04-يناير-2019

من الفيلم (IMDB)

يعبّر الجنس عن الشخصية الإنسانية ككل، ويتفاعل مع الخيال والعاطفة والشعور بالغير وبقيمة الذات وبعوامل نفسية كثيرة. وكما وصف الدكتور الفرنسي بول شوشار الجنس بقوله "جنس نفسي".

فيلم "Sleeping Beauty" من تأليف وإخراج الروائية وصانعة الأفلام جوليا لي.

قصة الفيلم

الجميلة النائمة في الفيلم هي لوسي (الممثلة إيميلي براوننغ)، وهي طالبة جامعية تعمل في عدة وظائف لدفع إيجار منزلها وأقساط دراستها الجامعية وتأمين المال من خلال العمل كموظفة في مكتب، في حانة، وتشمل وظائفها أيضًا التطوع من أجل تجارب طبية تتضمن ادخال أنبوب في فمها.

في فيلم Sleeping Beauty، يمارس الرجال الطاعنون في السن الجنس كمغتصبين تارة، وكأطفال تارة أخرى

في أحد الأيام، تقدم لوسي طلبًا للعمل عبر إعلان في صحيفة ورقية في مؤسسة بمعاش مغرٍّ كنادلة تقدم الطعام لرجال أغنياء، ولكن عليها أن تلبس اللانجري أثناء ضيافتهم. إنه عمل في مجال خدمات الجنس المتخصصة. السادة الرجال المسنّون في البدلات الرسمية يعقدون حفلات العشاء ويدفعون الشابات الجميلات لخدمتهم وضيافتهم في أتيكيت وهن عاريات تقريبًا. بعد فترة تأخذ لوسي مهمة جديدة في عملها وهي الجميلة النائمة، وهي وظيفة بأجر أعلى من الوظيفة الأولى. عليها أن تشرب كوبًا من الشاي الذي يحتوي على منوم قوي وتستلقي على السرير عارية.

اقرأ/ي أيضًا: ماهرشالا علي.. خاطف ضوء القمر 

يدخل في كل مرة رجل عجوز يعاني من عدم القدرة على الانتصاب، ويقوم بمداعبة جسدها وفعل ما يشاء به بعد أن يخلع ملابسه كاملة. إنه بمثابة موعد من أجل الاغتصاب وممارسة الجنس مع جثة، لكن مع عدم إمكانية ولوج الأعضاء الذكورية داخل مهبل لوسي. إنها حالة شبيهة بسارق يسطو على البنك بخرطوم مياه وليس بمسدس.

تضع السيدة كلارا مسؤولة النادي القانون الأساسي "يمنع الاختراق". وتكرر دائمًا الكلام للرجال المسنين قبل تركهم منفردين مع الجميلة النائمة "أنتم بأمان هنا، هناك سرية تامة، لا أحد سيعلم شيء، لا خجل هنا، اعتبروا هذا المكان بيتكم، لا أحد سيحكم عليكم وعلى أفعالكم ولن يراكم أحد".

االفكرة أنه ليس بالضرورة وضع قاعدة لمنع إيلاج القضيب في مهبل الجميلة النائمة، فهؤلاء الرجال المسنون لا أمل لديهم في انتصاب أعضائهم الجنسية. لا نكاد نرى القضيب الذكوري للرجال وربما تم بتره. لقد أتوا إلى هنا بالتحديد بسبب ذلك. نرى في الفيلم أجساد هؤلاء الرجال الرخوة الذابلة والمتجعدة مقابل جسد لوسي الأبيض الجميل.

يمارس الرجال الطاعنون في السن الجنس كمغتصبين تارة، وكأطفال تارة أخرى، يفترسون لحم الجميلات النائمات، يعانقونهن، يشمونهن، يلحسون أعضاءهن، ينامون على صدورهن، يتهالكون من التعب أمام جمالهن، ينتقمون منهن عبر حرقهن بالسجائر. لكن بعد عدة مرات تصبح لوسي مهووسة بمعرفة ما يجري لها أثناء تخديرها ونومها على السرير. تشتري كاميرا صغيرة وتضعها في غرفة النوم حيث تستلقي من أجل اكتشاف ما يجري معها.

الرغبات الجنسية لا تموت

فيلم كوميديا ​​سوداء مناف للعقل والمنطق، لكنه يطرح إشكالية غالبًا ما يتجاهلها المجتمع حول كيف يصرف الرجال انتباههم عن فكرة الموت الوشيك، فهل يموت المسن إذا ماتت قدرته الجنسية؟ كيف يتصرفون أو يرغبون في التصرف عندما يكون لديهم المال والمكانة ولكن ليس لديهم الشباب والقوة الجنسية.

يحتاج الفيلم إلى عدسة فرويدية لتحليل مضامينه. فحسب نظرية فرويد في التحليل النفسي يخضع الطفل إلى خمسة مراحل من النمو الجنسي. المرحلة الأولى هي المرحلة الفمية حيث يحصل الطفل على كل المثيرات الجنسية من خلال الفم (المص، المضغ، اللحس، الرضاعة، العض ألخ..) وصولًا الى المرحلة الأخيرة وهي المرحلة التناسلية.

يخبرنا الفيلم أكثر من ذلك حيث إن الرجال المسنين عادوا الى المرحلة الأولى من النمو الجنسي بعد مرورهم بالمراحل الخمسة. والحياة الجنسية للمسنين كما يريد الفيلم تصويرها حين تصل إلى مرحلة الضمور، فإنها بمعنى آخر تعود الى المرحلة الفمية. هكذا هي دورة الحياة الجنسية تبدأ من الفم وتضمر تدريجيًا لتنتهي بالفم.

لذلك نجد أهمية كبيرة للفم في الفيلم منذ أول مشهد للبطلة لوسي وهي تضع الأنبوب في فمها، أو يوضع الأنبوب داخل فمها من قبل رجل/ممرض. وفي مشهد أخر تطلب كلارا من لوسي وضع أحمر الشفاه على فمها بما يتناسب مع لون مهبلها، لكن لوسي لا تأخذ هذا الأمر على محمل الجد وتهمله، لكن حين تراها كلارا مجددًا تأخذها بيدها وتضع لها أحمر الشفاه المتناسب مع لون مهبلها. ورمزية أخرى للفم نجدها حين ينتهك أحد الرجال المسنين فمها ويضع أصابعه داخل حلقها ثم يقبلها بشراهة ويدخل لسانه في فمها ويلحس وجهها، ويرمز الفم بالنسبة للرجال المسنين في هذا الفيلم باعتباره بديلًا للمهبل، بديل يمكن لهم الولوج اليه بأصابعهم وألسنتهم، ورمزية إضافية حين نشاهد كلارا كيف تقوم بإعطائها جرعة من التنفس الاصطناعي بفمها لتعود الى الحياة.

يظهر لنا الفيلم كيف أن جسد البطلة يتم انتهاكه باستمرار وهي مستسلمة، دون أي ردة فعل، وكيف أنها فتاة ميتة من الداخل وتعاني من صدمة وكراهية لذاتها. أحد الرجال ينام على صدرها كطفل، والثاني يصرخ غاضبًا وينهش جسدها كذئب مفترس، وثالث يحملها بين ذراعيه كلعبة ويرميها على السرير. أفعالهم ليست جنسية لكنها رمز لرغبات ولمشاعر سوداء دفينة داخل هؤلاء الرجال، تجعلهم يريدون لعب هذا الدور الذي يسيطرون فيه على المرأة بكليتها وممارسة السلطة عليها. تعبر هذه المشاهد عن طبيعة العنف الجنسي المتأتي من رغبات القسوة أو السادية.

يشعر هؤلاء الرجال أنهم مشلولون، وأن الحياة فقدت المعنى في نظرهم، لذا لجأوا إلى ما يرد لهم الروح. أحد الرجال المسنين يحكي قصة مؤثرة بالنسبة له ويقول "حين أقرأ كلمات مثل: انهض، امش، عظامك ليست مكسورة. أشعر بحزن هائل. كنا ثنائيًا سعيدًا، زوجتي وأنا، هكذا كان يظن الناس، لكن في الحقيقة أنا لم أقدر زوجتي، ولا حتى أصدقائي، ولا أطفالي. لكن الليلة لأول مرة أستطيع القول إن عظامي مكسورة".

يقرر الرجل المسن شرب الشاي أيضًا الذي يحتوي على منوم شديد مع علمه بخطورة ذلك، والاستلقاء الى جانب الجميلة النائمة لوسي. يموت الرجل المسن إلى جانبها بفعل المضاعفات. إن جروحه مكسورة وقد فقد المعنى في الاستمرار بالعيش وقرر الموت. انتهت الحياة حين انتهى الجنس بالنسبة له.

لوسي والتفكك الداخلي

كلارا تخاطب لوسي قائلة: جسدك هو معبد لن يتم اختراقه. ترد لوسي: جسدي ليس معبدًا. لوسي تذهب إلى البار وتمارس الجنس مع غرباء ليس بدافع قبض المال وإنما كي تعوّد جسدها على العمل الجنسي، وربما بسبب لا مبالاتها وتفككها من الداخل. إنها فتاة بلا عائلة حاضنة. تربطها علاقة معقدة مع مدمن مخدرات اسمه بيردمان. من الواضح أنه يحبها، لكنها لم تشعر بالرغبة لممارسة الجنس معه، وكانت علاقتها به بسبب حاجتها للعطف الأبوي، إضافة الى علاقتها المرتبكة بأمها وأختها.

هكذا هي دورة الحياة الجنسية تبدأ من الفم وتضمر تدريجيًا لتنتهي بالفم

يلعب رضى لوسي لعملية التخدير جزءًا من رغبتها الدفينة للموت، لكنها سرعان ما تتلقى العقاب بسبب حشريتها لمعرفة ما الذي يجري داخل الغرفة، فتشاهد ما لم يجب مشاهدته. ففي إحدى المرات قامت بشراء كاميرا صغيرة جدًا ووضعتها في غرفة النوم كي تشاهد ما يحصل لها أثناء النوم.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم هي.. الاغتصاب كغريزة معكوسة

في إحدى المرات، كان مفعول الدواء قويًا مما أثار خوف كلارا واضطرها أن تقوم بهزها وإعطاءها جرعة من التنفس الاصطناعي حيث تضع كلارا فمها على فم لوسي كي تقوم بإيقاظها، وحين تستيقظ تجد رجلًا عاجوزًا ميتًا ممددًا إلى جانبها على السرير فتبدأ بالصراخ. صرخاتها في نهاية الفيلم تماثل صرخات المولود الجديد وصدمته اثر مجيئه الى الحياة، وهكذا نجد أن لوسي قد استفاقت أخيرًا من سباتها. تضع لوسي حدًا لانتهاك جسدها بواسطة الصراخ أي الرفض. لقد وجدت نفسها أو وجدت صوتها الخاص وصار بمقدورها وضع حد لاستلابها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فيلم "The Hatefull Eight": العدالة الكاملة والعدالة الناقصة

فيلم "Journey's End".. عدسة مقرّبة على حياة جنود الحرب العظمى