النبيذ المعتّق الذي يناديك لاسترجاع الحق العام بأن تتلذذ بعشاء فاخر. الرأسمالية مستمرة، لكن أعتبر نفسي أمارس الأناركية. وبالإضافة إلى العامل النفسي الأهم الذي أصفه بالتالي: "لا أكترث". لا أشعر بالندم، أعتبر فعلي يصنف تحت خانة العاقل الذي لم يجد عملًا كتاجر في هذا المتجر الكبير فيمارس السرقة للحصول على ملذات الحياة.

س: إن كان النبيذ الذي تسرقه معروضًا في مخمرة صغيرة في بيروت. هل بإمكانك سرقة الزجاجة؟

ج: كلا، أنا لا أسرق النبيذ من أجل التذوق فحسب، بل إنني أساهم بطريقة أو بأخرى بعملية تبييض الأموال التي تحصل في المتاجر الكبرى. لن أقوم بسرقة طبقتي الاجتماعية.

جميع الذين شاركوا في هذا التحقيق من شخصيات مدنية، شاركت تجاربها بسرقة المتاجر والممتلكات العامة، وجميع من روى تجربته لهذا التحقيق وتردد عن النشر في هذا التحقيق هم تحت إطار السرية الصحفية.

اقرأ/ي أيضًا:

نصف المغاربة مضطربون نفسيًا ودعوات لقوانين تحميهم

كيف تستيقظ جيدًا دون كافيين؟