12-أبريل-2017

لقطة من فيلم Spirited Away

العناصر الغريبة التي تتجمع في حكاية فيلم Spirited Away 2001 أو"المتحولة ريحًا" كتعبير آخر لتسمية الفيلم، كل تلك التحولات والمخاطر تضعك أمام شجاعة مثالية تتملكها طفلة صغيرة تواجه صعوبات لتنقذ الكبار. فالطفل يرى ما لا يراه الكبير ويفهم ما لا يفهمه الكبار أحيانًا، ودليل ذلك الإهداء الذي جاء في الكتاب المشهور "الأمير الصغير" للفرنسي أنطوان دو سانت اكزوبري. فحين أهدى المؤلف كتاب الأطفال لشخص من الكبار وعذره بأن هذا الشخص الكبير بوسعه أن يتفهم كل شيء، بما فيه كتب الأطفال. فكتب الكبار والصغار هذه تشبه أفلام هاياو ميازاياكي، تلك التي تقول ما يفهمه الصغار والكبار الذين قد ينسون يومًا بأنهم كانوا صغارًا على حدّ تعبير اكزوبري.

فيلم Spirited Away أحد أهم الأفلام اليابانية وواحد من الأفلام المتصدرة لقوائم أشهر الأفلام  العالمية ومن أهم أفلام الأنيميشن

أخذ الكتاب ما أخذته رحلة تشيهيرو من فهمٍ وتوصيف لمعنى الرحلة ومفهوم البحث والتأمل ولكن بالعودة إلى فيلم Spirited Away فليس السحر والأشكال الغرائبية هي ما تشكل أبعاده، بل لتاريخ المكان الذي بدأ يزول ويُمحى وتتغير تفاصيله دور مفصلي في الحكاية.

يعد فيلم Spirited Away أهم الأفلام اليابانية وواحدًا من الأفلام المتصدرة لقوائم أشهر الأفلام العالمية في بداية الألفية الجديدة ومن أهم أفلام الأنيميشن الياباني. كل هذا ليس لأن تشيهيرو شجاعة وأنقذت والديها، إذا اعتبرنا أن الكبار قد يفهمونه بهذا الشكل، بل أيضًا لأن الفيلم مركب على حجم مسائل أخلاقية يدرجها الكبار في تفكيرهم، ربما تكون محط أنظار واهتمام ويفهمها ويشعر بأهميتها الصغار أكثر، وبعيدًا عن المباشر والتعليمي وكل ما يتعلق بالقواعد والأخلاق البشرية.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Going in Style".. هل يستحق المشاهدة؟

في فيلم Spirited Away لا قواعد ناظمة ومفروضة في الرحلة إلاّ قواعد الغريب والكبير والقوي؛ هاكو، يوبابا، والوالدين أحيانًا كسبب للوصول إلى هناك، واتخاذهم لقرارات لا منطقية دفعهم الطمع نحوها وأثرت على تشيهيرو وشكلت جوهر رحلتها.

فمنذ البداية في خطة الانتقال إلى بيت جديد ومدرسة جديدة، يحدث الخطأ الذي يوصلهم إلى المكان الخطأ، لتنفلت كرة الأخطاء والتناسي، فيصل الجميع إلى ما لم يتخيلوه يومًا. فتنحل الهوامش بين الحلم والواقعية، ليبدأ معيار جديد من المصادفات يلعب بها الخوف كدافع للتقدم.

ترتدي تشيهيرو في إحدى مشاهد  فيلم Spirited Away حذاءها الصغير على عجل وتتبعه بخبطتين على الأرض ربما تتأكد من خلالهما بأنها لم تتحول بعد كما هو حال الجميع في المنتجع أو مركز السباحة والاستحمام الذي وجدت نفسها فيه، لتجد أنه ما زال للأرض رد فعل واضح ولو بالصوت على وقع خطواتها.

تُمّكن أصابع القدمين جيدًا في الحذاء بعد أن قضت ليلة لا تحسد عليها، تمكنت بإحساس الخطر الكبير الذي رافق كل غريب وطارئ عاشته من الحصول عل عمل في منتجع للأرواح، تخرج من البناء وتمشي وقلبها يسبقها وتبطئ خطواتها عند رؤيتها لكائن ما غريب عنها، فسرعان ما اعتادت على تلك الشخصيات المخيفة. تلاقي تشيهيرو صديقها هاكو الذي كان قد ساعدها ودّلها على خطة البقاء المؤقت في المنتجع ضمن شرط محدد سيزول بعد فترة، فيأخذها لرؤية والديها اللذين تحولا إلى خنازير بعد أن أكلوا طعام الأرواح خلال رحلة التوهان التي أوصلتهم إلى مكان غريب.

ما جعل لوقع الخيبة صدى كبيرًا في قلبها رغم سعيها لإعادة والديها لحياتهما الطبيعية والتخلص من عقد يوبابا الذي يلزمها بالعمل والطاعة، رغم أنه مخطوف من طبيعته وراضخ ومنبوذ في مكان كبير عليه.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "ولايات الحب المتحدة": الجنس كمدخل للسياسة

إلى جانب ذلك هناك مفهوم العودة أو الرجوع الذي تعمل من أجله في فيلم Spirited Away. فقد بدأت رحلتها تنظف قاعة استحمام وانتهت مع حلّ لغز اسم هاكو الذي كان قد نسيه، مما جعله مرهونًا ليوبابا بشكل كامل، وحلّت لغز سحر أخت يوبابا الساحرة التي تلعب دورًا مؤثرًا في تحويل الأرواح الموجودة في المكان.

كثير من قصص أفلام ميازاكي تحوي جانبًا تاريخيًا في السرد الدرامي حول أمكنة وتفاصيل رُدمت وبنيت فوقها منازل وأمكنة أخرى

صراع أقوياء يحمل في طياته صراعًا سلطويًا يمحي تفاصيل ويغير أساسات في الفهم الحقيقي للجغرافيا، وإن بدا قليل شأن مهمل كمكان متروك وبعيد ينفذ إليه الغرباء إلاّ أن له ثقلًا كبيرًا في الذاكرة والحضارة.

لفيلم Spirited Away شعبية كبيرة بين متابعي أفلام السينما العالمية وأفلام الإنيميشن، فلماذا نحب رحلة تشيهيرو؟ سؤال ربما لا نستطيع الإجابة عنه حتى بعد مشاهدات عديدة للفيلم، ولكن هي شهرة الفيلم وما تنطوي عليه حكايته من أفكار عن تاريخ وحكايات يابانية كانت قد اختفت بعد الحرب، كالكثير من قصص أفلام ميازاكي التي تحوي جانبًا تاريخيًا في السرد الدرامي حول أمكنة وتفاصيل رُدمت وبنيت فوقها منازل وأمكنة أخرى.

هذا تفصيل أعطى لجزء من الرحلة أبعادًا تقربها من المنطقية، ولكنها كحاية تزخر بالأرواح المتحولة والحائمة في المكان تمنح تشيهيرو روحًا إضافية حولتها لأيقونة تروي حكايتها عن الشجاعة والحذر من الطمع.

اقرأ/ي أيضًا:
اليابان في السينما الأمريكية.. وحشية وندم متبادلان
7 من أفضل أفلام سرقات البنوك