31-مايو-2020

الترا صوت – فريق التحرير

أصدر الكاتب الأمريكيّ فيليب روث (1933-2018) عشرات الروايات التي حفرت اسمهُ كاتبًا بارزًا ورقمًا صعبًا في المشهد الأدبيّ الأمريكيّ، ولكنّ روايته الأولى "وداعًا كولومبوس" (1959) أخذت مكانةً مُختلفة ومُتمايزة عنده، كونها أثارت من الجدل ما يكفي لتجعل منه عرضة لتهمة مُعاداة السامية وخائنًا لأبناء جلدته اليهود أيضًا، حيث وصفت شخصيات الرواية بأنّها ضحلة وكارهة للديانة اليهودية واليهود، وهو ما دفع أحد الخامات حينها للمطالبة بإسكات روث، مُتسائلًا: "ما الذي يجب عمله لإسكات هذه الرجل؟ كان اليهود في العصور الوسطى يعرفون ماذا يفعلون به"، والمقصود هنا تصفية مؤلّف "السخط".

أراد  فيليب روث أن يكون، مُنقِّبًا ساخرًا في حياة اليهود في الولايات المتّحدة الأمريكية، يقلّب تربة التاريخ بحثًا عن المواد اللازمة لتفكيك حياة يهود الطبقة الوسطى

اتّخذ روث في روايته هذه التي صدرت ترجمتها العربية حديثًا عن (دار المدى) ترجمة أسامة منزلجي، مكانًا مُميّزًا جعل منه بطريقةٍ ما، وكما أراد روث أن يكون، مُنقِّبًا ساخرًا في حياة اليهود في الولايات المتّحدة الأمريكية، يقلّب تربة التاريخ بحثًا عن المواد اللازمة لتفكيك حياة يهود الطبقة الوسطى، والانعكاسات السلبية والإيجابية التي اختبرتها عقب الحرب العالمية الثانية. هكذا، سيتّخذ من قصّة شابّ يهوديّ يعمل في أحد متاجر الكتب، وبأجرٍ متدني، مدخلًا لعمليته التفكيكية، لا سيما وأنّ الشاب المدعو نيل كلوغمان يعيش مع عمّته وعمّه في حيّ تسكنه الطبقة العاملة، الأمر الذي يجعل من فتحة عدسة روث أشدّ اتساعًا في التقاطها لتفاصيل حياة اليهود هناك.

اقرأ/ي أيضًا: آن سكستون: نشيدٌ لأجلِ السيّدَة

يروي صاحب "الوصمة البشرية" في روايته التي مهّدت له طريقه باتّجاه فضاء الأدب، حكايةً أخرى جاءت على هامش حكايتها الرئيسية، تتناول الكيفية التي يتعامل بها بعض اليهود مع النساء اليهوديات خاصّة وغير اليهوديات عامّة، وهي معاملة يعنونها الاحتقار، بغض النظر عن مكانة المرأة، إن كانت أم أو عمّة أو عشيقة. هكذا، سيجد كلوغمان، بطل الرواية" في خطبته وسيلةً للترقي الاجتماعي، وفي مضاجعة النساء غير اليهوديات طريقة لانتقامه من المجتمع الأمريكيّ بمختلف طبقاته الاجتماعية، في الوقت الذي لا يتردّد فيه من السخرية من معتقدات عمّته الدينية، ووصفها بـ "المجنونة".

يكشف الروائي الراحل إذًا في "وداعًا كولومبوس" عيوب وخبايا المجتمع اليهوديّ داخل المجتمع الأمريكيّ بأسلوب جريء وفضائحيّ بحسب منتقديه الذين اعتبروه مدنّسًا لحرمة الديانة اليهودية بكتاباته المُشينة والشاذّة والساخرة التي كشفت طبقة عالقة بين الحياة الحديثة التي فرضتها نهاية الحرب العالمية الثانية، والحياة القديمة التي تسبق الحرب نفسها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

في المَشي كتابةً

سيمون دي بوفوار في محبة الجسد وبغضه