18-أكتوبر-2016

احتجاجات للطلبة الأتراك سنة 2014 (صورة أرشيفية/أوزان كوس/أ.ف.ب)

بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في الخامس عشر من تمّوز/يوليو الفائت في تركيا، كان المتّهم الرئيسي هو فتح الله غولن وجماعته، التي باتت تعرف اختصارًا بجماعة (فيتو) أي "عصابة فتح الله غولن الإرهابية"، وهي تسمية أطلقتها الحكومة ووسائل الإعلام الرسميّ، ثمّ صارت تُستخدم من قبل غالبيّة وسائل الإعلام في تركيا، حتى صارت الإشارة إليها بغير هذا الاسم ترقى لأن تكون ذريعة جديدة لاعتقال المزيد من الأشخاص المشكوك في ولائهم للدولة والشرعيّة الديمقراطيّة في البلاد.

تجاوز عدد المعتقلين في تركيا بعد محاولة الانقلاب 40 ألف حالة، وفُصل أكثر من 80 ألف موظف من وظائفهم من بينهم أكثر من 2000 أكاديمي

وبالرغم من الأسئلة العديدة التي ظلّت عالقة بلا إجابات عن الرجل وجماعته والرواية الرسميّة للحكومة فيما يتعلّق بمدى تغلغل هذه الجماعة ومنتسبيها في أركان الدولة، فإنّ الحلّ لم يكن إلا بإطلاق حملة تطهير واسعة ضدّ هذا التنظيم الزئبقيّ في تركيا، فلا تنتهي حملة اعتقالات إلا وتبدأ أخرى، ولا يكاد اتّهام يوجّه إلى طرف أو مؤسّسة إلا ويكون الرد بالتسريح من العمل أو الاعتقال أو إغلاق المؤسّسة أو وضع اليد عليها في إجراءات ترقى لتجاوز أحكام القانون السائد، لولا حالة الطوارئ السارية في البلاد.

اقرأ/ي أيضًا: في أعقاب الانقلاب.. شرخ كبير بين تركيا وأمريكا

وهكذا صارت الاعتقالات حديث الجميع. فقد تجاوز عددها حتى الآن 40 ألف حالة اعتقال، وفُصل أكثر من 80 ألف موظف من وظائفهم، من بينهم 3000 في سلك القضاء والنيابة العامّة، وأكثر من 2000 أكاديميّ، وقرابة 20 ألف معلّم، فيما يبدو حسب كثيرين أنّه "سوء استخدام لحالة الطوارئ في البلاد" وفق تعبير كليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض، "لفرض صوت واحدٍ في البلاد" في مرحلة هي الأخطر والأكثر حساسيّة خلال أكثر من خمس عشرة سنة. أمّا الرئيس التركيّ رجب طيّب أردوغان، فلم يجد تعبيرًا يناسب ما حصل إلا بوصفه "نعمة ربّانيّة".

أمّا المؤسسات الأكاديمية فلم تلبث بعد الانقلاب إلا وصارت ميدانًا أساسيًا، سلطت الدولة أعينها عليه في عمليّة "التطهير" الواسعة التي شنّتها، فجرى اعتقال العديد من الأكاديميين، وأُقيل أربعة رؤساء جامعات، وفرض على كافّة عمداء الكليّات (1577 عميد كليّة) تقديم استقالاتهم كإجراء احترازيّ إلى أن يتمّ التمييز بين "الخبيث" و"الطيّب" منهم. ثمّ صدر قرار بمنع كافّة الأكاديميين من السفر خارج البلاد إلى أجل غير معلوم، وفي أثناء ذلك كلّه تمّ إغلاق خمس عشرة جامعة، وأكثر من ألف مدرسة خاصّة تابعة لجماعة غولن.

وسرعان ما صدر بيان عن مجلس التعليم العالي التركي يسوّغ هذه الإجراءات بالإشارة إلى أنّ التنظيم "الإرهابي" قد تغلغل في الجامعات ويحتمل أنّ الكثير من الأكاديميين باتوا يشكّلون تهديدًا على السلم الوطنيّ إن هم بقوا في مناصبهم. أمّا عن الطلاب، فكان الحلّ الأمثل في نظر المجلس، هو نقل الطلبة الأتراك من الجامعات التي أغلقت إلى جامعات حكوميّة، أمّا الطلبة الأجانب منتسبي هذه الجامعات فليس أمامهم سوى الترحيل خارج البلاد.

من أبرز الحالات التي انتشر خبرها في وسائل التواصل الاجتماعي هي قضيّة الطالب اليمني زيد مغير. لم يكن زيد حتّى يدرس في إحدى الجامعات التابعة لجماعة غولن، وإنّما كان يسكن في أحد المساكن الطلابيّة التابعة للجماعة. وبعد الخامس عشر من تمّوز/يوليو الماضي، داهمت الشرطة ذلك السكن واعتقلت عددًا من الطلاب وسيق الطلبة الأجانب كذلك معهم، وصدر الحكم قضائي بترحيل زيد خارج تركيا.

وبالرغم من بعض الجهود التي بذلتها اللجنة التنسيقية لطلاب اليمن في الخارج للتواصل مع السفارة اليمنية في أنقرة للتدخّل في الأمر، إلا أنّ وجود حالة الطوارئ في البلاد قد جعلت تغيير مثل هذه القرارات شبه مستحيل. بالإضافة إلى حالة أخرى لطالبة يمنيّة في إحدى هذه الجامعات قدمت إلى تركيا عن طريق الأردنّ فمنعت من الدخول لاستئناف دراستها، وأرغمت على العودة.

اقرأ/ي أيضًا: الجدول الزمني لصعود وهبوط الانقلاب في تركيا

ومن الجدير بالذكر أنّ حالة الحريّات الإعلامية والأكاديمية لم تكن أفضل بكثير قبل الانقلاب ممّا هي عليه بعده. فقد اعتقل وفصل العشرات من الأكاديميين الذين شاركوا في التوقيع على عريضة مطلع العام تطالب الحكومة بإنهاء العمليّات العسكريّة ضد المتمرّدين الأكراد، بعد أن اتّهمهم أردوغان بالخيانة. وكثيرٌ من هؤلاء الأكاديميين الآن قد غادروا البلاد خوفًا من الملاحقة وتجنبًا للمضايقات في بيئة بات الخوف هو عنوانها الأوضح.

وفي حال استمرار هذه الحالة فإنّ العديد من المراقبين يتوقّعون زيادة معدّل هجرة العقول التركيّة خارج البلاد، علمًا وأنّ معظم الأكاديميين الذين غادروا البلاد في الآونة الأخيرة قد فعلوا ذلك اعتمادًا على علاقاتهم الشخصيّة لا عن طريق طلبات للجوء إلى أوروبا أو غيرها من البلاد. كما أنّه من الطبيعي أن تؤثر هذه الحالة على العلاقات والتعاون بين الجامعات التركية والمؤسسات الأكاديمية الدوليّة، علمًا وأنّه قد ألغيت بعض المؤتمرات الأكاديميّة مؤخرًا، بعضها لأسبابٍ أمنيّة وبعضها اعتراضًا على سياسات الحكومة التركيّة في التعامل مع الأكاديميين الأتراك.

اقرأ/ي أيضًا:

الإثارة الانقلابية التركية

3 أسباب رئيسية لفشل الانقلاب العسكري في تركيا