16-أغسطس-2017

لقطة من الفيلم

"كلنا بشر، كلنا متساوون، وكلنا يمكن أن نكون في يوم من الأيام لاجئين"، هذا ما قاله المخرج الفنلندي آكي كوريسماكي في المؤتمر الذي عقده بعد عرض فيلمه الأخير The Other Side of Hope الجانب الآخر للأمل 2017. كما وأمل من السينما التأثير الكبير والتغيير المرجو، بما يتعلق بفهم وتصور معاناة اللاجئين، والمراهنة على إنسانيتنا في ذلك التصور.

تعطي سينوغرافيا فيلم The Other Side of Hope انطباعًا قاسيًا عن بلد كفنلندا، حيث نصادف كل ما هو قديم وباهت يغطيه البرود والجفاف

وعليه يفتح كوريسماكي عدسة كاميرته من جديد على قصة الشاب خالد علي الذي يصل إلى فنلندا عن طريق الصدفة، بعد أن ركب باخرة لا على التعيين ونام فيها من شدة تعبه دون أن يدري إلى أين تتجه به. هو الذي هرب من الحجز في مقدونيا، وأضاع أخته مريم في طريقهم إلى أوروبا هربًا من الحرب في سوريا، قصة خالد يرويها الممثل السوري شيروان حاجي والذي قام بدور خالد، ونعرف تفاصيلها عبر مقابلاته المتلاحقة في مكتب الهجرة، يجيب على الأسئلة بكل رتابة، مصرًا على الاستمرار خصوصًا بعد أن رفضت السلطات الفنلندية طلب لجوئه بحجة أن الوضع في مدينة حلب شمال سوريا جيد، والحياة هناك ممكنة.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Baby Driver والموسيقى التي يمكن بناء كل شيء عليها

أمّا ويكستروم فيبحث عن حياة أخرى قد تكون ممكنة في هلسنكي، بعد قراره بالانفصال عن زوجته وترك البيت والعمل، والبحث عن فرصة أخرى للبدء من جديد، ويكستروم في منتصف العمر، بينما خالد أكثر شبابًا، نجدهما إلى جانب بعضهما في محطة واحدة من انتظار الأمل.

فإذا كانت مشكلة خالد هي الاغتراب في بلد جديد، فمشكلة ويكستروم هي الاغتراب في بلده وبحثه عن محاولة جديدة، فيتأمل يخطط وينفذ بنفسه ما يقترحه على نفسه، ليبدو هامش الحرية هذا كبيرًا عند ويكستروم ويكاد يكون معدومًا في حالة خالد، كما ولويكستروم حظ أقوى من حظوظ خالد فقد ربح الأول المال في لعبة قمار لن يعيدها، فسحت أمامه المجال للبدء من جديد، أما لعبة خالد فلم يحن موعدها بعدها.

الصدفة نفسها التي أوصلت خالد إلى فنلندا جعلته يلتقي بويكستروم بعد هروبه من الكامب وبحثه عن مأوى يستطيع أن يقيه التشرد، فيختبئ بالقرب من مطعم ويكستروم الذي افتتحه من جديد، بكل طاقته الإيجابية يحاول أن يبث الحياة في أرجائه الباردة.

فيدعو ويكستروم خالد للعمل لديه، بعد أن تعارفا إثر مشاجرة انقضت بلكمات على الوجه. كصفعة تلقاها كل منهما في حياته، فقررا وكلٌ على طريقته أن يبدأ من جديد. مطعم ويكستروم ليس على ما يرام، ما يجعل من صاحبه مفكرًا ومبتكرًا يحاول القيام بأيّ شيء يدفع مطعمه إلى الأمام قليلًا.

على حافة خيبة الأمل تسير شخصيات كوريسماكي في فيلم The Other Side of Hope، ليعودوا إلى الأمل من جديد فيتحركون ضمن مفردات بسيطة، نرى فيها هلسنكي كمساحة ضيقة وباردة، ولكن ممكنة أمام الفعل.

خارج الصورة النمطية لتناول حياة المهاجر واللاجئ، يضعنا آكي كوريسماكي في فيلم The Other Side of Hope أمام نموذج محليّ وآخر غريب وبعيد، يجمعهما المكان فقط، وريثما يلعب كلٌ منهما دورًا فعليًا في حياة الآخر، يبحث معه عن فرصة تقوده لتغيير الواقع ومن ثم قلبه والتغلب عليه، سواء بمساعدة خالد لويكستروم في عمله، أو بوقوف ويكستروم إلى جانب خالد في ابتكار طريقة لتهريب أخته الضائعة مريم وجلبها إلى هلسنكي.

على الجانب من كل هذا يعاني خالد من أزمة أخرى تزيد من الثقل والبرودة على قلبه، حيث تلاحقه مجموعة من النازيين الجدد من هؤلاء الذين يعتبرونه يهوديًا ويريدون القضاء عليه، عبر مراقبته والتعرض له، وأخيرًا طعنوه بسكين في بطنه، ليصبح خوف خالد مزدوجًا من الشرطة التي تريد طرده من فنلندا ومن العنصريين أيضًا ممن لا يعرفون الأشخاص إلا بأشكالهم.

تأثير ويكستروم وخالد على بعضهما يسقط فكرة الهوية والانتماء عن قصة الفيلم، ويجعل من العالم ملعبًا رحبًا للأمل من جديد.

بعيدًا عن البحث في مشكلات الشخصيات وخط أفعالها، يضعنا آكي كوريسماكي في فيلم The Other Side of Hope أمام عالم قلق، يقدم من خلاله رؤيته عن الحرب واللاجئين القادمين من بعيد، واللاجئين الفعليين في بلدهم. ليصبح اللجوء فكرة أكبر وأشمل. فنصادف فنلندا التي كانت كبيرة على مقاس خالد الغارق بمشكلة إقامته في بلدٍ يرفضه، وانتظاره لأي خبر قد يرد من أخته التائهة على الحدود، وسط الحنين والقلق، ونصادف فنلندا مشابهة أيضًا، وكبيرة على شخص مثل ويكستروم بعد أن انتصف به العمر، وقرر المحاولة مرة أخرى للنجاة من العواقب والخيبات.

اقرأ/ي أيضًا: روبن ويليامز.. في الذكرى الثالثة ربما لم يمت منتحرًا

يجند آكي كوريسماكي شخصية اللاجئ لأغراض إنسانية، يقول خالد رأيه عن العالم ويؤثر في محيطه، رغم انعطافه عبر أدائه البارد نوعًا ما نحو التعاطف، ولكن ينفلت أمام الغرابة والاختلاف، رغم القيود التي فرضت عليه.

فيقارب المخرج في فيلم The Other Side of Hope بين شخصية الغريب وشخصية التائه ومن خلال ذلك يقدم على قول أن مشكلة العالم واحدة، فحتى لو لم يمنح الفنلنديون حق اللجوء لخالد، إلاّ أنهم يعايشون الاغتراب دائمًا في بلاد باردة رتيبة بدت في الفيلم بالية وقديمة بعض الشيء.

وتعطي سينموغرافيا الفيلم انطباعًا قاسيًا عن بلد كفنلندا، حيث نصادف كل ما هو قديم وباهت يغطيه البرود والجفاف دفعة واحدة، مقر الشرطة، والمطعم الذي يحاول ويكستروم تغييره، حتى الشوارع وأمكنة أخرى تقول أن السائد هنا هو الرتيب.

خارج الصورة النمطية لحياة المهاجر اللاجئ، يضعنا فيلم the other side of hope بين نموذج محليّ وأخر غريب وبعيد، يجمعهما المكان فقط

تتخلل فيلم The Other Side of Hope الكثير من المقطوعات الموسيقية الفنلندية لفرق روك يستقدمها ويكستروم للعزف في المطعم بغية تبديد الأجواء المعطلة وبث الروح في أرجاء المكان القديم، إلاّ أن خطوات الرقص لم تحفز على التغيير. ولكن القشرة السوداء تموت ويبقى الجوهر الناصع الذي يدفع الشخصيات للوقوف بجانب خالد علي في رحلته في البلاد الجديدة.

فوضع الأخير ليس أسوء من أوضاعهم جميعًا بل ربما هم متشابهون كثيرًا، بمأزق الحياة ومحاولة البحث عن الحلول التي تجعل من العالم أقل قسوة وسوادًا، وفي المحصلة هي ذاتها دوافع جميع من يشارك في الفيلم. بعد عرضفيلم The Other Side of Hope في مهرجان برلين السينمائي الفائت، وحصوله على جائزة أفضل إخراج، عزم آكي كوريسماكي على الاعتزال عن العمل في السينما بحجة تعبه ورغبته بأن يرتاح.

 

اقرأ/ي أيضًا:

7 من أفضل صناع الموسيقى التصويرية خلدوا أسماءهم في أفلام عظيمة

فيلم "Gifted".. ما النافع إذا خُلّد اسمك ومت وحيدًا؟