12-أغسطس-2017

لقطة من الفلم

لين رامزي مخرجة أوروبية، جاءت من البلد التي أحضرت للعالم التلفاز، المحرك البخاري، الويسكي والبنسلين كما يقول الكاتب إرفين ويلش على لسان أحد أبطاله؛ إنها اسكتلندا البلد صاحبة اللكنة الثقيلة التي لن يفهمها إلا سُكانها. درست لين رامزي السينما كعاملة كاميرا لكن بعد تخرجها عملت في مجال الإخراج. حيث بدأت مسيرتها بفيلم قصير ثم تبعته بأول أفلامها Ratcatcher 1999.

لين رامزي ليست مجرد مخرجة استطاعت فقط توظيف كادراتها لتشرح لك بالصورة فقط مشاعر البطل، بل كاتبة سيناريو عبقرية

حكاية فيلم "Ratcatcher" قد تكون أقدم فكرة في تاريخ السينما، وأكثرها تناولًا بمختلف التنويعات، لكن "رامزي" بشكل ما قد عثرت على زاوية جديدة لمناقشة هذه الفكرة، ألا وهي فكرة الندم.

يحكي فيلم "Ratcatcher" قصة "جيمس" الفتى الصغير الذي لا يكف عن اللعب وصنع المشاكل والمصائب، وفي بداية الفيلم يتسبب دون أن يدرك ذلك في غرق صديقه في القناة، وحين يكتشف الأمر يلازمه الندم إلى الأبد.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Lady Macbeth" والتمرد حين يشرع أبواب القتل

مع مرور الأحداث نقابل أُختيه الصُغرى والكُبرى، ونقابل والديه، ونُدرك أنه شِبه منبوذ بين هؤلاء، منسي، قطعة أثاث زائدة في البيت تُحضر لوالدها البيرة وتلهو في الشوارع.

يقابل "جيمس" فتاة تسكن في الجوار، لا تُمانع من مقابلة الشُبان في بيتها، لكنها بشكل ما لا ترى "جيمس" كطفل، وفي نفس الوقت لا تراه شابًا بالغًا.

العلاقة بينهما كانت بسيطة وجميلة، كأنها ترى فيه صديقًا، ليس شابًا يطمع في جسدها، بينما هو يراها كأخت أو أم له، وذلك قد تراه في الكادر العبقري حيث احتضنها على الأريكة لبضع دقائق.

سريعًا ندرك أن فيلم "Ratcatcher" لا يُناقش فكرة الندم بقدر ما يناقش فكرة الحرية، أو الهروب والتحرر من القيود، الهروب من العائلة، الهروب من مقتل الصديق، الهروب من البلدة بأكملها وجوها الملوث وجدرانها الخانقة.

ثمة جزء عبقري في فيلم "Ratcatcher" حيث يستقل "جيمس" حافلة متجهة إلى مكان لا يعرفه، وينزل مع نهاية الخط ليكتشف عالمًا جديدًا، حيث يكون فيه وحيدًا تمامًا متحررًا من أي قيود.

في خلفية الأحداث تعرض لنا لين رامزي اسكتلندا، وما أصبحت عليه الآن، فترينا اختلاف الطبقات التي اتسعت الفواصل بينها بشدة. وترينا في فيلم "Ratcatcher" المكان الذي يعيش فيه "جيمس" وعائلته حيث المياه ملوثة، والخدمات من سيئ إلى أسوأ، بينما يعاني الأب في الحصول على شقة بخدمات بسيطة بدلًا من الشقة الهالكة التي يعيش فيها مع عائلته. تتماهى الأحداث الرئيسية مع خلفيتها، لندرك أن الجميع في فيلم "Ratcatcher" يحاول الهروب.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "The Lives of Others" وتقنيات السلطة الحديثة

"جيمس" يحاول أن يهرب من جريمته، وأختاه تريدان الهرب من سلطة البيت، الأب يريد أن يهرب من المسؤولية، والمجتمع بأسره يريد أن يهرب من المستنقع الذي يعيش فيه. في النهاية يمكننا أن نعتبر فيلم "Ratcatcher" فيلمًا تأريخيًا إلى حد ما، أو مانيفستو مُختبئًا خلف ستار درامي.

درست لين رامزي السينما كعاملة كاميرا لكن بعد تخرجها عملت كمُخرجة. بدأت مسيرتها بفيلم قصير ثم تبعته بأول أفلامها Ratcatcher 1999

بعض النقاد رأوا أن فيلم "Ratcatcher" بطيء في سرده، وأن تلك نقطة ضعف كبيرة فيه. لكنهم لم يدركوا أن الفيلم لا يتكلم عن طريق السرد، بل عن طريق خلق جو عام حول المشاهد، وذلك ما يجعل فيلم "Ratcatcher" فيلمًا شاعريًا.

لين رامزي ليست مجرد مخرجة استطاعت فقط توظيف كادراتها لتشرح لك بالصورة فقط مشاعر "جيمس"، بل كاتبة سيناريو عبقرية كانت تلخص حوارات كاملة في بضع كلمات. نهاية فيلم "Ratcatcher" قد تكون غير متوقعة، أو غير مرضية، لكنها بالنسبة لي كانت أفضل نهاية لفتى صغير حاول الهروب من مشاكله.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فيلم "Incendies".. حرائق الحرب الأهلية التي لا تنطفئ

فيلم "Gifted".. ما النافع إذا خُلّد اسمك ومت وحيدًا؟